الجزء الثالث
الفصل الأول : شرافة مكة – تابع
بالعودة لمتابعة نص الكتاب :فالألقاب مثل الشريف الذي ترجم للانكليزية شيريف : shereef
بمعنى النبيل , و”السيد” المرادف” لسنيورأو لورد” قد أصبحت شيئاً فشيئاً عناوين النبالة في العالم الاسلامي , خاصة ضمن أحفاد الرسول (ص)
, ورئيس العائلة في مكة أصبح يلقب بشريف مكة والناس يدعونه سيدنا , أما إلى أين تمتد سلطته خارج مكة فذلك يتبع عدة أمور .
فمن جهة حيثما توجد السلالة الهاشمية المحدودة العدد حول مكة , ومن جهة أخرى وفقا للظروف العامة المناسبة فكلما ازدادت الفوضى والفراغ في القوة حول مكة وكلما كان الشريف أكثر ديناميكية وطموحا كلما استطاع مد سلطته خارج مكة في منطقة الحجاز . والعكس صحيح أيضا .
إن عيوب السلالة الهاشمية قد تركزت إلى حد كبير في الخصائص غير المألوفة للفرع الهاشمي في مكة
فقد كانوا عاجزين عن الاضطلاع بأي مهمة كبيرة .
والحجاج كانوا يتعرضون للسلب لكل مايملكون من قبل الشريف وأتباعه حين لاترافقهم قوة عسكرية .
تماما كما هو الحال بالنسبة للبدو الذين اعتادوا على سلب الحجاج كل مايملكون من مال ومقتنيات كغنيمة إلهية حينما تجتاز قوافل الحجاج الأراضي التي يقيمون فيها .
وكان الأشراف يعتبرون أنفسهم على حق في تعريض الحجاج لكل أنواع الاستغلال بينما ليس من حق الحجاج الاعتراض على ذلك .
وأبعد من ذلك , فقد كان هناك بين أعضاء العرق النبيل نزاع على الميراث مرة بعد مرة , لذا كان أمرا مألوفا أن يكون هناك رئيس فرع هاشمي من بين فرعين متنافسين يترأس شرافة مكة في حين أن الآخر يحاصر مكة , أو يقطع الطرق حولها . وبالنسبة للسكان المقيمين في مكة فقد جعلهم ذلك الصراع في حالة هلع دائم , لذا كانت بركات الهدوء والسلام ترفا غير معهود لديهم .
عندما كان الحجاز يحكم من قبل المركز السياسي للدولة الاسلامية كانت عاصمته المختارة هي المدينة المنورة , وكان ذلك مناسبا لشرافة مكة , لأنه يبعد القوى العسكرية وملحقاتها عن مكة , تلك القوى التي يمكن أن تعرقل نفوذهم وتقلص سيادتهم على الحجاز .
فقط من حين لآخر كان أشراف مكة يسيطرون على المدينة إضافة لمكة , بسبب المسافة الكبيرة الفاصلة بين مكة والمدينة والوسائل المتاحة للسفر والانتقال بين المدينتين .
أما بلدة الطائف الجبلية والتي اعتاد المكيون على اتخاذها مصيفاً لهم على مسيرة ثلاثة أيام من مكة , وكذلك جدة الساحلية على مسيرة يومين من مكة فقد كانت تتبع عادة لشريف مكة بانتظام . كما أن بعض الموانىء الصغيرة كانت تتبع له أيضا مثل ينبع , أما العلاقة مع الداخل الذي تقيم فيه القبائل البدوية فهي تتأرجح حسب الصلات الشخصية للشريف برؤساء القبائل .
تختلف شرافة مكة عن معظم الدويلات والولايات التي انقسمت اليها الامبراطورية الاسلامية ( يقصد العباسية ) لأنها لم تتطور تدريجيا من سلطة نحو حالة أكثر استقلالا , لكنها ولدت خلال فترة الفوضى السياسية للدولة العباسية . وفي بغداد كما في العواصم الأخرى المجاورة فقد تقبل الناس ذلك التغير كأمر واقع . فشرافة مكة لم يعترف بها رسميا , لكنها لم ترفض رسميا أيضا ( يقصد من قبل الخليفة العباسي أو الدولة التي خلفت الدولة العباسية ومدت سلطتها نحو الحجاز مثل الأيوبيين والمماليك ) وبقاؤها لقرن كامل بالاضافة لاكتسابها شيء من المشروعية غير المكتوبة عبر اعتراف القبائل العربية بها , تلك القبائل التي كانت ترسل وفودا منها في مواسم الحج للقيام بشعائر الحج وكانت شرافة مكة تقدم لهم الرعاية والعلاج الطبي وفي النهاية فقد كانت هناك قناعة بأن مسؤولية حكم المدينتين المقدستين ينبغي أن تعود لفرع من السلالة الهاشمية وببساطة فقد جرى تقبل ذلك كحقيقة لاتقبل الجدال .
لكن قيادات القوى الاسلامية المتبدلة كالأمراء والسلاطين والملوك والخلفاء في مختلف المراحل كانوا يتحفظون دائما على منح شرافة مكة الاعتراف الرسمي وذلك حين يجد أشراف مكة أنهم مجبرون على تقديم الولاء لتلك القيادات .
ولم يكن شريف مكة ذلك الحاكم المستقل قط , كما كان عليه دائما إظهار الولاء للدولة المسيطرة .
ملاحظة : لدي تحفظ على ما أورده الكاتب من انخراط شرافة مكة أحيانا بأعمال قطع الطرق , فهو لم يأت بأدلة ومراجع لذلك , كما يبدو ذلك مستغرباً بالنسبة لسلطة أهم وظائفها حفظ الأمن في الأراضي المقدسة , قد يضطر شريف مكة لنسج علاقة لابد منها مع بعض القبائل التي تقوم بقطع طرق الحجاج وسلبهم من وقت لآخر , لكنه يفعل ذلك ليس كشريك لهم في النهب بل لتأمين طرق القوافل وربما يضطر لرشوتهم كي لايقوموا بالسلب وقطع الطرق .
كما يمكن تقدير أن شرافة مكة كانت تفرض على الحجاج رسوماً معينة لقاء دخول الأراضي المقدسة ولقاء الخدمات التي تقدم لهم مثل المحافظة على الأمن والنظام أثناء موسم الحج , وذلك أمر متوقع ويمكن تبريره , كما يمكن توقع حدوث استغلال أحيانا من قبل بعض الأشراف , فهم في النهاية بشر فيهم الصالح والطالح .
وعلينا أن نكون حذرين دائماً في مايقدمه الكاتب , رغم أن ماقام به من محاولة رسم الخلفية التاريخية لنشأة شرافة مكة يستحق التقدير , ويندر أن تجد مثل تلك الدراسة العلمية في المؤلفات العربية للأسف الشديد .