آليات التغيير السياسي لتحقيق التحول الى الدولة الديمقراطية

محمد علي صايغ

في ظل الأوضاع المأسوية الراهنة ، وبعد أكثر من عشر سنوات على الاحتراب الداخلي الذي حركته أجندات متعددة ، وما أورث من قتل وتدمير في البنى الاقتصادية والاجتماعية وهجرة وتهجير خاصة شباب الوطن والعقول العلمية والطاقات الانتاجية والمهنية  .. وما يعيشه المواطن اليوم من أزمات مركبة وعلى رأسها الازمة المعيشية وفقدان قدرة الأغلبية على الاستمرار بالعيش الكريم ، مع غياب سلطة الدولة عن ممارسة وظيفتها ودورها ، وإطلاق العنان لمافيات المال والسلاح ، وسيطرة النافذين والمتنفذين ومجموعات المال والأعمال المتطفلة على الحياة الاقتصادية والتحكم بها ، مع تكاثر مضطرد لمليشيات داخلية ومتعددة الجنسيات كشريك في الاستثمار والنهب  .. إذ لم يعد وجود من مظاهر سلطة الدولة سوى فعل الاجهزة الامنية التي كانت ولا زالت سيفا مسلطا على رقاب الناس لضبط  ايقاع اندفاعهم ومنع حراكهم ، وتحويلهم الى قطيع يتساكن مع الخوف وثقافة الرعب  ..

ومن هنا فإن مهمات التغيير الوطني والدفع به تقع على عاتق القوى الوطنية الحية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية والمؤسسات المجتمعية لإحداث التغيير الديمقراطي المنشود الذي يقوم على قواعد ومرتكزات للتغيير السياسي :

١- العمل على نشر ثقافة الانخراط الإيجابي في الحياة العامة ، وأهمية تكريس الدور الوطني للتغيير  في القاع الشعبي من أجل الدفع لإعادة السياسة للمجتمع ، وتكريس ثقافة التغيير السلمي الديمقراطي والتأكيد على ضرورة دولة المواطنة المتساوية  بديلا عن ثقافة العنف والعسكرة  والتطرف التي جلبت على بلدنا الكوارث ، وأدت فيما أدت إلى الاحتلالات الأجنبية لترابنا الوطني ، إضافة إلى تخريب النسيج الوطني وسيادة الثقافة الطائفية والتعصب الطائفي ،  وثقافة نبذ الٱخر وتحطيمه ..وهذا يتطلب :

أ- إعادة تقييم ومراجعة للبنى الداخلية للأحزاب والمنظمات الوطنية ، ولقوى المجتمع المدني وكافة البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية  ، ووضع استراتيجيات واقعية لعودة القوى السياسية والمجتمعية  الى الجماهير والالتحام بها ، وتبني مطالبها والعمل على خوض النضالات المطلبية والنقابية ، وتحفيز الجماهير الشعبية  الى المشاركة بالحياة السياسية للضغط على السلطة السياسية بإنجاز التغيير الديمقراطي عبر القرارات الدولية وخاصة بيان جنيف ١ والقرار رقم ٢٢٥٤ / ٢٠١٥ والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة ، في سبيل تحقيق هيئة حكم انتقالية ترتكز على دستور وقانون انتخابات جديد مقدمة لانتخابات برلمانية ، ورئاسية في نهاية المرحلة الانتقالية في ظل بيئة ٱمنة ضامنة لانتقال سياسي سلس يحقق الشفافية والمصداقية للعملية الانتقالية ، عبر رؤية وطنية بعيدة عن الأجندات الخارجية والتجاذبات الدولية  .. وهذا يقتضي من القوى الوطنية العمل بأقصى ما يمكن على الانتقال الى العمل السياسي المفتوح و العلني واستخدام كافة وسائل التكنولوجيا الحديثة في الاتصال والتواصل الاجتماعي واستثمارها في الحضور والانتشار والتأثير في محيطها وفي أوساط مجتمعها ..

ب – العمل على تفعيل الضغط المجتمعي السلمي ، للمطالبة بالتحرر والاستقلال الوطني من الاحتلال وكافة قوى النفوذ الخارجية وصولا الى استنهاض وتفعيل المقاومة الشعبية السلمية لإخراج كافة الاحتلالات من الأراضي السورية في دولة واحدة موحدة أرضا وشعبا ، فالمرحلة اليوم مرحلة ” تحرر وطني بامتياز ”  .

٢- محاصرة الفكر الشمولي الاستئصالي والفكر المتطرف ، وتنظيم الحوارات المفتوحة والندوات واستثمار وسائل التواصل الحديثة لانجاز حملات إعلامية وتثقيفية مستمرة لنشر الثقافة الديمقراطية وضروراتها كمرتكز أساسي للتغيير نحو دولة عصرية ..

هذا الحوار الداخلي الواسع مع القوى الوطنية والقوى الشعبية للسعي الى وحدة القوى السياسية حول مشروع موحد للانتقال السياسي ، يتوازى معه حوار  وتضامن مع كل القوى العربية والاقليمية والدولية المناهضة للعولمة ونظامها المتغول على حقوق الشعوب ونهب ثرواتها ، ومناهضة كل القوى الدولية التي تدفع الى إبقاء القضية السورية في حالة المراوحة في المكان ، أو الى تأسيس محاور وأقطاب للسيطرة على الشعوب ومقدراتها ..

٣- التوجه الى الحركة السياسية القومية الوحدوية الديمقراطية بحوار مفتوح يتناول الثابت والمتغير على الصعيد القومي وآليات الانتقال لوحدة العمل القومي بين الملتزمين بالمشروع الاستراتيجي القومي وتوجهاته المستقبلية تمهيدا لإقامة اطار او تجمع عربي لكل القوى القومية الديمقراطية الملتزمة بالمشروع النهضوي العربي في الوحدة والاستقلال القومي .. وتوحيد الموقف من القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية ، قضية وجود لا حدود .. ومقاومة التطبيع مع العدو الاسرائيلي بكافة اشكاله وتعرية المطبعين دولا وهيئات وأفراد ..

٤- فتح حوار شامل مع جميع القوى السياسية الوطنية من أجل البحث معا عن الاستحقاقات الوطنية وكيفية التعامل معها ، والعمل للوصول الى قواسم مشتركة باتجاه تحالفات مرحلية وتحالفات استراتيجية بين القوى السياسية تتبنى التغيير الوطني السلمي وترفض الاستبداد و الهيمنة الخارجية ، والعنف والطائفية وتقف ضدهم وتقاومهم ، مقدمة لإنجاز عقد المؤتمر الوطني الواسع الذي تتسع مساحته لكل القوى والأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني والنقابات العلمية والمهنية والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والشخصيات الوطنية المستقلة من أجل تبني رؤية وبرنامجا موحدا للتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي ..

 ويبقى التساؤل الٱن في خضم ما يجري في الداخل السوري عن جدية النظام في الٱونة الأخيرة وتعليماته وإجراءاته في مكافحة الفساد والفاسدين الذين ترعرعوا في كنفه وتحت سمعه وبصره ، وفيما إذا كانت هذه الخطوات حقيقية وتمهيدية لإفساح المجال للحوار مع المعارضة والاستجابة لما يعانيه الشعب السوري تحضيرا للانتقال السياسي بعدما تفاقمت الازمات الى حدود غير مسبوقة وفتكت ولا زالت تفتك بالشعب السوري الى حد ينذر بالانفجار الى ثورة الجياع قد تأتي على الأخضر واليابس ، وتدمر ما تبقى من أركان الدولة والمجتمع.. بما يستتبع أيضا التساؤل فيما إذا كان النظام وبنيته وتركيبته قابلة للإصلاح والتجاوز وقادرا على الانخراط الجدي في العملية السياسية كخطوة أولى لا بد منها لتعافي الوطن والسير على طريق تجاوز أزماته وتهيئة المناخ اللازم لإنجاز التحول السياسي .. أم ان بنيته الاستبدادية عصية على التغيير وإجراءاته لا تتعدى ذر الرماد في العيون ..

 تلك منطلقات أولية – يمكن التوقف عندها والإضافة عليها –  للعمل على التغيير الوطني الديمقراطي الذي يسعى الى توافق المجتمع وقواه السياسية والمدنية على تحقيق العقد الاجتماعي الجديد  الذي يرسم معالم ومعايير إنجاز الدولة المدنية الديمقراطية ومعالم توازن العلاقات المجتمعية ، ويرسي دعائم الحرية والعدل والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص ، ويعيد الاعتبار أولا للإنسان وحريته ومكانته ودوره في الإسهام في نهضة دولته ونهوضها ليكون لها مكان تحت الشمس .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى