وثائق مارآلاغو… نووية؟

تتسارع التصريحات والتصريحات المضادة بين الإدارة الأميركية ووكالات إنفاذ القانون، وتحديداً مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، من جهة، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والفريق الداعم له من الجمهوريين، من جهة أخرى، بعد مداهمة عملاء من الـ”أف بي آي” منزل ترامب في فلوريدا، الإثنين الماضي، بحثاً عن وثائق سرّية حملها معه بعد مغادرة البيت الأبيض.

ويسعى كل طرف إلى حشر الطرف الآخر في الزاوية، بعدما تحولت قضية الوثائق، سريعاً، إلى قضية رأي عام أميركي، لم يسبق أن وصلت إليها بهذا الشكل أي قضية سابقة تلاحق ترامب، ومنها تلك التي لا تزال مفتوحة ضد الرئيس السابق، الذي اتهم من قبل خصومه بالتعامل مع روسيا خلال حملة انتخابات 2016، والتحريض على اقتحام أنصاره الكونغرس في 2021.

وتبلغ مسألة “الوثائق السرّية”، التي قد تكون “نووية”، بحسب تقرير أخير لـ”واشنطن بوست”، مستوى عالياً من الخطورة، إذ تتعلق برئيس أميركي سابق تمّت مداهمة منزله وتفتيشه، في سابقة من نوعها، وهو الذي يتحضر على الأرجح لإعلان عزمه على خوض السباق الرئاسي مجدداً بعد عامين، وقد تؤدي القضية إلى محاكمته.

وزير العدل بمواجهة ترامب

ووجد وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند نفسه في الواجهة، مقابل ترامب وحلفائه، متخذاً قراراً صعباً بطلب الكشف عن مذكرة البحث التي وقّع عليها، والتي داهم بموجبها عملاء “أف بي آي” منزل ترامب في منتجع مارآلاغو في فلوريدا، بحثاً عن وثائق سرّية لم يسلّمها، في إطار تحقيق فتح قبل أشهر بطلب من الأرشيف الوطني الأميركي.

ويعني قرار غارلاند، بحسب ما أكد خلال مؤتمر صحافي عقده أول من أمس الخميس، إطلاع الرأي العام الأميركي على ماهية الوثائق المطلوبة، وهو أمر لا يحصل في العادة فيما التحقيق لا يزال جارياً، وقد أعلن ترامب سريعاً الموافقة عليه.

ورأى متابعون أن بإمكان الرئيس السابق إعلان أنه كان قد أزال السرّية عن الوثائق التي بحوزته، وهي صلاحية غير مشروطة يتمتع بها الرئيس الأميركي عادة، لكن خبراء يجزمون بأن ذلك كان سيتطلب آلية معينة، أو “بروتوكولاً”، حتى بالنسبة للرئاسة، لم يتبعه ترامب.

وأعلن غارلاند، أول من أمس، أن وزارة العدل طلبت من قاضٍ الكشف عن المذكرة التي قام مكتب التحقيقات الفيدرالي بموجبها بتفتيش منزل ترامب، ما يعني أنه سيكون باستطاعة الأميركيين أن يعلموا المزيد عمّا كان المحققون يبحثون عنه أثناء التفتيش في منزل ترامب، في مارآلاغو. وأكد وزير العدل أنه وافق شخصياً على قرار تفتيش منزل ترامب، من دون أن يوضح السبب، لكنه شدّد على وجود “سبب محتمل”، وقال إن “الوزارة لا تتخذ قراراً كهذا بخفة”.

وسريعاً، ردّ ترامب، معلناً عدم ممانعته نشر الوثائق المتصلة بعملية التفتيش، وكتب على منصة “تروث” للتواصل الاجتماعي التابعة له، أنه “ليس فقط أنني لن أعارض نشر الوثائق المرتبطة بالمداهمة غير الأميركية وغير الضرورية وغير المصرحة لمنزلي، بل سأتخذ خطوة إضافية بالحثّ على النشر الفوري لهذه الوثائق”.

ومساء أمس الجمعة، كشفت مذكّرة تقتيش رسميّة لمكتب “اف بي آي” أن موظفيه، الذين فتشوا منزل ترامب، صادروا 11 مجموعة من الوثائق السرية، بما فيها بعض الوثائق التي صُنّفت سريةً للغاية.

وأجري التفتيش على خلفية الاشتباه بانتهاكات لقانون مكافحة التجسس والاحتفاظ بوثائق دفاعية حسّاسة، وفق ما أظهرت مذكّرة التفتيش والمواد ذات الصلة التي أمر قاض في فلوريدا بنشرها.

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد كشفت، قبل ذلك، أن أفراد مكتب التحقيقات الاتحادي أخذوا نحو 20 صندوقاً من الوثائق ومجلدات من الصور ومذكرة مكتوبة بخط اليد، والأمر التنفيذي باستخدام الرأفة مع روجر ستون حليف ترامب. وذكرت أن القائمة تضمنت أيضا معلومات عن “رئيس فرنسا”.

وحسب الصحيفة، فإن من بين الوثائق المصادرة مجموعة من المستندات التي عُرّفت بأنها شديدة السرية وحساسة. وأضافت الصحيفة أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي صادروا أربع مجموعات من الوثائق عالية السرية، وثلاث مجموعات أخرى أدرجت كوثائق سرية، وثلاث مجموعات أخرى عرفت كوثائق خاصة.

وقبل ذلك، كانت صحيفة “واشنطن بوست”، قد ذكرت نقلاً عن مصادر مطلعة، أن عناصر “أف بي آي” كانوا يبحثون في منزل ترامب عن وثائق مرتبطة بالأسلحة النووية، من دون أن يتضح ما إذا كانوا قد عثروا عليها. كما لم توضح المصادر ما إذا كانت المعلومات في الوثائق تتعلق بأسلحة نووية تملكها الولايات المتحدة، أو دولة أخرى. وقال مسؤول سابق في وزارة العدل إن نوع المعلومات (أسلحة نووية) تدفع السلطات للتحرك بأسرع وقت ممكن لاستعادة وثائق حسّاسة. واعتبر ترامب، من جهته، أن الحديث عن ملفات نووية “مجرد خدعة”.

حملة تهديدات لـ”أف بي آي”

وجاء إعلان وزارة العدل بطلب الكشف عن مذكرة البحث، بعدما تعرضت مع مكتب “أف بي آي” لحملة شرسة من الجمهوريين المؤيدين لترامب، ومن أنصاره على وسائل التواصل، وصل الأمر ببعضهم إلى شتم الوكالة (وصفها السيناتور توم كروز مثلاً بالكلب المهاجم للديمقراطيين) وتهديد الوزارة و”أف بي آي” عبر الإنترنت. واتهم أنصار ترامب وبعض الجمهوريين في واشنطن الديمقراطيين باستخدام مواقع المسؤولية (القضاء ووكالات إنفاذ القانون) كسلاح لاستهداف ترامب.

ورداً على ذلك، وصف غارلاند الهجمات على المكتب الفيدرالي بأنها “غير مبرّرة”، مؤكداً أنه “لن يقف مكتوفاً” إزاء ذلك.

بدورهم، حذّر عناصر “أف بي آي” من أن تصاعد التهديدات ضدّهم قد شجّع على العنف ضد سلطات إنفاذ القانون، معتبرين الأمر “غير مقبول”. وقالت رابطة الدفاع عن عناصر “أف بي آي” في بيان، إنه “لا ينبغي أبداً تهديد العملاء الخاصين وعائلاتهم بعنف، بما في ذلك بسبب تأديتهم لعملهم”، لافتة إلى أن “التهديدات تُساهم في إثارة جو، قَبِلَ أو سيقبلُ فيه البعض بالعنف ضد سلطات إنفاذ القانون”.

وجاء ذلك تزامناً مع مقتل رجل مسّلح، هو ريكي شيفر، خلال مواجهات مع عناصر أمنية، الخميس، بعد محاولته اختراق مبنى لمكتب التحقيقات الفيدرالي في ولاية أوهايو. وذكرت تقارير إعلامية أنه يجري التحقيق في ما إذا كان شيفر ينتمي لليمين المتطرف الأميركي.

ويعرب متابعون عن اعتقادهم بأن وزير العدل الأميركي بإعلانه طلب الكشف عن المذكرة، قد رمى الكرة في ملعب ترامب الذي يؤكد من جهته أن عملية التفتيش غير مبررة ونُفذت لأسباب سياسية.

ويعتبر آخرون أن وزارة العدل لمست الاهتمام الشعبي بالقضية، وأن نسبة كبيرة من الأميركيين تؤيد المداهمة، وتعتبر أن نقل ترامب وثائق سرّية خاصة بالبيت الأبيض إلى منزله جريمة جنائية يستحق أن يحاكم عليها.

وأكد غارلاند في مؤتمره الصحافي، على “المصلحة الوطنية” التي يقتضيها نشر المذكرة، علماً أنه يجب في العادة الحفاظ على سرّية أي وثائق في تحقيق لا يزال جارياً. وتبدو الوزارة مدركة للفراغ الذي قد يخلقه صمتها، ما يفتح المجال أمام الهجمات عليها من ترامب وحلفائه، كما تحاول إبقاء التأييد الشعبي عموماً لتحرك “أف بي آي”.

وذكر الطلب من الوزارة، والمرسل إلى محكمة فيدرالية في فلوريدا، أن “مصلحة الرأي العام الواضحة والقوية في فهم ما حصل، تدفع لصالح خيار كشف السّرية”. وكان استطلاع رأي مشترك لموقع “بوليتيكو” وشركة “مورنينغ كونسالت”، نشرت نتائجه الخميس، قد أظهر أن 49 في المائة من المستطلعة آراؤهم يرون أن مداهمة مارآلاغو تؤكد وجود أدلة على ارتكاب ترامب جرماً، وأنهم يؤيدون التفتيش. واعتبر 39 في المائة منهم أن المداهمة هدفها الإضرار بمستقبل ترامب السياسي، فيما أكد 37 في المائة معارضتهم لما قام به “أف بي آي”.

يذكر أن عملاء “أف بي آي” تمكنوا، الإثنين، خلال المداهمة، من مصادرة 10 صناديق من مارآلاغو، فيما كان ترامب قد سلّم الأرشيف الوطني في وقت سابق 15 صندوقاً تحتوي وثائق وأشياء خاصة بالسجل الرئاسي.

وبدأ تحقيق الوزارة بسوء إدارة محتمل من قبل ترامب للوثائق السرّية، قبل أشهر، عندما سعى الأرشيف الوطني ودائرة السجلات إلى استرداد مواد نقلت من البيت الأبيض إلى مارآلاغو. وازدادت شكوك الأرشيف الوطني بعد قيام ترامب بإعادة 15 صندوقاً في وقت سابق، ما دفع الأرشيف إلى الطلب من وزارة العدل إجراء تحقيق.

وكان ترامب قد حضّ في السابق على ملاحقة منافسته في انتخابات 2016، وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، في قضية استخدامها بريدها الإلكتروني الشخصي لمراسلات الخارجية.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى