تشخيص الكورونا بصورة صحيحة، يشكل أساساً لمعالجتها بصورة صحيحة أيضاً، هذا الموقف يشترط الإحاطة بجميع العوامل والحواضن الحقيقية لظهور هذه الجائحة وأمثالها!
ومن المؤسف أن هذه الحوادث لا تنحصر في المجال العضوي البيولوجي الذي يشكل جزءاً من عالم الطبيعة و التوازن البيئي، وهو يتصف -ضمن هذا الإطار- بالحياة والاستقلالية التي تترعرع من خلالها عناصره البكتيرية وحتى الفيروسية بشكل عفوي، بل إن الحواضن التي نعانيها تشمل إخضاع المجال العضوي بحد ذاته للتدخل (وربما العبث البشري) من قبل القوى النافذة التي تدير الاقتصاد والسياسة وبقية موارد القوة في عالمنا، على وجه يؤدي لإفساد المجال العضوي والتوازن البيئي برمته، وبالتالي إفلات أعتى ما تحتويه الطبيعة من كوارث بيئية وعناصر فيروسية مدمرة. ويمكن القول إن هذه العاقبة تتسق في حقيقتها مع نوعية الأهداف والأولويات والسياسات التي تتبعها هذه القوى لتوجيه عملية التقدم الجارية بالفعل، بما في هذا تحديد وجهته وأهدافه، وكيفية التعامل مع شروط البيئة الطبيعية ومخلوقاتها الحية، ومع المجتمعات البشرية على السواء!
ويخطئ من يحسب أننا نقول هذا على سبيل الإفراط والمبالغة والهوى الشخصي، بل هو تأكيد لما أثبته مئات الباحثين والإصلاحيين من مختلف الاختصاصات والميادين، الذين ظهروا على امتداد القارات بدءاً من المجتمعات الغربية (وهي مهد الحضارة الحديثة). حيث باشروا جميعاً التحذير من مغبة هذا الطريق، وأصدروا مئات الأبحاث والتوصيات والتقارير (التي لا يتسع المقام لذكرها) وصولاً للمواقف المشرفة التي أفضت لظهور عشرات المنظمات الأهلية والتحركات المليونية في المجتمعات الغربية قبل سواها!
وما نريد قوله إن هذه التحركات تمحورت جميعاً حول جملة من الاستنتاجات التي تبين أن القوى النافذة في عالمنا احتجزت التقدم في وجهة تحمل أوخم العيوب والأخطار للبشرية، وأنه لابد من استكشاف خيارات أفضل لتصويب هذه العملية وإنقاذ البشرية من الهلاك.
ومن نافل القول إن حديثنا لا يتعدى أهداف هذه التحركات والاستنتاجات التي انتهت لها، بل هو يسعى لجعلها أكثر وضوحاً، مع التأكيد أن هذه التحركات لم تحقق غايتها بعد، وما تزال تتأرجح بين مد وجزر. وينبغي أن نتوقع أن البشرية وقواها الحية لن يهنأ لها بال، طالما ظلت تواجه نفس الأخطار والمظالم والاوبئة الفتاكة، إن لم يكن أعظم. وسوف تتعاظم حاجة التفافها حول قيم مشتركة وأهداف وخيارات أفضل لمصيرها. لهذا فان توضيح هذه الأهداف أمامها، والعمل على إشاعتها على كل فم ولسان، أصبح وينبغي أن يتصدر الأولويات دون منازع!
في نفس الوقت ينبغي ان نتوقع أن القوى النافذة في عالمنا، لن تتوانى عن ابتكار المزيد من الأفخاخ والفزاعات لتعطيل صحوة البشرية في بلدانها وبلداننا على السواء. وينبغي أن لا ننسى المكاسب التي جنتها لتعطيل هذه الصحوة طيلة عقود جراء استثمار فزاعة الخطر الشيوعي والحرب الباردة والعيوب الأساسية في التجربة السوفيتية… مروراً بتسخير الأنظمة الدكتاتورية، وصولاً لاستثمار غول الإرهاب الديني والجماعات التكفيرية، وربما فزاعة الأوبئة البيولوجية أيضاً، والتي لم تكن “الكورونا” أولها و غالباً لن تكون آخرها!!
وسوف يتبين عندئذٍ أن تسمية هذه الجائحة بأسمائها وأسبابها وحواضنها الحقيقية، هو سبيل شعوبنا والبشرية معاً لرد السحر على رؤوس أصحابه، وإن فرصة شعوبنا لانتزاع حقوقها المسلوبة في التحرر والتقدم والديمقراطية تمثل جزءاً لا يتجزأ من قيم البشرية ومعركتها المشتركة لتحقيق عالم أفضل. مما يقتضي رفع هذه الحقوق للمستوى والموضع الصحيح الذي يشرفها، ويجلب لها الاحترام والتأييد، جنباً لجنب الشعوب الأخرى وقواها الحية، وبعيداً عن شوائب التطرف والتعصب والتكفير والدكتاتورية.