في مطلع الثمانينات وأثناء إقامتي في طرابلس الغرب دعا معمر القذافي الدكتور نديم البيطار لمناقشة كتابه من التجزئة إلى الوحدة وإعتقدنا حينها أن الحوار سيتركز حول فكرة إقليم القاعدة العمود الفقري لنظريته الوحدوية العربية ، كان الواضح حينها أن القذافي مع الفكرة وآلياتها لكن لم يرق له أن تكون مصر أو وحدة سورية والعراق على سبيل المثال يتوسم وتتمثل فيهما مواصفات وقدرات الإقليم القاعدة دون ذكر لليبيا كإقليم قاعدة للوحدة العربية وهو قائد عليها .
بعد الإسبوع الأول لإقامة الدكتور نديم البيطار في فندق الشاطئ الطرابلسي بدأ يتململ ويعرب عن إنزعاجه وشعوره كأنه منسي وكأن الداعي يجهل أن عليه إلتزامات مهمه في لبنان وتجاه عمله في جامعة دوتروت ، ثم بدأت الأيام تتراكم و يضوج معها نديم البيطار يوم بعد يوم أكثر وأكثر بالإضافة لما كان يسمعه من أحاديث البعض مما يجعله يشتاط غضباً عن شخصيات يصعب عدّها كانت قد دعيت من قبل القذافي لكنها نسيّت فعلاً لأسابيع وبعضها لشهور دون أن يستقبلها القذافي لدرجة أن لمّح البعض أن القذافي يتقصد (ذلك مع البعض لأسباب قد يطول شرحها) مما كان يزيد من غضبه لغاية أن قربت إقامته دون اللقاء لمدة إسبوعين كما أتذكر .
قال لي مأمون سفرني دخيلك فأنا لا أملك الوقت ولا الأعصاب لإنتظار موعد وحوار لا أعرف متى سيتحقق و لا أعرف أبعاده ومبتغاه وبخلفية أن أخونا القذافي لا يرى إلا الكتاب الأخضر بكل شيئ بما في ذلك عملية اللإنجاز الوحدوي العربي ذاتها .
وفعلاً رتبت الأمر وإصطحبته إلى المطار ثم ودعته ليصعد ضمن المسافرين إلى الطائرة متوجهاً إلى بيروت ومنها إلى طرابلس الشام .
وكانت المفاجأة التي لا أنساها في اليوم الثاني صباحاً أن قرع باب داري لأجد نديم البيطار وراؤه يقول بعد ما وجد ما إرتسمت على وجهي وترحيبي من مفاجأة كبيرة وغير منتظرة : خليني أول أدخل وبعدين منحكي …
قال : بعد ما ودعتني صعدت إلى الطائرة جلست بمكاني أستعيد أنفاسي وما كادت تتحرك الطائرة حتى صعد الطائرة أحدهم ونادى علي بالإسم ثم إصطحبني لخارج الطائرة لأرى حقائب المسافرين قد أنزلت من مكانها و على الأرض ، طلب مني المرافق ان أؤشر على حقيبتي ، وفي السيارة قال لي سنتوجه الآن إلى سرت لتقابل القائد ، إستغرق اللقاء لساعة ونصف ،كانت سفرة متعبة وكانت العودة إلى طرابلس منهكة .
هدأت الإنفعالات وشربنا القهوة ثم سألته هل كان اللقاء مفيداً فأجاب : لا أظن لكن على الأكيد كان إنتظار اللقاء مضراً .
في ذكرى رحيلك الثامن يا أيها الكبير نديم البيطار في رحاب الله يا من كان مثالاً بإبداعه الفكري الوحدوي وإنتمائه العروبي وإنسانيته الراقية المميزة .
المصدر: صفحة مامون خليفة