سوريون “بلا حسبان” في مرمى القتل… الحل المفقود لسكان ومزارعين

عبد الله البشير

تترصد قوات النظام على خطوط التماس مع فصائل المعارضة المسلحة، شمالي سورية، المدنيين، وتضعهم ضمن دائرة أهدافها باستخدام الصواريخ والقذائف الموجّهة. والمستهدفون هم سكان مناطق تقع على خطوط التماس، أو يقصدون أراضيهم الزراعية لجني المحاصيل، ما يعني أنهم مجبرون على الذهاب إلى هذه المناطق.

يعيش المزارع محمود العبد الله، الذي يسكن في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، في قلب هذه المخاطر خلال عمله لجني محصول ثمار التين الذي بات لا يستطيع التخلي عنه في ظل تراجع الدخل وضيق المعيشة. وهو مضطر بالتالي لتحمل هذه المخاطر مع فرد واحد من عائلته على الأقل، رغم أنه يعلم جيداً أنه هدف دائم لقوات النظام التي قد تقتله في أي لحظة خلال وجوده في أرضه.

يقول العبد الله لـ”العربي الجديد”: “أقصد أرضي الزراعية لجني موسم التين وغيره، وأخاطر بنفسي خلال عملي في هذه الأرض التي تبلغ مساحتها ستة دونمات، وتقع في منطقة مكشوفة للنظام، لكنها فعلياً مصدر رزقي فجني جزء من المحصول يؤمن بعض مصاريف الحياة اليومية لعائلتي، ويسمح بتوفير بعض رسوم ولديّ اللذين يتابعان تحصيلهما الجامعي”.

يضيف: “تُقصف المنطقة بالمدفعية أحياناً، أو تستهدف بغارات الطيران وصواريخ موجهّة يطلقها النظام والروس. ونحن نعرف مدى هذه الصواريخ، وأنها تطلق من أطراف معرّة النعمان، ويمكن أن تصيب أي شخص في المنطقة التي تقع فيها أرضي”.

يتابع: “نواجه إضافة إلى مخاطر القصف بالقذائف والصواريخ الموجّهة، تهديدات الذخائر غير المنفجرة، إذ تحتوي بعض الأراضي على قنابل قد تنفجر في أي لحظة. والحل من وجهة نظري يتمثل في وقف الخروقات التي تحدث كي نستطيع زرع أرضنا من دون خطر، علماً أن القصف يُتلف أشجاراً فيها لا يمكن الوصول إليها للاهتمام بها. أنا أحاول دائماً أن اتحرك بحذر خلال وجودي في الأرض، وأتجنب الوقوف أو التحرك مدة طويلة في المكان ذاته لتقليص فرص استهداف قناص لي، علماً أنه يمكن أن تستهدف سيارتي أيضاً بصاروخ أو قذيفة خلال وجودي فيها. من هنا يمكن وصف وجودي في أرضي بأنه مخاطرة خارج الحسبان، مهما بلغت درجة حيطتي وحذري”.

بدوره، يعيش خضر الأحمد، الذي يسكن في ريف معرة النعمان جنوبي إدلب، تجربة خطر الوجود في مناطق التماس مع قوات النظام السوري، ويخبر “العربي الجديد” أنه أصيب بشظايا قذيفة أطلقتها قوات النظام قبل أن يتهجر من قريته نهاية عام 2019، وأن حياةً جديدة كتبت له حينها، بعدما لم يدرك أنه سيكون هدفاً للقصف”.

ومن الحوادث التي وثقها جهاز الدفاع المدني السوري العام الماضي، مقتل امرأة وجرح زوجها إثر إصابة صاروخ سيارة استقلاها خلال سلوكهما طريق كتيان – زردنا مال شرقي إدلب، والتي كان الجهاز قد حذر المدنيين من سلوكها كونها في مرمى الصواريخ الموجّهة.

ويقول المتطوع في الدفاع المدني السوري وليد أصلان لـ”العربي الجديد”: “زادت أخيراً حوادث القصف بصواريخ حرارية موجّهة في مناطق ريف إدلب،  وتركزت في مناطق جبل الزاوية جنوبي إدلب، وريف إدلب الشرقي وسهل الغاب وريف حلب الغربي، القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام وتلك الروسية. وقد حذرت فرقنا المدنيين من ضرورة عدم ركن سياراتهم في مناطق مكشوفة، أو قريبة من خطوط التماس، أو السير والاقتراب منها، لكن الخيار بالنسبة إليهم هو البقاء بلا أي مصدر رزق، وترك محاصيلهم وأراضيهم الزراعية، أو المخاطرة والعمل فيها لتأمين قوت يومهم، في حين لا يمكن بأي شكل تجنب الاستهداف في منطقة مكشوفة وواسعة. والصواريخ الموجّهة التي تستخدمها قوات النظام وتلك الروسية من أجيال متطورة قد يتجاوز مداها 10 كيلومترات، والقصف يتكثف خلال فترة جني المحاصيل الزراعية، خاصة خلال قطف الكرز والتين والزيتون، وحصاد القمح”.

ويؤكد أن “الغاية من القصف الذي تنفذه قوات النظام وتلك الروسية بصواريخ وقذائف موجّهة هو استكمال سياسة القتل الممنهج للمدنيين وضرب استقرارهم، ومنعهم من استغلال أراضيهم الزراعية وجني محاصيلهم، تمهيداً لإجبارهم على النزوح. وهي تمنع أيضاً مهجرين كثيرين من العودة إلى منازلهم، وتتركهم في معاناة كبيرة في المخيمات، وبلا أي مصدر رزق”.

ويلفت أصلان إلى أن “المناطق التي تستهدف بصواريخ حرارية موجّهة بعيدة نسبياً عن خطوط التماس بنحو 8 كيلومترات، علماً أن المناطق المكشوفة لقوات النظام تمتد على مساحات واسعة من القسم الشرقي لجبل الزاوية ومناطق ريفي إدلب الجنوبي والشرقي وسهل الغاب”.

ويؤكد أن الهجمات المستمرة من قوات النظام وروسيا بصواريخ حرارية موجّهة وغيرها من الأسلحة على شمال غربي سورية “تشكل خرقاً فاضحاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، ولم تكن لتحصل لو جرت محاسبة نظام الأسد وروسيا على عملياتهما العسكرية ضد المدنيين والمرافق الحيوية على مدى سنوات. والدفاع المدني السوري يطالب المجتمع الدولي بالوقوف بحزم ضد هذه الممارسات غير الإنسانية الممنهجة، ومحاسبة نظام الأسد ومن يدعمه على الانتهاكات والجرائم المرتكبة”.

ويكشف أصلان أن فرق الدفاع المدني السوري استجابت منذ بداية العام الحالي لـ11 هجوماً باستخدام صواريخ حرارية موجّهة في مناطق شمال غربي سورية، والتي تسببت في وقوع قتلى وجرحى كانوا يعملون في أراضٍ زراعية.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى