تتصاعد اليوم الحملة المركزة ضد المسار الدستوري واللجنة الدستورية، وبعد أن تم اختطاف الحل السياسي بمسارات أخرى سابقاً عبر تفاهمات دولية وإقليمية ، وإدخال القضية السورية في إطار خفض التصعيد الى تحويل القضية السورية إلى حرب على الإرهاب أنتجت احتلالات متعددة ، الى العمل لكسر المسار السياسي ومحاولة الالتفاف على القرارات الدولية التي حظيت بإجماع دولي نادر الحدوث عبر الفيتو المتكرر في مجلس الأمن الدولي .
ثم في ظل الصراع الحاصل للسيطرة على العالم او اقتسام السيطرة عليه ودخول الصراع في أوجه بعد الحرب الأوكرانية .. والتركيز الدولي على مفاعيل هذه الحرب وما قد تفرزه من نتائج ومخرجات .. وانتظار نتائج الحرب وانعكاساتها على الأزمات وبؤر التوتر العالمية .. وما يعني ذلك من إبقاء بؤر التوتر والصراع في العالم ، في حالة من التجميد أو ترك مساراتها تتفاعل الى حلول عابرة ومؤقته ، دون السماح بالوصول الى نهايات نهائية قبل استقرار التوازن الدولي على صيغة محددة للسيطرة على العالم وإدارته ..
ومن هنا ، فإن الملف السوري ليس بعيداً عن الصراعات والتجاذبات للقوى العالمية العظمى ، وما كان قبل الحرب الاوكرانية من تفاهمات بين روسيا وأمريكا والغرب قد اصبحت من الماضي .. رغم أن الطرف الروسي والايراني يحاول تثبيت مكاسبه وخاصة بالاقتراب من تركيا لنسج تفاهمات جديدة من أجل إرساء اتفاقات تفرضها كأمر واقع على الطرف الأمريكي والغربي .. لكنها تبقى تفاهمات مؤقته تنتظر ما تفرزه الحرب الأوكرانية من معطيات ستنعكس على ٱفاق الحل السياسي في سورية وبقية بؤر التوتر في العالم.
وعلى خلفية كل ذلك واستغلالا لهذا الظرف الدولي تتحرك الدولة الروسية ودبلوماسيتها بالعمل على تحويل المسار التفاوضي والمسار الدستوري من جنيف ووضعه في مسار استانة ، ونقله من عهدة الأمم المتحدة الى عهدة الدول الراعية في استانة وفرض التصور الروسي والإيراني مع السعي للتوافق مع التركي على ان يكون الاطار التفاوضي محكوما بصيغة حكومة وطنية ، وضمن دستور يعطي صيغة الحكم الذاتي الموسع للمحليات كما جاء في حيثيات الدستور الذي طرحته روسيا عام ٢٠١٥ ..
ومع تصاعد الدفع الروسي لإنهاء أعمال اللجنة الدستورية الحالية ، تتسابق العديد من قوى المعارضة الخارجية الى الهجوم على اللجنة الدستورية السورية مطالبة بانهائها وإدارة الظهر لها في موقف بحسن او بسوء نية يتطابق مع الموقف الروسي من حيث النتيجة في إطلاق الرصاصة الأخيرة على المسار الدولي للجنة الدستورية وإنهاء أعمالها .
وتتعالى الصيحات اليوم من قوى المعارضة الخارجية وجزئياً الداخلية على الطلب بمقاطعة اللجنة الدستورية ووضع حد لاستمرارها رغم عدم وجود الى الٱن مسار بديل يمكن العمل او التوافق عليه والقيام بالحشد المطلوب لقبوله من قبل الأمم المتحدة والأطراف الدولية النافذة ، حلا يكون فعلا طريقا لإخراج الحل السياسي من مأزقه ويفرض الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية وعلى رأسها القرار ٢٢٥٤ / ٢٠١٥ .
من الواقعي الإقرار أن المسار الدستوري عبر جولاته التسعة في جنيف لم ينتج الى اليوم مخرجات فعلية لهذا المسار ، إذ لا زال عملياً يراوح بالمكان بسبب عدم جدية المجتمع الدولي في إنجاز حل سياسي لسورية واشتغال الأطراف الدولية على تجميده وإطالة أمده لحين الوصول الى توافقات فيما بينها تضمن مصالح أطرافها ، بينما يستغل الطرف الروسي والحكومة السورية المعطيات الدولية في عرقلة الحل السياسي وأعمال اللجنة الدستوري ووضعها في حالة عطالة وتعطيل ، ومحاولة استثمار الزمن وامتداده وانشغال المجتمع الدولي في صراعاته وأولوياته في فرض معطيات سياسية جديدة كأمر واقع …
وفي المقابل فإن العديد من قوى المعارضة السورية بدلا من أن تتمسك بالمسار الدستوري وتدعمه باعتباره النافذة الوحيدة الٱن التي تحتضنها الأمم المتحدة على طريق التفاوض السياسي ، فإنها تسعى بمواقفها لتقويض هذا المسار وانهاؤه .
