“ينتظرنا الموت في حال عودتنا”، يقول أحمد سمعان، أحد سكان مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، والتي يزعم النظام السوري أنه سمح لسكانها بالعودة إليها، بعد أكثر من عامين من استعادتها من فصائل المعارضة السورية، إلى جانب مدن وبلدات أخرى قريبة منها أبرزها سراقب وخان شيخون.
وبعد أسبوع على إعلان سلطات النظام السماح لأهالي المدينة بالعودة إليها، وهي خطوة وصفها مراقبون بمحاولة من نظام بشار الأسد لإظهار نفسه كسلطة شرعية قائمة، لم يستجب أي من الأهالي لهذه الدعوة، بعدما باتت معرة النعمان اليوم منطقة مهدمة بشكل شبه كامل، وفي ظل انتشار عشرات الثكنات العسكرية فيها.
أهالي معرة النعمان يخشون انتقام النظام
وعن وضع المدينة اليوم، قال أحمد سمعان (47 عاماً)، الموجود في مخيم “مشهد روحين” بريف إدلب منذ أكثر من عامين، إن “الفرقة 25 التابعة للعميد سهيل الحسن المعروف باسم (النمر)، عفّشت كل شيء في مدينة معرة النعمان”.
وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد”: “الآن تقوم مجموعات متخصصة بالنهب والتعفيش بفك أسطح المنازل في الحيين الغربي والجنوبي لاستخراج الحديد منها… عن أي عودة يتحدث النظام؟ المعرة شبه مهدمة وما بقي من بيوتها تعرض للنهب والتدمير من مليشيات النظام”.
واعتبر سمعان أن “لدى النظام حقداً على مدينة معرة النعمان”، مستبعداً عودة أي “معراوي” إلى مدينته من مناطق المعارضة أو من خارج سورية، قائلاً: “الموت ينتظر من يعود، أو على الأقل التغييب في زنازين الأسد”.
وكان مدير إدارة المخابرات العامة لدى النظام السوري، اللواء حسام لوقا، قد زعم الأربعاء الماضي، أنه سيُسمح لأهالي مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي بالعودة إلى منازلهم، بتوجيهات من رئيس النظام السوري بشار الأسد.
من جهتها، نقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، عن محافظ إدلب المعيّن من قبل النظام ثائر سلهب، قوله إنه سُمح لأهالي مدينة معرة النعمان بالعودة اعتباراً من الأحد 25 سبتمبر/أيلول الماضي، زاعماً أن القرار يشمل كل أهالي المدينة بمن فيهم المقيمون في المناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة.
وكان النظام قد فتح مركز “تسويات” لسكان محافظة إدلب مطلع سبتمبر الماضي في مدينة خان شيخون المدمرة، في سياق بروباغندا إعلامية للتهرب من استحقاقات الحل السياسي، لكن هذه المحاولة لم تنجح بإقناع المهجرين بالعودة.
ويتخوف السوريون المهجرون من عمليات انتقامية واسعة بحقهم في حال عودتهم إلى بلداتهم وقراهم، لذا يفضّلون البقاء في المخيمات على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة، على العودة إلى المجهول.
انتشار المقار العسكرية في معرة النعمان
ووفق مصادر محلية، فإن مدينة معرة النعمان “تحولت إلى ثكنات عسكرية”، مشيرة إلى أنه ينتشر فيها أكثر من 40 مقراً لأفواج “الفرقة 25″ ومقار أخرى تابعة لـ”الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا، وقوات أخرى مثل الفرقة الأولى، والثالثة، والسابعة، والثامنة، والحادية عشرة.
ودمر الطيران الروسي وطيران النظام كل المرافق الحيوية في المدن والبلدات في محافظة إدلب قبل السيطرة عليها، إضافة إلى أن أغلب المنازل تضررت بشكل كلي أو جزئي، ومن ثم لم يعد لدى المهجرين والنازحين أي دافع للعودة.
كما تعرّضت المدينة خلال أكثر من عامين إلى عمليات تعفيش ونهب واسعة من قبل مليشيات منظمة تابعة لكبار الضباط في قوات النظام، لم تستثن أماكن تاريخية من العهد العثماني، مثل المساجد والخانات والمدارس.
أهالي معرة النعمان يرفضون العودة لسلطة النظام
وفي السياق، أكد الناشط الإعلامي مصطفى غريب (من أبناء معرة النعمان الموجودين في شمال غرب سورية)، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لا عودة إلى سلطة بشار الأسد مرة أخرى تحت أي ظرف”، مضيفاً: “لو كنا نقبل بسلطته لما خرجنا بالأصل من مدينتنا”.
وأشار إلى أن “كل سكان المعرة المهجرين ضد هذه العودة”، مضيفاً: “قوات النظام حوّلت المعرة إلى مدينة أشباح ولم يبق فيها حجر على حجر”. وتابع بالقول: “حتى الأهالي الموالين للنظام والقاطنين في مناطقه لن يعودوا إلى معرة النعمان لأن قواته ومليشياته لم تُبقِ شيئاً في المدينة”.
وعاشت معرة النعمان التي تبعد عن مركز محافظة إدلب أربعين كيلومتراً، الكثير من التحوّلات الكبرى خلال نحو 8 سنوات، قُتل وأصيب خلالها الآلاف من سكانها بالقصف الجوي والمدفعي من قبل قوات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين.
هذه المدينة، التي تقع على الطريق الدولي “أم 5” الذي يصل شمال سورية بجنوبها، سقطت بأيادي فصائل المعارضة السورية بشكل كامل أواخر عام 2012، أثناء الاندفاعة الكبيرة للجيش السوري الحر في عموم سورية.
وكانت معرة النعمان أول مدينة سورية تُقصف من قبل طيران النظام في ذروة الحراك الثوري السلمي منتصف عام 2011. لكن قوات النظام سيطرت على المدينة التي تُعدّ من كبريات المدن في محافظة إدلب، في أواخر يناير/كانون الثاني من عام 2020 في خضم حملة عسكرية واسعة النطاق بإسناد ناري من الطيران الروسي، انتهت بالسيطرة على مساحات كبيرة من مناطق سيطرة فصائل المعارضة في أرياف حلب وحماة وإدلب.
وبيّن الناشط من معرة النعمان، عبدو مسعود (34 عاماً)، في حديث مع “العربي الجديد”، أن سكان المدينة تفرقوا مع اقتراب قوات النظام إلى تخوم مدينتهم مطلع عام 2020.
وتابع: “قسم منهم ذهب إلى مدينة أريحا المجاورة في ريف إدلب الجنوبي، وقسم آخر توجه إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمالي والواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، بينما اختار القسم الثالث مخيمات الشمال ومنها مخيم مشهد روحين”.
وأشار إلى تجمع آخر وهو مدينة اسكندرون التركية على المتوسط، مضيفاً: “أغلب أهل المعرة الموجودين في تركيا هم في هذه المدينة الساحلية”.
ومتّفقا مع سمعان، قال مسعود: “العودة مستحيلة إلى معرة النعمان، فهي مركز عمليات للفرقة 25، التي هي من أكثر فرق قوات النظام وحشية في التعامل مع المدنيين، وارتكبت مجازر في عموم محافظة إدلب”.
من جهته، رأى الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام”، رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هدف النظام من قراره السماح لأهالي مدينة معرة النعمان بالعودة، ومن قبل ذلك فتح مركز تسوية في خان شيخون “الدعاية لشرعيته كنظام سياسي قائم من دون أن يكون هناك أي ضمان لذلك”.
وأشار إلى أن هذه الخطوات تتزامن مع ما سماها “الاستدارة” التي أعلنت عنها تركيا باتجاه تطبيع العلاقات مع النظام.
المصدر: العربي الجديد