يتهم بعض الجهلة والحاقدين (من السوريين تحديداً)، جزافاً، الرئيس جمال عبد الناصر بأنه مؤسس الديكتاتوريات والإنقلابات في سورية، وبأنه أعدم المئات من خصومه السياسيين ومعارضي حكمه، وأنه مات وفي معتقلاته الآلاف من سجناء الرأي الآخر، و… و…. إلى ما لانهاية من الأباطيل والأكاذيب!!
تقف وراء ذلك ماكينة إعلامية قوية، تحمل أجندات سياسية وإيديولوجية، ناهضته، ومازالت تحاول تشويه إرثه العظيم، وهي لم تتوقف عن النيل من تجربته، ومنه شخصياً حياً وميتاً، وحتى اليوم، رغم إنقضاء 52 سنة على رحيله في 28 أيلول/ سبتمبر 1970، كما نرى ونقرأ ونسمع.
في هذا الصدد سأحاول تسليط الضوء على الإنقلابات التي حدثت في سورية قبل الوحدة، ووصول عبد الناصر إلى رئاسة الجمهورية العربية المتحدة(مصر وسورية)، تلك الإنقلابات التي امتدت منذ الإستقلال عن فرنسا في 17 نيسان/ ابريل 1946 ولغاية قيام الوحدة في 22 شباط/ فبراير 1958.
1- الانقلاب الأول: انقلاب حسني الزعيم في 29 آذار/ مارس 1949.
2- الانقلاب الثاني: انقلاب سامي الحناوي في 14 آب/ أغسطس 1949.
3- الإنقلاب الثالث: إنقلاب أديب الشيشكلي في 24 تشرين ثاني/ نوفمبر 1949.
4- الانقلاب الرابع: إنقلاب أديب الشيشكلي “الثاني”بعد أن سلم الحكم لمدة عامين ثم انقلب على الرئيس هاشم الأتاسي في 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 1951.
5- الانقلاب الخامس: انقلاب مصطفى حمدون في 25 شباط/ فبراير 1954.
6- الانقلاب السادس: انقلاب عفيف البزري في 13 كانون ثاني/ يناير 1958.
(للعلم: فإنه عندما تم إنقلاب الإنفصاليين على الوحدة كان عدد المعتقلين فقط 99 معارضاً، بالرغم من أن جبهة معارضة دولة الوحدة كانت تضم الشيوعيين والاخوان المسلمين وكثير من البعثيين وفئة التجار المستغلين والاقطاعيين).
وإن كل الإنقلابات، التي سبقت انقلاب الانفصال كانت تتخللها عمليات تصفية وإعدامات ميدانية على يد العسكر، وحتى انقلابات ما بعد الوحدة، وصولاً لانقلاب حافظ الأسد واغتصابه للسلطة، فقد كان الدم هو المشهد الأبرز في كل تلك المراحل.
وللتاريخ وحتى لاننسى فإن المكتب الثاني كما كان يسمى (جهاز المخابرات العسكرية) فقد تأسس قبل الوحدة وفي العام 1955 ترأسه عبد الحميد السراج وذاع صيته، وأذاق الناس مر العذاب في تجاوزاته وانتهاكاته.
عندما قامت ثورة يوليو ضد الملك فاروق وتولى “محمد نجيب” رئاسة مصر، تم إعدام (شخصين) فقط، هما (محمد مصطفى خميس و محمد عبد الرحمن البقري)، اللذان كانا ينتميان إلى الحركة الشيوعية، و قد أثارا حينها أعمال شغب في مظاهرات عمالية لمصانع كفر الدوار للغزل والنسيج، إثر نقل عمال من كفر الدوار إلى كوم حمادة، وراح ضحية تلك الإحتجاجات ثلاثة من العمال واثنين من المجندين في القوات المسلحة في الإسكندرية وواحد من رجال الشرطة، والتي كانت قد استعانت بهم الشركة المشغلة للمعامل، واعتقل حينها المئات من العمال وتشكلت محكمة عسكرية أصدرت أحكاماً متعددة وكان من ضمنها الإعدام لهذين الشخصين.
حينها أيدت أغلب الأحزاب السياسية، باستثناء (بعض الشيوعيين)، موقف الحكومة بقمع تلك الإحتجاجات وقرارات المحكمة بالإعدام، حتى أن جماعة الإخوان المسلمين شنت حملة شعواء ضد العمال المضربين واتهمتهم بالخيانة العظمى. وكذلك (سيد قطب) قال عن تلك الإحتجاجات العمالية: “أن وراء حركة العمال أخطبوط الرجعية والإستعمار”، وذلك كما جاء في كتاب أحمد شرف الدين (كفر الدوار 1952). وقد رأس المحكمة العسكرية حينها أحد الضباط الأحرار وهو من جماعة الإخوان المسلمين، واسمه(عبد المنعم أمين)، وحتى منظمة (حدتو) الشيوعية أدانت واستنكرت إضرابات العمال.
واللافت في الأمر في تلك الواقعة أن الرئيس محمد نجيب وأغلب أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا متحمسين لفكرة الإعدام، عدا جمال عبد الناصر وزكريا محي الدين ويوسف صديق كانوا رافضين لها لأنها ستعطي صبغة دموية للثورة الوليدة. وقد قال محمد نجيب في مذكراته (كنت رئيساً لمصر)، وكما ورد في الصفحة 172، بأنه أمر بتشكيل مجلس عسكري لمحاكمة المتمردين، وهو الذي صادق على قرار الإعدام.
بالعودة للحديث عن الإفتراءات على فترة حكم عبد الناصر نجد أن من تم إعدامهم خلال فترة حكمه وعلى مدى ستة عشرة عاماً (1954– 1970) بلغ عددهم فقط “تسعة” أشخاص، وأذكر هنا أسمائهم وتاريخ إعدام كل منهما، وتوجهه السياسي، بالإضافة لتوضيح سبب الإعدام، فقد كان منهم ستة تورطوا في محاولة اغتياله في ميدان الإسكندرية في 26 اكتوبر 1954 وهم:
1- محمود عبد اللطيف.
2- يوسف طلعت.
3- إبراهيم الطيب.
4- هنداوي دوير.
5- محمد فرغلي.
6- عبد القادر عودة.
أما سيد قطب فقد تم اعتقاله في عام 1955 وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، ثم أفرج عنه عام 1964، ليعاد اعتقاله في عام 1965 بعد اعترافه هو ويوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل، بتشكيل تنظيم مسلح لقلب نظام الحكم، وإصراره على تكفير المجتمع وجواز قتل كل من يعمل في الدولة (الكافرة) من مدنيين وعسكريين، وبعد ثبوت التهمة عليهم تم إعدامهم بتاريخ 29 أغسطس 1966.
في هذا الصدد يقول (حسين الشافعي) نائب الرئيس جمال عبد الناصر، أنه توفي، أي عبدالناصر، وفي معتقلاته 269 معتقلاً لا غير، عكس الرئيس السادات الذي توفي وكان يقبع في معتقلاته 40 ألفاً حين اعتقل مصر كلها حسب تعبير محمد حسنين هيكل.
أخيراً…رغم كل المحاولات البائسة لم ولن يتم النيل من مكانة جمال عبد الناصر الغائب الحاضر في ضمير ووجدان الأحرار في هذا العالم.