قراءة في كتاب: الفظيع || “مداولات في شكل سورية المخرب وشكلها العسير”

  أحمد العربي

ياسين الحاج صالح معارض يساري سوري ومن أنصار الثورة السورية، كان قد اعتقل لأكثر من عقد على فترات منذ الثمانينات بما فيها سجن تدمر، وله كتابات وكتب كثيرة تتعلق بالشأن السوري بما فيها اعتقاله السابق ومستجدات الثورة السورية الحالية ربيع ٢٠١١م.

الفظيع كتاب مهم من حيث اطلالته على واقع القهر والقمع والاعتقال والقتل وتدمير سوريا وتشريد شعبها، مستخدما تعبير الفظيع لوصف هذا النظام، تعبيرا عن أعلى درجات السوء في السلوك السلطوي، والمأساة الناتجة عن هذا السلوك الظالم الوحشي.

يبدأ ياسين الحاج صالح كتابه بالتنويه بذكرى شهيد الموقف المتضامن مع الشعب والثورة السورية: الكاتب اللبناني لقمان سليم، الذي أدلى برأيه بالنظام وربيبه حزب الله وخلفهم إيران ودورهم في قتل وتهجير الشعب السوري وتدمير سوريا. قال رأيه في لبنان لذلك قتلوه. كان قد ارسل الكاتب مخطوط كتابه هذا الى لقمان سليم وانتظر رده الذي جاءه وجاء بعد ذلك استشهاده.

قبل الخوض في موضوعات الكتاب اود ان انوه الى اسلوب ياسين الحاج صالح في هذا الكتاب، فهو ومن العنوان “الفظيع” وحتى آخر الكتاب يعتمد على التفلسف في الحديث عن اللغة و النظام و الشعب و المعارضة و حتى زوجته المغيبة سميرة الخليل. والتفلسف هنا ليس فذلكة ولا يقصد بها الحط من قيمة العمل والتدوين، بل على العكس، إنه يحاول أن يعقلن كل ما يمر عليه، ويحاول أن يقدم تفسيرات لما يورد من حالات وظواهر تتعلق بالنظام وبالثورة السورية، راجعا إلى كثير من مدوني المعسكرات النازية والقتل الجماعي و الناجين من الهولوكوست والمحرقة ايام هتلر.

لقد وقف أمام تعابير بذاتها ليسرد من خلالها ماذا تعني عند أصحابها. وكذلك عند النظام صاحب تسمية الفظيع. في محاولة فهم الآلية التي يفكر ويعمل بها هذا النظام. فكل شيء محسوب ومدروس لأجل وجود النظام وتأبيده و دعم قمعه وحضوره وجبروته. و لجعل الناس عبيدا مطواعين كل الوقت.

فالحب هو أعلى درجات الحميمية بين البشر سواء بين النساء والرجال أو بين البشر عموما. والنقيض له الكراهية التي تعني عند النظام استباحة الشعب وهدر كرامته وحريته ودمه أن ألزم. لذلك يغوص الكاتب عميقا في الحديث عن التعذيب مبرراته وآلياته بحيث يراه اداة اكراه لجبر المعتقل على تقديم معلومات يريدها النظام. وما يعني ذلك من ملاحقة شبكة المعارضين بكل تنوعاتهم اليسارية والقومية والإسلامية وتدمير وجودهم التنظيمي والمادي والوجودي وخاصة ما حصل مع الإسلاميين في الثمانينات وكما حصل مع الشعب وثواره في ثورة ٢٠١١م.

كذلك فعل الاغتصاب سواء للنساء او للرجال أو بين المعتقلين انفسهم بالاجبار، وكل ذلك يحصل لهدر الكرامة الإنسانية للمعتقل من أهم خصوصياته وحرماته؛ جسده وأجساد من يحب. هذا الانتهاك وهدر الكرامة هو أعلى درجات السلوك الفظيع الذي مارسه و يمارسه النظام الذي يسميه الكاتب “الدولة الأسدية” مشيرا إلى مرحلة الاب و الابن في عقود خمسة من حكم سوريا.

كما يشير الى الابادة بصفتها الطور الجديد لممارسة النظام ضد الشعب السوري وثواره. منذ ربيع ٢٠١١م الى الان . فلم يعد الاعتقال والسجن والتعذيب يهدف الى الحصول على المعلومات فقط، بل تجاوز ذلك الى إبادة وقتل الثوار وأهلهم وأصدقائهم وكل الشعب المعتبر حاضن لهؤلاء الثوار. لذلك كان تطور الاستباحة داخل المعتقلات فقتل المعتقل او المتظاهر او تدمير البلدة الثائرة وتهجير أهلها وتعفيش أملاكها، كل ذلك يحصل بمشروعية الإبادة التي مارسها النظام عبر كل الوسائل، وأنكرها عبر أحطّ الأساليب الدعائية الرخيصة بما فيها، ظهور رأس النظام لينكر التعذيب والقتل وليتهم “الأعداء” بصناعة هذه الكذبة؟!!.

يتوسع الكاتب في سرد العمق التنظيري والتفسيري لعقلية التعذيب وكيفية تولدها وصناعتها عند ازلام النظام وأمنه وجيشه. وكيفية تحويلها الى نهج تدميري للبشر في المعتقلات قبل فنائهم الجسدي الحقيقي. امثلة ذلك صور قيصر والمجازر الجماعية في مدن وبلدات سوريا، والمحارق والقتل البطيء في سجن صدنايا وكل الفروع الامنية السورية.

ثم ينتقل الكاتب للحديث عن تبدلات موت السوريين، مشيرا الى القتل الجماعي سواء في سجن تدمر وحماة وغيرها في ثمانينات القرن الماضي، او ما حصل في كل سوريا أرضا وشعبا في ثورتنا الحالية، حيث استباحت الصواريخ والطائرات والبراميل المتفجرة والكيماوي والتجويع والحصار حياة السوريين، بحيث أصبحت سوريا مكانا للموت والخراب والمأساة.

ثم ينتقل الكاتب للحديث عن ضرورة توثيق كل ما فعله النظام بحق الشعب السوري في سنوات الثورة وقبل ذلك، تحت عنوان تمثيل الفظيع، محاججا ضد الرأي الذي يحرم إظهار وحشية النظام وأفعاله. وان هذه الوحشية تحتاج للارشفة ليتحرر عقلنا وروحنا وذاتنا من النظام المجرم ومن أفعاله ولبني دولة الانسان وحقوقه والحفاظ على حريته وكرامته.

كما يتحدث الكاتب عن الحركات الإسلامية المقاتلة وأهمها داعش بصفتها جاءت ردا على فعل النظام واكد على تطابق سلوك الطرفين، واشار في أكثر موقع انّ الإسلام ذاته يحوي امكانية توالد هذا النمط من التصرف العنيف والقاتل. مما يستوجب وقفة.

الكتاب مهم ومليء ولنا رأي فيه.

اولا: توقفت عند تسمية النظام عند الكاتب باسم “الدولة الاسدية” مشيرا الى الاسد الاب والابن، ومع التوافق على استفاضة الكاتب في توصيف حالة القمع والهدر وعقلنة وبرمجة التعذيب والإجرام بحق الشعب السوري ومعارضيه وثواره. لكنه لم يشر الى البنية الداخلية للنظام ولا إلى بنائه المؤسسي، النظام ليس شخصين الاسد  الاب والابن فقط، منقطعي الصلة مع محيطهما يتصرفان كما الآلهة ؟!!، بل هما جزء من مؤسسة عسكرية امنية ذات بنية طائفية علوية شاملة مهيمنة بالمطلق. تمتد بالعمق المجتمعي منذ عقود في عقل وسلوك اغلب الطائفة العلوية في سوريا. وهذا لا يلغي وجود بعض العلويين المنتمين للثورة وأهدافها العظيمة. هذه البنية الطائفية التي كانت رصيد النظام قبل الثورة وبعدها. والتي قدمت للنظام الكثير من الشبيحة بعد أن انشق وهرب أغلب البنية العسكرية للخدمة الاجبارية او الضباط الغير علويين -على قلتهم- إبان الثورة السورية.

نحن هنا نصف واقعا طائفيا يفقأ العين و متطهرين من الطائفية و لوثتها. لذلك الأولى أن نقول عن النظام بأنه نظام استبدادي طائفي مجرم وقاتل. دون مداراة أو تستر فالدم السوري مستباح ولا اغلى من الشعب السوري ودمه.

ثانيا: يظهر الكاتب موقفا متشنجا اطلاقا من الإسلام بحيث يعتبره بيئة تؤدي بالضرورة لوجود الإرهاب ودعمه ورعايته فكريا و تنظيريا.

إن هذا الرأي على إطلاقه يفتقر للعلمية، فإن أي تحدث عن اي دين او عقيدة دون ربطها بزمانها ومكانها والتحولات التي مرت عليها مع مجموع الشروط المجتمعية لحاملين هذا الدين يكون ظلما اجتماعيا وسياسيا.

فالمسلمون وبعض السوريين منهم وقعوا ضحايا ظلم سياسي اجتماعي قهري دفعهم مع بقية مكونات الشعب السوري للثورة على هذا الظلم وكان الإسلام كعقيدة وإيمان ومرتكز نفسي اجتماعي معنوي  وقود  اندفاعهم للثورة. بغض النظر عن تنظيرات المسلمين انفسهم من تجديديين او سلفيين او اسلاميين دمقراطيين… الخ. فكل العقائد تمر بتحولات وتأويلات وتطورات. لم تسلم الماركسية والرأسمالية والمسيحية واليهودية منها وانتجت جميع أنواع الحركات الإرهابية والعنيفة.

لذلك لا ارتباط بين الاسلام كدين وعقيدة وبين الإرهاب لوحده فقط، بل الارتباط بين شروط حياة الناس مسلمين وغيرهم وبين استعدادهم للانتقال للإرهاب دفاعا عن حقوقهم ولو بوسائل خاطئة.

أليس الغرب بكل مدارسه العلمية هو من صنع الحربين العالميتين و ملايينها من الضحايا المظلومة من شعوبها ومن شعوب العالم. ؟!!.

الظلم والقهر واستباحة الشعوب مرض عالمي وليس عند الاسلام والمسلمين فقط…

ختاما لا بد من التأكيد على أن نقدنا للكتاب لا تلغي أهميته في تنوير ثورتنا السورية .

ثورتنا للحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل. ولكي لا ننسى…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى