تطبق روسيا الاتحادية شكلاً جديداً من أشكال الضم للأراضي المحتلة الأوكرانية وهو منح سكان تلك الأراضي جوازات سفر روسية طوعاً أو إجباراً. هكذا يشكل بوتين سابقة لتبرير التدخل في شؤون دولة ذات سيادة تحت ذريعة حماية مصالح الشعب الروسي، إذ صرح الرئيس الروسي مراراً وتكراراً أن الروسي هو كل من يجيد اللغة الروسية أو ببساطة يتكلم بها وأن روسيا لا حدود لها. وهكذا تمهد روسيا طريقاً للتدخل العسكري المحتمل وضم أراضي الدول المجاورة. وفي هذا السياق، أصبحت شبه جزيرة القرم الأوكرانية مثالاً كلاسيكياً لتلك الطريقة، حيث كانت روسيا توزع جوازات السفر لسنوات عديدة ليصبح امتلاك العديد من سكان القرم جوازات سفر روسية عام 2014 أحد الأسباب الرئيسية للغزو العسكري الروسي وضم جزء من أراضي أوكرانيا لاحقاً.
في إطار حظر إصدار تأشيرات شنغن للمواطنين الروس ودخولهم أوروبا، الذي ما زال قيد النقاش، يمكن لعامل منح جوازات السفر الروسية أن يلعب دوراً حيوياً في سياق زعزعة استقرار أوروبا. يتأثر المجتمع الروسي المعاصر بدعاية الكرملين تأثيراً كبيراً، وإنه عبارة عن مجموعة من الأشخاص الذين يعانون من حالات متغيرة من الوعي ولا يستجيبون للقيم الغربية والديمقراطية فحسب بل يستعدون للمساهمة في الفوضى الاجتماعية والسياسية وزعزعة الاستقرار. ويبحث الروس عن فرص لدخول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وغالباً ما عن طريق دول ثالثة توفر رحلات جوية إلى روسيا، حيث كثيراً ما يقومون بتنفيذ مهام وكلت إليهم من الأجهزة الخاصة الروسية. ثبت أنه بعد 24 شباط/ فبراير نقل الروس عبر حدود الاتحاد الأوروبي إلى روسيا البضائع التي كانت خاضعة للحظر التجاري، بما في ذلك الدارات الإلكترونية المتكاملة والطائرات المروحية الرباعية، التي تستخدم في الحرب على أوكرانيا.
إن حظر إصدار تأشيرات شنغن للمواطنين الروس له وظيفة صحية واضحة لأن روسيا باعتبارها دولة شعبها مغسول دماغه يجب أن تجد نفسها في عزلة دولية كاملة مثل دولة تنتشر على أراضيها الأوبئة. ولذا يجب على الغرب بناء طوق صحي على الحدود مع روسيا الاتحادية دفاعاً عن أمنه.
حتى على الرغم من أن بوتين لا يسعى حالياً إلى مواجهة عسكرية مع دول الحلف الأطلسي، تتعرض أوروبا لتهديدات هجينة عديدة. وفي هذا الصدد، يشكل المواطنون الروس، الذين يمكن أن يصبحوا مصادراً لزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي عند وصولهم إليها، تهديداً رئيسياً. وكذلك يعتمد بوتين على وجه التحديد على عملاء التأثير المخفيين الذين يشكلون أكبر تهديد على أمن أوروبا.
يقطن الروس العديد من بلدان أوروبا الشرقية، على وجه الخصوص، لاتفيا حيث يشكل المهاجرون من روسيا حوالي 25% من سكانها. وقد يساهم عامل العرق الروسي في تبسيط إجراءات الحصول على جواز سفر روسي ما يسبب خطر تدخل الكرملين في الشؤون الداخلية لريغا حيث يمكن لبوتين استخدام المواطنين الروس الساكنين في الاتحاد الأوروبي لغرض زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي في بلدان إقامتهم.
تستغل روسيا أي ذرائع للتوسع الإقليمي في أوروبا وقمع سيادة الدول المستقلة. ولذا الرد الشامل والعزلة الدولية الكاملة للكرملين يمكن أن يضعف عدوانه وينشئ طوقاً أمنياً على طول الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق، فإن حظر إصدار تأشيرات شنغن للروس هو الخطوة الأولى الأكثر ضرورة.
المصدر: الخارجية الأوكرانية