إسرائيل أمام لحظة الحقيقة: عزلة دولية أو إيران نووية!

إبراهيم نوار

تجري الرياح بما تشتهي سفينة إيران في بحر المفاوضات النووية، وبما لا تشتهي إسرائيل. ولذلك فإن القيادة السياسية الإسرائيلية في حالة هياج عصبي مع تزايد فرص توقيع صفقة لإحياء الاتفاق النووي، وتحاول بأقصى ما تستطيع إفشال ذلك. إيران ستكون الطرف الرابح في الحالتين؛ فشل الصفقة أو نجاحها؛ ففشل الصفقة يخلي طريقها من العقبات التي تحول دون الاستمرار في تطوير البرنامج النووي، بجانبيه المدني والعسكري. وقد قلنا من قبل، ونعيد القول اليوم، بأن امتلاك إيران للسلاح النووي، لم يعد مسألة وقت، لكنه مسألة قرار سياسي. أما في حال نجاح الصفقة فإن إيران ستكون هي الطرف الرابح من رفع العقوبات، وحرية استخدام أرصدتها المالية المجمدة، وتوسيع نطاق التجارة، وتلقي الاستثمارات الأجنبية، والتوسع في تصدير النفط والغاز، بما يروي ظمأ أوروبا للطاقة.

إسرائيل ستكون الطرف الخاسر، وليس الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، بل إن خسارتها قد تتحول إلى عزلة دولية مهينة، حيث ستجد نفسها خارج سياق أحداث الدبلوماسية العالمية، التي تعيد احتضان إيران ودمجها بلا قيود في النظام الدولي، حتى داخل المنطقة، حيث أعادت الكويت سفيرها إلى طهران، وكذلك تخطو الإمارات، وربما تخطو السعودية أيضا على الطريق نفسه قريبا. تغير الدبلوماسية العربية تجاه إيران هو نتيجة قوة محركين، المحرك الأول هو تزايد فرص نجاح الدور السياسي النشيط، الذي تقوم به سلطنة عمان في إدارة مفاوضات غير مباشرة (خليجية – إيرانية) حول شروط وترتيبات أمن الخليج، والتمهيد لاتخاذ إجراءات مهمة على صعيد بناء الثقة بين إيران وجيرانها العرب. والمحرك الثاني هو زيادة الميل في واشنطن لتحميل الدول الخليجية مسؤولية الدفاع عن نفسها أو تكلفة الدفاع عنها.

أمريكا تمهد لإسقاط العقوبات

تكشف القراءة الدقيقة للتصريحات التي أدلى بها المتحدث الرسمي للخارجية الأمريكية نيد برايس، مساء الاثنين الماضي، عن خطاب سياسي أمريكي جديد تجاه إيران، يقلل من أهمية استخدام العقوبات الاقتصادية في كبح طموحات إيران النووية. ما أثاره برايس بشأن ضرورة أن تستجيب إيران للتحقيق الذي تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يعتقد بعض المحللين أن من شأنه تعقيد فرص التوصل إلى صفقة تقود لإحياء الاتفاق النووي، لا يزيد في حقيقة الأمر عن كونه مجرد مناورة تسمح لإيران بالرد على «أسئلة» من الوكالة بتوضيحات رسمية، تؤكد فيها أنها لا تجري أنشطة نووية محظورة، وبعدها يتم إغلاق التحقيق. وهو بالضبط ما قاله برايس في بيانه «إيران تحتاج للإجابة على أسئلة الوكالة». برايس أوضح أيضا أنه ما تزال هناك بعض الثغرات التي يتعين غلقها، منها إلزام إيران بالتخلي عن إعلانها الانتقام لقتلة الجنرال سليماني قائد فيلق القدس. هذا يعني أن الإدارة الأمريكية ربما تحتاج إلى عدة أيام إضافية، لكي تقدم ردها على الملاحظات الإيرانية، خصوصا أن إيال حولاتا مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يشارك أيضا في مناقشة تلك الملاحظات مع المسؤولين الأمريكيين في واشنطن. ومع ذلك فإن برايس كان قاطعا في تأكيده على أن الإدارة الأمريكية، لا تتفق مع دعوة إسرائيل لرفض العودة للاتفاق النووي.

ماذا تستطيع إسرائيل أن تفعل وحدها؟

عارضت إسرائيل اتفاق 2015 وحاولت إسقاطه، حتى انسحبت منه إدارة ترامب، ثم جاءت إدارة بايدن نادمة على ما حدث، وهي تحاول الآن إحياء الاتفاق. لكن إسرائيل تحاول على المكشوف إفشال المفاوضات بكل الطرق، سواء باستخدام أساليب الضغط المباشر على البيت الأبيض، أو باستخدام جماعات الضغط الموالية لها داخل الكونغرس وخارجه، أو بتنظيم حملة قوية تقودها «إيباك» لإسقاط المرشحين الديمقراطيين المعتدلين في انتخابات التجديد الفصلي للكونغرس في نوفمبر المقبل. كما تستخدم الحكومة الإسرائيلية أدوات الضغط المباشر وغير المباشر على الاتحاد الأوروبي. ومع أن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي ما تزال تواجه صعوبات عملية كثيرة، يمكن أن تنسفها، فإن ما وصفته طهران بـ»الصيغة المرنة» التي عرضها الاتحاد الأوروبي، وما وصفته واشنطن بالتقدم في المفاوضات، يعني أن فرص النجاح اليوم أفضل مما كانت عليه في الأسبوع الماضي، على حد تعبير نيد برايس. ومع ذلك فإن الأطراف جميعا تعلم أن أي تقدم في الوضع الحالي، قد يصطدم بنتائج انتخابات الكونغرس التي ستجري بعد حوالي 9 أسابيع من الآن. ومن المحتمل استنفاد جزء كبير من الوقت المتاح حتى ذلك الحين في الاتفاق على التفاصيل الصعبة، وسد الثغرات التي تقول واشنطن إنه لم يتم التطرق إليها بعد، مثل الرد الإيراني على التحقيق الذي تجريه وكالة الطاقة الذرية بخصوص وجود مواد مشعة في أماكن غير مصرح بها، وهو التحقيق الذي تقول إيران إنه استجابة من الوكالة لشكوى إسرائيلية لا أساس لها. وأيضا الرد الأمريكي على طلب إيران بخصوص وضع نظام لمراقبة وتدقيق إجراءات رفع العقوبات، والضمانات التي تطلبها بعدم انسحاب واشنطن من الاتفاق مرة أخرى، أو فرض عقوبات، أو عراقيل مالية، أو إدارية ضد الشركات الأجنبية التي تريدها إيران أن تستثمر لديها. هناك موضوعات ستحل نفسها بنفسها، مثل تصنيع أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وترتيبات نقل مخزون اليورانيوم المخصب.

انقسام داخلي وضعف استراتيجي

طبقا لإعلان القدس الصادر خلال زيارة بايدن الأخيرة لإسرائيل، فقد حصلت تل أبيب على حق التصرف منفردة ضد إيران، بصرف النظر عن نتائج المفاوضات النووية. لكن ممارسة إسرائيل لهذا الحق لا يعني أكثر من أن تستمر أجهزة الأمن في تكرار ما تفعله من محاولات تخريب البرنامج النووي الإيراني، سواء عن طريق اغتيال العلماء والمهندسين، أو بوسائل الحرب السيبرانية، أو باستخدام عملاء لتخريب مواقع ومنشآت إيرانية. وتعلم إسرائيل أن أقصى ما يمكن أن تحققه هذه الأساليب هو تعطيل أو إعاقة البرنامج النووي الإيراني. وقد ثبت خلال العامين الأخيرين، أن ذلك ضئيل المفعول، ولا قيمة له من الناحية الاستراتيجية، حيث تمكنت إيران من رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60% على الأقل، وضاعفت مخزون اليورانيوم المخصب عدة مرات، وانتجت محليا أجيالا جديدة من أجهزة الطرد المركزي. كما تمكنت من تحقيق نجاحات مهمة في مجالات الصناعات العسكرية والقدرات القتالية، كل ذلك يعني أن رفض إسرائيل لصفقة محتملة لإحياء الاتفاق النووي لا قيمة له. الأهم من ذلك هو ما كشف عنه الجنرال تامير هيمان مدير المخابرات العسكرية السابق، ورئيس مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تل أبيب حاليا، من أن إسرائيل لا تملك حتى الآن القدرات الكافية لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، مع احتواء تداعيات اندلاع حرب إقليمية شاملة. الجنرال هيمان أيد في تغريدة له يوم الجمعة الماضي، التوصل إلى صفقة مع إيران، تؤجل إمكان امتلاكها السلاح النووي حتى عام 2030 على الأقل، عندما ينتهي أجل الاتفاق. وقال إن مثل تلك الصفقة تمنح إسرائيل وقتا للتسلح بالقدرات العسكرية المطلوبة. وأوضح أن أي ضربة عسكرية ضد إيران يجب أن تكون قوية ودقيقة بالقدر الكافي لمنع نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق، وليس لمجرد تدمير المنشآت النووية.

إيران ورفع العقوبات

البوابة الرئيسية التي يمكن أن تمر منها الصفقة هي رفع العقوبات تماما عن إيران، ووجود آلية لتدقيق عملية تنفيذ ذلك، من دون مماطلة أو تأخير، وضمانات بعدم إعادة فرضها أو الانتقاص منها، أو عرقلتها في ما بعد، باتباع طرق ملتوية مثل حرمان الشركات الأجنبية من الاستثمار في إيران. ويوجد إجماع على ذلك في طهران، تجلى في الاجتماع الذي عُقد منتصف الشهر الجاري في مقر مجلس الأمن القومي، وشارك فيه رئيس المجلس الجنرال علي شمخاني، ووزير الخارجية أمير حسين عبد اللهيان، ورئيس الوفد المفاوض علي باقري كني، ورئيس هيئة الطاقة الذرية محمد إسلامي، ورؤساء اللجان المعنية في مجلس الشورى. وقد جرى التأكيد في هذا الاجتماع على الالتزام بقانون رفع العقوبات بالكامل وصيانة حقوق الأمة الإيرانية.

وعن توقعات التوصل إلى صفقة، قال وزير الخارجية الإيراني لنظيره العماني في نهاية الأسبوع الماضي، إنه لا يمكن الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق قبل تحقيق المكاسب التي ستحصل عليها إيران من رفع العقوبات. وأكد الوزير الإيراني أنه لا حديث عن خطوة تالية قبل ذلك، وأن بلاده ما تزال في انتظار تفاصيل الرد الأمريكي، ما يعني أن مجرد موافقة واشنطن على رفع العقوبات ليست الشرط الوحيد لإحياء اتفاق 2015، لكنه الشرط المسبق للدخول في التفاوض حول بقية النقاط، والمرحلة الأخيرة لصياغة شروط الصفقة. رفع العقوبات سيكون بمثابة الاختراق الكبير، لكنه ليس المحطة الأخيرة.

كاتب مصري

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى