نبذة عن الأندلس من الفتح ولغاية وصول عبد الرحمن الداخل:
دخل المسلمون الأندلس عام 92 للهجرة ودخلها عبد الرحمن عام 138 للهجرة فبين فتح الأندلس ودخول عبد الرحمن 46 عاما تقريبا وخلال تلك الفترة تولى الإمارة فيها عشرون أميرا وقد استقر مركز الامارة في قرطبة في نهاية الأمر، وفي عام 96 للهجرة كان الفتح الاسلامي قد شمل شبه الجزيرة بكامله تقريبا، ارتبطت الأندلس بالدولة الأموية في دمشق بطريقة مختلفة قليلا عن حكم مصر أو العراق مثلا، فقد تمتع حكام الأندلس بصلاحيات أوسع بسبب بعد المسافة عن مركز الخلافة، وانشغال الخلافة بالثورات التي لم تهدأ في المشرق، لكن الانقسامات التي عانى منها المشرق سرعان ما انتقلت للمغرب والأندلس، فانفتح الصراع بين القيسيين واليمانيين، وبين العرب والبربر، وبسبب الإستقلال النسبي لإقليم الأندلس، وبصورة أقل للمغرب فقد كان بامكان تلك الصراعات أن تحتدم قبل أن تجد الحل أو تصل اليها عساكر الدولة الأموية من المشرق. وقد لعبت أخطاء بعض الخلفاء الأمويين السياسية دورا في إرساء عوامل التذمر والانقسام منذ أن كافأ سليمان بن عبد الملك كُلّا من موسى بن نصير وطارق بن زياد على إنجازاتهم العظيمة في شمال أفريقيا والأندلس بعزلهم وما تردد عن سوء معاملة موسى بن نصير، وعزل إبنه عن ولاية افريقية، و سبب ذلك غير واضح وقد يكون خلافا شخصيا وتأثرا من سليمان بأقوال الوشاة. فإذا رغبنا في البحث عن مبرر آخر لعزل موسى بن نصير وغياب حضوره وتلك أمور مؤكدة وتركنا جانبا ماقيل عن إهانته وتعذيبه وهي أخبار غير مؤكدة تناقضها الأخبارعن مرافقته لسليمان في رحلته للحج , فربما نجد مثل ذلك التبرير في خوف سليمان من استقلال موسى بن نصيرعن الدولة بأفريقية والأندلس بسبب نفوذه القوي فيهما وسمعته وتنصيب ولديه على أفريقية والأندلس ومهما يكن الدافع لعزل موسى بن نصير وابنه وطارق بن زياد فقد أضعف من سلطة الأمويين على أفريقية والأندلس، وزاد من اتاحة الفرصة لمشاعر التذمر لدى البربربسبب عدم معاملتهم على قدم المساواة مع العرب رغم أن قبائل بربرية هامة قبلت الإسلام وقاتلت بإخلاص وحماس مع العرب في أفريقيا، أما في فتح الأندلس فقد كان معظم جيش طارق بن زياد من البربر وقلة منه من العرب. وقد شكل هذا التذمر حاضنة للشيعة والخوارج الذين انتقلوا من المشرق الى أفريقية، وتمكنوا من ايجاد موطىء قدم لهم هناك. وينبغي القول إن ما كان يحدث في أفريقية والمغرب يجد في النهاية أثرا له في الأندلس فالإقليمان ارتبطا منذ الفتح وقبله بعلاقات وثيقة بحكم الجغرافيا وبحكم العلاقة السكانية المتبادلة بين المغرب والأندلس حتى إن بعض المؤرخين الغربيين يذكرون أن البربر عبروا منذ القديم واستوطنوا غرب الأندلس. وبعد الفتح كانت نسبة هامة من المهاجرين المسلمين الى الأندلس من البربر. وقد حاول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إصلاح أخطاء أسلافه فاختار واليا معروفا بصلاحه للأندلس وهو السمح بن مالك وأمره بالتزام الحق والعدل والرفق بالرعية لكن ذلك الوالي لم يلبث أن استشهد قبل أن ينظم الحكم والدواوين في البلاد عام 102 للهجرة. وبين العام 102 والعام 112للهجرة كان تعيين والي الأندلس يتم من خلال حكام أفريقية، واستعرت في تلك الفترة الانقسامات بين القيسيين واليمانيين بعد أن مال يزيد بن عبد الملك للقيسيين فأوغر صدور اليمانيين ودفعهم للثورة على حكم بني أمية بعد أن كانوا هم حملة راية الدولة الأموية وسبب انتصارها في معركة مرج راهط حين واجه مروان بن الحكم بتشجيع ودعم اليمانيين جيش عبد الله بن الزبير الذي شايعه القيسيون . وحين تسلم هشام بن عبد الملك الحكم حاول انشاء نوع من التوازن باعطاء اليمانيين شيئا من النفوذ الذي فقدوه لكن محاولته جاءت متأخرة بالنسبة لاشتعال نار الخلاف في أنحاء الدولة وفي عام 109 للهجرة رجع هشام بن عبد الملك الى تقوية القيسيين على حساب اليمانيين فولى يوسف بن عمر الثقفي العراق، ونصر بن سيار خراسان، وعبيدة بن عبد الرحمن السلمي أفريقية وكانوا جميعا من غلاة القيسية فأخذوا يضطهدون اليمنية الكلبية فاشتعل الصراع بين القيسية واليمنية من خراسان في الشرق وحتى الأندلس في الغرب . تسببت النزاعات العصبية القبلية تلك في تشجيع القوط على المبادرة لمنازعة العرب السيطرة على الأندلس، كما تسببت في ثورة البربر في المغرب جميعه على العرب، وجاءت في الوقت الذي كان المسلمون فيه أحوج مايكونون للإتحاد لمواجه خطر القوط الذين بدؤوا بالتجمع في شمال البلاد. وفي تلك الفترة حدثت ثورة في منطقة أوسترياس في الشمال الغربي من الأندلس عينت بداية المقاومة الأسبانية للوجود الاسلامي في الأندلس قادها أحد قادة القوط واسمه بلايو. وقد وقعت في عهد عنبسة بن سحيم الذي حكم بين 103 -107 للهجرة. وفي عام 112للهجرة أقام عبيدة بن عبد الرحمن السلمي وكان واليا على أفريقية والأندلس عبد الرحمن الغافقي أميرا على الأندلس، وكان عبد الرحمن من كبار رجال الجند، اتصف بالقدرة التنظيمية والعسكرية، وكان محبوبا من الجند ومن كافة طوائف الأندلس، سليما من النزعة العصبية القبلية، وتجمع الروايات الإسلامية على فضله والثناء عليه، وكان الرجل من غافق إحدى بطون كهلان اليمانية، ويقال انه قد أراد فتح بلاد الغال ( فرنسا لاحقا ) عام 114 للهجرة وجمع لذلك جيشا، تقدره بعض الروايات بسبعين ألف رجل، وبعضها بأقل من ذلك، والأرجح أنه أقل من ذلك الرقم الذي لايتناسب مع القوة العسكرية التي تم بها الفتح وهي حوالي 12000 مقاتل وما جرى الحديث عنه حول دخول حوالي 17000 مقاتل بعد الفتح لاستكمال فتح الأندلس فكامل القوة العسكرية المتاحة لم تكن لتصل الى 30000 مقاتل هذا اذا لم نأخذ بالاعتبار من سقط منهم أثناء معركة الفتح وبعدها، ويؤيد ذلك تقدير المؤرخ الفرنسي المعاصر فيليب سناك والذي قدر العدد بين 15000 – 25000 . وبعد العديد من الانتصارت والمعارك في سيبتمانيا وأكتانيا التي قضى فيها على جيش أودو دوق اوكتانيا في معركة نهر الجارون وسيطر على أكتانيا بالكامل بما يعادل مع سيبتمانيا ثلث مساحة فرنسا وابتعد جيشه كثيرا عن قواعده قرب جبال البيرينيه ويبدو أنه كان يميل الى التوقف وتعزيز سيطرته على المساحات الكبيرة التي كسبها بعد أن أًرهق الجيش بالمعارك التي خاضها وأوغل كثيرا في أرض الغال ( فرنسا ) وهناك قرب بواتييه فوجىء بمواجهة جيش كبير ربما لم يكن بحسبانه بقيادة الملك شارل مارتل , فاستمرت المعارك بينهما عدة أيام وكاد الجيش المسلم أن ينتصر وهنا وجه شارل مارتل قوة من الفرسان للالتفاف خلف جيش عبد الرحمن الغافقي فاضطرب الجيش وتراجع قسم منه لحماية مؤخرة الجيش التي تضم غنائم عظيمة فسنحت الفرصة لقوات شارل لاختراق قلب جيش المسلمين وقد ثبت في المعركة عبد الرحمن ومن حوله وقاتل حتى استشهد فلما علم الجيش باستشهاده ولمس قوة العدو وصعوبة الانتصار عليه قررالإنسحاب وتم الإنسحاب ليلا , ولم يتعقب شارل مارتل جيش المسلمين ومصادر المعلومات قليلة جدا لدى المؤرخين المسلمين , على النقيض من المصادر الغربية التي جعلت من تلك المعركة أسطورة في الإنتصار على المسلمين وحماية فرنسا من سيطرتهم، وأحد التفسيرات المحتملة لذلك التضارب في المصادر أن تلك المعركة لم تكن سوى معركة محدودة، وأن استشهاد عبد الرحمن الغافقي أمير الأندلس في تلك المعركة أعطى الفرصة لتضخيم انتصار الملك شارل مارتل فيها وجعله انتصارا تاريخيا. وماهو ملاحظ أن تضخيم شأن تلك المعركة قد جاء من المؤرخين الغربيين السابقين بينما يميل المؤرخون الغربيون حاليا الى خفض ذلك التقييم وفق دراسات أكثر دقة وموضوعية. ففي مقدمة كتابهما “رفيق القارئ إلى التاريخ العسكري” لخّص روبرت كاولي وجيفري باركر وجهة النظر الحديثة هذه عن دراسة التاريخ العسكري بالقول انها شهدت تغيرات جذرية في السنوات الأخيرة وقد غيرت الأبحاث الجديدة وجهات نظرنا… وعلى سبيل المثال، فان العديد من المعارك التي أدرجها إدوارد شيبرد كريزي عام 1851للميلاد في كتابه المشهور “أكثر خمسة عشر معركة حسمًا في العالم” نذكر منها هنا، المواجهة بين المسلمين والمسيحيين في بواتييه – تور عام 732 للميلاد، التي كان ينظر إليها أنها حدث فاصل، خُفّضت إلى مجرد غارة.” , ويمكن النظر لتلك المعركة كجزء من الحملة التي هدفت لفتح أكتانيا وسبتمانيا في بلاد الغال , وأن الهدف لم يكن أبعد من ذلك , وأن تحرك شارل مارتل جاء مفاجئا بعد أن لجأ اليه واستنجد به دوق أكتانيا, ومن الواضح أنه قد سقط في تلك المعركة عدد كبيرمن الشهداء منهم قائد الجيش عبد الرحمن الغافقي أمير الأندلس في وقتها. وعلى أية حال فمن المنطقي أن يتوقف العرب المسلمون عن فتوحاتهم عند جبال البيرينيه أو بعدها بقليل، لأسباب عديدة منها أن قواتهم بدأت تتبعثر في شبه الجزيرة الايبرية للسيطرة على الأراضي الواسعة المفتوحة، ومنها أيضا اصطدامهم بقوى بشرية وعسكرية ضخمة تمثل قلب أوربة المسيحية وطبيعة الأرض المليئة بالغابات التي يصعب السيطرة عليها. في حين أن الدولة الأموية لم يعد لديها فائض من القوة لدعمهم. بداية المقاومة الاسبانية : في رواية المؤرخ سيبستيان السلمنقي أنه عندما غزا العرب الأندلس هلك معظم القوط بالسيف او بالجوع ولجأ القلة الناجون الى الشمال الغربي في منطقة أوسترياس وهي منطقة وعرة أرهقت جيش المسلمين فتركوها لبعدها ولوعورة مسالكها، وهناك أقام القوط لهم أميرا هو بلايوابن الدوق فافيلا وقد حكم تسعة عشر عاما وتوفي سنة 737 للميلاد، وقد جمع القوط لحرب المسلمين، وخاض ضد المسلمين معركة هامة هي معركة كوفادونجا عام 718 للميلاد انتصر فيها على المسلمين فترسخت سيطرته على اقليم أوسترياس وقويت عزيمة القوط في مواجهة المسلمين في الأندلس. وزاد الأمر سوءا اشتعال الصراع بين العرب والبربر من جهة وبين العرب أنفسهم من قيسيين ويمانيين، ثم بين قدماء الفاتحين من العرب والبربر وبين من هاجر بعدهم الى الأندلس، وبذلك انشغل المسلمون بصراعاتهم الداخلية مما أعطى الفرصة لرسوخ مملكة أوسترياس وتوسعها على حساب الأراضي حولها ولم يوقف هذا التراجع والفوضى سوى دخول عبد الرحمن الداخل.