الحوتُ يبتلعُ القمرَ

فايز هاشم الحلاق

دَنتْ تحنو على اليُنبوع في الوادي،

وما كانَتْ بطائِشةٍ،

ولا احْتاجَتْ إلى حاديْ.

هيَ اعتادَتْ على نومٍ،

هُنا صُبْحًا بِلا إِذْنِ

أَليسَ الغيمُ حُرًّا في تَحرُّكِهِ؟

وهلْ حَكَموا؟

بأنَّ القطنَ ممنوعٌ؛

منَ الإتيانِ للأرضِ،

وممنوعٌ؛

منَ الإغْفاءِ فوقَ العُشبِ والوَردِ.

أتَتْ ترتاحُ في مَرجِها الواسِعْ

بثوبِ زَفافِها النّاصِعْ،

فغَطتْ كلَّ ما يَبدوْ؛

جمالًا حَواهُ المشهدُ الرّائِعْ،

وآزَرَها بِعَسْكَرِهِ

دجى لَيلٍ أَتاها وَهْوَ مُسْوَدُّ

لكي تَغْفو على أَطْرافِ مِئزرِهِ

وكمْ منْ غَيْمَةٍ تَبْكي

إِذا غَنَّتْ مَعَ الريحِ والعَصْفِ

وكانتْ وحدُها تَشدُوْ.

فأهلًا بالّتي نَزَلتْ،

من الأَعلى ولم يُعْرَفْ لها حَدُّ.

بليلٍ راحَ نِصْفُُ الدّجى مِنْهُ

قُبَيْلَ الشَّمْسِ إِذْ هَلَّتْ

ونورُ الصُّبْحِ يَشْتَدُّ

يُصارِعُها

سحابٌ كانَ يَنْصَحُها

وقَدْ باتَ مُعْتَرِضًا

على غَيمٍ بلا هَطْلِ،

على صَحْوٍ بلا صَيْفِ

لذاكَ أَتى بكُلِّ الرِّيحِ والعصفِ،

يُغطّيْ الأَرضَ والشَّجَرا،

ويُمليْ الفَضا شَرَرا،

سحابٌ فاحِمُ اللونِ.

فبرقٌ، ثمَّ رَعْدٌ، ثمَّ خَوفٌ يحملُ المَطَرا.

وباتَ الرّكْبُ مُعْتدِيًا.

أبى إِلَّا – بلَيلٍ – يَحْجبُ القَمرا.

فَمنْ حرَّكَ الأَنواعَ قاطِبَةً؟

ولَمْ يَرْحَمْ ولَمْ يَسْأَلْ

لماذا أَرْعَبَ البشرا؟

أعاجيبٌ وأسرارٌ.

أَيَبقَ العقلُ عَقْلًا؟ أَمْ

نُوازيْ بِهِ الحَجَرا؟

أَهذا أَصْلُ ما يُحكى؟

(قضاءٌ يَسْبِقُ القَدَرا)

2

قَصَدْنا النَّوَّ في أَعلى المحيطاتِ؛

تَقَصَّينا.

ظَنّنا بِأَنَّ السِّرَّ مَوْجُودٌ،

مَعَ الخَبَرِ،

فَيَنْبَهِرُ بِصَوْتِ الرَّعدِ والشّرَرِ،

كثيرٌ من الحيتانِ في البحرِ،

وقدْ بَيَّتوا أَمرًا،

فلا مركبٌ يَطفو؛

ولا أَحدٌ من الناسِ موجودٌ.

وبَعضُ الحوتِ مختبئٌ؛

لأجلِ الشِّركِ يَنْتَظِرُ؛

لَعَلَّ الصَّيدَ يأْتيهِ!

سَأَلْنا القِرْشَ عن شرٍّ يمارِسُهُ:

لماذا أَدمَنَ القَهرا؟

ونابٌ شابَهَ السّيفَ، مسنونٌ ومرفوعٌ،

بِزَهْقِ الرّوحِ قدْ أُمِرا.

وضِعْنا في مَتاهاتٍ.

فلا عقلٌ يحلُّ اللّغزَ، أو صبرٌ؛

إذا ما العَقْلُ قدْ صَبَرا.

ذَهَبْنا إلى العَرّافِ نَسْأَلُهُ:

أرانا كلَّ ما يَعلمْ،

وما لم يَكنْ يَعلمْ

منَ السِّحْرِ

فعُدْنا وَقَدْ ضاعَتْ إجاباتٌ

أَهذا أَصْلُ ما يُحْكى؟

(قضاءٌ يَسبقُ القَدَرا)

3

إِذا كانَتِ الأَسرارُ في البَحرِ،

فإِنَّ الشطَّ صاحِبُنا،

قريبٌ من أَراضينا،

وكَمْ كانتْ سَنابَلَهُ!

تداعِبُنا،

وكالأَطفالِ تَأْتينا،

وماءٌ ليسَ يُغْرِقُنا،

ضآلَتهُ إلى السُّرةْ،

منَ الأخطارِ يَحْمينا.

رَأينا مَركبًا غيرَ ذيْ بُعدٍ،

على ظهرِهِ خَمْسٌ،

هواةُ الصَّيْدِ والمُتعَةْ،

أتوا بالصَّحْوِ للنُّزْهَهْ،

وقَدْ أَمِلوا؛

من الأنواءِ بَسْمَتَها،

وللأَنواءِ تَبديلُ،

صحى للتّوِّ تِشرينُ،

بوجهٍ عابِسٍ غضبِ!

لِيُعطي الأَمرَ للأمواجِ: أَنْ ثوريْ

وللتنينِ: أنْ هَيّا؛

إلى الإِغراقِ والموتِ،

فلا تُبْقي ولا تَذَرِ.

وصارَ الموجُ كالجبلِ!

لِيَدْنو بَعْدَهُ موتٌ

وتتلوهُ من الأخبارِ فاجِعَةٌ.

نجى من خمسةٍ رجلُ،

طواهُ الموجُ والحوتُ.

على التَوِّ،

إلى جَوفِ حوتٍ كانَ مثواهُ

أهذا أصلُ ما يُحكى؟

(قضاءٌ يسبقُ القَدرا).

4

وَعُدنا إِلى الجُّهالِ نَحْتِكُم.

تُسيرِّنا مَتاهاتٌ،

صِراعٌ كُلُّها الدُّنْيا

فَلا سِلْوٌ ولا سَلْوى،

ولا مَنْجاةَ من بَلوى,

مَتى يا سِرُّ نَلقاكَ؟

أَليْسَ الهاديْ إلّاكَ؟

سَئِمْنا مِنْكَ لَكِنَّا؛

نَموتُ ونَحْنُ نَهْواكَ.

كبيرٌ كُلُّ منْ فينا؛

بِنورٍ سارَ مَسْراكَ.

أَليسَ الأُلى ذَهَبُوا؟

وقدْ تَرَكوا لنا خَبَرًا

غَريبًا،

فقالوا: كادَ حوتٌ يَبْلَعُ القَمَرا.

وشَمْسٌ تَكشِفُ السِّرا،

فقدْ زَعَموا:

بأَنْ سوفَ تَنْطَفِئُ.

لِيَبقَ الكُلُّ يَنْتَظِرُ،

وفي ما بَعدُ يَنْدَهِشوا،

بِرُؤْيا لم تُرَى قَبْلًا،

بِحِسٍ يَصْنَعُ البُركانَ في العَقْلِ،

وعَقلٍ قَدْ يَرى الخلَّاق مَوجودٌ.

فلا تَسْألْ!

فَإِنَّ العَينَ لَنْ تُدْرِكْ.

أَنورٌ هوَ اللهُ؟!

أَخوفٌ شَلَّ أَطْرافًا؟

أَنجمٌ سارَ في العَلْيا؟

وهانَحنُ، في كُلِّ إِصْباحٍ،

نقولُ: العَدْلُ مَسْراهُ،

نراهُ فَتكبرُ الرُّؤْيا،

تَكلُّ العينُ ساعاتٍ؛

وتَفْرَحُ إِنْ تَرى عَدْلًا

دروبٌ ليسَ تُنْجينا،

نُقاسيْ كُلَّ حاضِرِنا،

نُعاني بَعْضَ ماضينا،

نَرى الآمالَ في الآتيْ،

فَنَسْعى مِثْلَ هارِبَةٍ،

إلى الأنوارِ قَدْ نَصِلُ،

ولا نَصِلُ.

وَلَكنّا نحنُ نَقْتَطِفُ،

ثِمارًا لم نَرَى شَبهًا.

أَحقًّا أَنَّها الجَنَّةْ؟

أَما كُنَّا وما زِلْنا نَعيشُ بِها؟

فَمِنْ كانَ صَنّاعًا لَها أَمْسًا؟

أَليْسَ الخالِقُ الأَوَّلْ؟

بلى إِنَّهُ اللهُ.

رَضينا قِسْمَةَ الخلَّاقِ فينا،

لنا جَهْلٌ وللخَلَّاقِ أَقْدارُ.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى