تترقب الأوساط السياسية والشعبية في العراق، تجدّد الحراك الاحتجاجي مطلع تشرين الأول/أكتوبر المقبل، الذي يوافق الذكرى السنوية الثالثة لتظاهرات أكتوبر 2019 وسط نيّة الجهات الداعمة للاحتجاجات دفع مؤيديها إلى اقتحام المنطقة الخضراء، وسط تحذيرات من بوادر «حرب أهلية» تلوح في الأفق، تشبه إلى حدّ كبير ما شهده لبنان في سبعينيات القرن الماضي.
ووفقاً لبيان صحافي «للجنة المركزية» لحراك تشرين الاحتجاجي، أصدرته لإيضاح استعدادات الأول من أكتوبر، فإنه «بشعورٍ كاملٍ بالمسؤولية الكبيرة، واستجابة لنداء الوطن الذي يأنّ تحت ركام القتل والفساد والجوع والاذلال نتيجة لسطوة الظالمين والفاسدين؛ يقف الحراك الشعبي بممثليه وقواعده الشعبية اليوم، لتقرير موقفه بشكل واضح وصريح في أهم القضايا المتعلقة بحاضر ومستقبل العراق وشعبه».
وأضاف الناشطون في بيانهم الذي ألقوه في محافظة بابل: «يا أبناء العراق الأحرار.. إننا هنا اليوم لنعلن لكم عن خطوتنا المركزية التي سيتم العمل عليها في اليوم الأول من تشرين المقبل، يتبعها مجموعة رسائل لعدة جهات» مبينين، إن «خطوتنا التي سنوضح فيها سياقات العمل هي، سيكون وقت التجمع الساعة 11:00 صباحاً (بالتوقيت المحلّي) في ساحة النسور في العاصمة بغداد، وسنعمل على الدخول إلى المنطقة الخضراء من بوابة النسور لتبيان موقفنا من عقر دار السلطة، ببيان واضح وصريح، يمثل تطلعات غالبية الشعب العراقي الأبي».
وشددت اللجنة في بيانها على أهمية «التعاون التام مع اللجنة المنظمة للاحتجاج والالتزام بتعليماتها التي ستعلنها لاحقاً». ووجّه الناشطون رسالة إلى الشعب العراقي جاء فيها: «أيها الشعب المضطهد المهمش المحروم، يا حشود المفجوعين بأحبتكم، ايها المسلوبون حقوقكم، آن أوان النهوض، فقد استمرت أحزاب الفساد في تجاهلها لاستحقاقات الشعب وصمَّت آذانها عن سماع أنين الملايين، وهي ماضية بنفس مسارها السابق من محاصصة وطائفية وتوافقية، فاخرجوا من منازلكم، واتركوا أعمالكم، وساهموا في طيّ صفحة الرجعية والدمار، وشاركوا بكتابة عهد جديد ناصع من تاريخ العراق، عهد جديد يكتبه المظلومون والمضطهدون من أبناء الشعب، عهد لا تخطه سُرفُ دبابات الاحتلال أو فتاوى الخارج. ولتعلموا أن لا مخلَّص للعراق إلا سواعد أبنائه الأحرار، وجموع الملايين البشرية السلمية المنظمة المحتجة هي الأمل، فتحقيق المطالب متوقفٌ على نزولكم الجماهيري الكبير، وسيكون الأول من تشرين المقبل فجراً ليومٍ طويلٍ، ستصارع فيه شمس الشعب والحرية ضبابية السلطة حتى مطلع النصر».
وعدّوا أن الأول من أكتوبر المقبل هو «يوم استرداد الحقوق بعد ان فقد جميع فئات وأبناء الشعب حقوقهم، حقوق عوائل الشهداء وحقوق الجرحى، حقوق المتقاعدين المظلومين، حقوق أصحاب الشهادات العليا والكفاءات، حقوق المحاضرين والإداريين، وحقوق الخريجين، حقوق الفئات المهنية والحرفية وموظفي القطاعات الخاصة والعامة وانعدام الضمان الصحي والاجتماعي لهم، حقوق الفلاحين الضائعة، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تٌركوا أمام مصير مجهول، حقوق المرأة العراقية الشامخة، وضياع مستقبل الطلاب ورسوم الجامعات الفاحشة وانعدم الرؤى التخطيطية الفاعلة، حقوق سكان الأهوار الذين جُفف شريان معيشتهم قسراً وقهراً، حقوق المهجرين وسكان المخيمات. حقوق جميع العراقيين».
ووجهوا رسالة ثانية إلى القوات الأمنية- وخصوصاً الجيش العراقي- بالقول: «لقد اختلطت أوراق الاحتجاج سابقاً بحكم عفويتها وسهولة اختراقها من قبل أذرع السلطة، أما اليوم وبعد سنوات طويلة من التنظيم والتضحيات والحرص، تمكنا من جعل الاحتجاج مظلةً آمنة لكل المظلومين، وخاليةً من المندسين، وها نحن اليوم نسير باحتجاج في أعلى درجات التنظيم والسلمية والتماسك والقوة، وعليه فإننا نطالبكم بحماية المتظاهرين في ممارسة حقهم الدستوري في التظاهر السلمي في أي بقعة من بقاع الوطن، وإننا اذ نطالبكم بتطبيق القانون فإننا نعلم حجم الضغوط السياسية على مؤسساتكم، ونطالبكم بالتحرر من سطوتها التي أذلت هيبتكم وسرقت استحقاقاتكم، فالشعب معكم وسيقف سداً منيعاً أمام المتاجرين بدمائكم، والسارقين لحقوقكم».
وفي جنوب العراق، استضافت محافظة ذي قار، الاجتماع التشاوري لـ«قوى الاحتجاج والتغيير» بحضور ممثلين عن الحركات الحزبية الناشئة والنقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني.
وناقش الاجتماع «أزمة النظام السياسي وإيجاد البديل الوطني الديمقراطي، وماهية العلاقة بين القوى الاحتجاجية والحركات والأحزاب والشخصيات الوطنية والنقابات والاتحادات والمنظمات».
كما تم بحث «الحركة الاحتجاجية ومطالب التغيير (الشهداء والمغيبين) والعقد الاجتماعي، وقانون الأحزاب، والسلاح المنفلت، والقانون الانتخابي» بالإضافة إلى «الاستعدادات لمظاهرات إحياء ذكرى ثورة تشرين» حسب محضر الاجتماع.
ورغم نجاح حراك أكتوبر الاحتجاجي في استقالة الحكومة العراقي حينها، برئاسة عادل عبد المهدي، وإجراء انتخابات جديدة، غير أن هذا المنجز جاء بسقوط مئات القتلى وعشرات آلاف الجرحى في صفوف المحتجين.
ويتزامن تجدّد الاحتجاجات مع مرور عام على إجراء الانتخابات المبكّرة الأخيرة، التي أشرفت عليها حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ووسط أزمة سياسية خانقة تُنّذر باندلاع «حربٍ أهلية» تشبه إلى حدّ كبير ما جرى في لبنان، حسب السياسي العراقي محمد توفيق علاوي. ورأى علاوي في مقال نشره على صفحته الرسمية في «فيسبوك» أن التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، و«الإطار التنسيقي» الشيعي، و«التشرينيون» كل منها «لها أجندتها الخاصة بها، والمتناقضة فيما بينها؛ وثلاث منها جهات تمتلك السلاح، وهناك جهات خارجية متعددة بعضها تسند بعض الجهات، وبعضها هدفها صب الزيت على النار لإشعالها حرباً بهدف تدمير البلد، وإن هناك حالة من التشنج الاجتماعي، واستطيع ان أقول بكل ثقة ان الوضع العام لا يختلف كثيراً عن لبنان عشية الحرب الأهلية عام 1974».
وذكر علاوي شهادات عن لبنان إبّان تلك المرحلة التي عاشها عندما كان طالباً جامعياً في بيروت قائلاً: «عشت تفاصيل الحرب الأهلية فيها حيث كنت طالباً في الجامعة هناك في وسط الحرب وافلتُ مرتين من قتل محقق بلطف الله رحمته» مضيفاً: «لا أريد ان أدخل في تفاصيل الحرب ولكن ما هي أوجه التشابه بين الحرب الأهلية اللبنانية وما يمكن ان يواجهه العراق لا سامح الله خلال الأسابيع والأشهر المقبلة ان استمر الوضع وتفاقم خلال هذه الفترة».
وتابع: «في لبنان كانت هناك عدة جهات متنازعة كما هو وضعنا، وجميع الجهات كانت تحمل السلاح مثل العراق وكانت هناك حالة من التشنج الاجتماعي كما هو حالنا في العراق، وكانت هناك جهات خارجية تصب الزيت على النار وهو نفس وضعنا، وحدثت المواجهة الأولى في الكحالة ذهب فيها بعض القتلى وهذا ما حدث فعلاً في العراق».
وحسب علاوي فإن تلافي «هذا المستقبل المخيف والمجهول والأسوأ بكثير من مصير لبنان، ولحماية بلدنا من الدمار والانهيار حيث يمكن ان يتدمر مستقبلنا وبالتأكيد سيتدمر مستقبل الأجيال القادمة، يجب على جميع السياسيين بل كافة الأطراف والرموز الاجتماعية التي تريد الخير للبلد ويمكنها التأثير على مجريات الأمور ان يبذلوا كافة جهودهم للتخفيف من حالة التشنج وسحب فتيل الفتنة، لأنه بخلافه سينزلق البلد إلى مهاو سحيقة».
وتدور رحى الأزمة السياسية في العراق، حول إصرار الصدر على حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكّرة، فيما تحشّد قوى «الأطار» جهودها للمضي في تشكيل حكومة «توافقية».
ورغم قرار الصدر اعتزال العمل السياسي، غير إنه قادر على تحريك أتباعه في «تدوينة» واحدة، كما جرى في أحداث «الخضراء» الأخيرة، وهو جُلّ ما يخشاه خصومه.
ووسط غياب حلول الحسّم للأزمة، طالب الكاظمي من القوى السياسية «تحمل مسؤوليتها التاريخية تجاه العراق والاستفادة من فرصة الحوار الوطني» داعياً الى «جولة ثالثة من الحوار الوطني لحل مشكلاتنا. لا سبيل لدينا سوى الحوار» حسب تصريح للقناة الرسمية الجمعة الماضية.
المصدر: «القدس العربي»