والسؤال الذي يطرح نفسه : ما البديل الواقعي والعملي للمسار الدستوري .. وما هي نتائج ومنعكسات التخلي عنه على القضية السورية ؟؟؟
وهل من المجدي اتخاذ موقف الرفض لمجرد الرفض بإعطاء الفرصة لروسيا ومن يلف لفها بجر التفاوض السوري من الإطار الأممي الى إطار أضيق في استانة ؟؟؟ وأيضا هل المطلوب أن يتخذ النظام السوري نتيجة طلب المعارضة بانهاء اللجنة الدستورية موقفا معلنا من أن المعارضة هي من ترفض العمل باللجنة الدستورية والالتزام بالتفاوض السياسي ؟؟؟
هناك من يقول وقوله حق بأن على المعارضة استنهاض الحراك السياسي السلمي من أجل تغيير المعادلة الدولية التي يستند إليها أي مفاوض ثوري …. وهذا قول صحيح لا جدال فيه .. وأيضا من الواجب العمل على وحدة المعارضة في الداخل والخارج لتحريك الحالة الشعبية وفرض حضورها بالمشهد السياسي … ولكن ضمن الظروف والمعطيات الحالية هل يمكن انجاز هذا الاستنهاض ؟؟ خاصة وان الكتلة الشعبية في الداخل بعد أن تهجر معظم الشباب فيها وهم دينامو أي حراك إضافة لأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وما خلفته الحرب السورية من دمار وقتل وتهجير ونزوح ثم الخوف من تكرار المأساة .. أليس من غير الواقعي الرهان على الداخل السوري الٱن في أن يتحرك على المدى المنظور .. أما في الخارج في دول الهجرة والمعاناة التي يعانيها شعبنا المهجر والضغوط التي يتعرض لها وتوهانه في تأمين حياته وعيشته .. ايضا ضمن الظروف المستحكمة بالمواطن السوري في بلاد المهجر كيف يمكن تجميعه وتحريكه في المدى المنظور في ظل قوى متعددة ومتناحرة موجودة بالخارج وفي ظل منظمات عسكرية لها أجنداتها وتستغل حاجة وفقر الكثيرين لتجنيدهم ..
في ظل ذلك .. ومع ظروف معقدة تثقل كاهل الشعب السوري .. وفي ظل حالة الضعف المتبادل بين النظام والمعارضة ، وضعف قوى المعارضة الداخلية والخارجية .. كيف يمكن الدفع بالحراك السلمي ؟؟؟ وإذا فعلا تم الدفع بالحراك السلمي بجهود استثنائية وجبارة .. كم من الوقت سيتطلب الإعداد والتحضير والدفع بهذا الحراك …
لا شك بأن على المعارضة ان تولي اهتماما كبيرا بتجديد حركتها وحراكها وارتباطها بالناس وأن تمتلك رؤية سياسية واضحة للتغيير .. وأيضا أليس من الحكمة والموقف السياسي الوازن أن نحافظ على خيار اللجنة الدستورية الموجود بين أيدينا وبالتوازي معها أن نعمل ونجتهد معا في أن يكون لدينا خيارا بديلا واقعيا ومأمون النتائج ومقبول من الجميع ومن الأطراف الدولية النافذة بالملف السوري ؟؟؟ ..
ثم لو توقفت اللجنة أو رفضت الاستمرار في مسارها التفاوضي ، هل ذلك سيؤدي الى ارتباك دولي مثلا .. وما وزن المعارضة كلها لإحداث ارتباكا دوليا .. هل ستتوافد الأطراف الدولية وعلى رأسها الامم المتحدة من أجل استرضاء المعارضة مثلا ..
الٱن هناك دول تريد من العملية السياسية أن تتوقف او ان ينحرف مسارها بتجاوز القرارات الدولية .. ودول تعمل على تأهيل النظام ، ودول تريد تعديل سلوكه لا أكثر .. وفي حالة الرفض للجنة الدستورية واستمرار أعمالها هل ستعجز الدول عن إيجاد بديل ، واعطاء الفرصة لجهات دولية واقليمية وداخلية لاستبدالها بلجنة أكثر اقترابا مع الرؤية الروسية والسورية .
اللجنة الدستورية النافذة الدولية الوحيدة الموجودة على طاولة الأمم المتحدة ، واستمرار الملف الدولي فيها وفي اجتماعاتها وفي إحاطات بدرسون الشهرية هو الباب الأممي المفتوح لاستمرار حضور القضية السورية .. في غياب شبه كامل لأي ضغط دولي ، وحتى غياب كافة المحطات العربية والاجنبية عن إثارة الوضع السوري إذ لم يعد هناك ذكر حتى بالأخبار عن الحالة السورية والوضع السوري ..
في العمل السياسي يفترض من يعمل بالسياسة أن يتجاوز الانفعال العاطفي والمواقف التي يكتنفها ردود الافعال .. وعند تقدير الموقف في اتجاه دون ٱخر، يجب الاستناد على الواقع والظروف التي تتحرك فيه وعلى الممكنات لتحقيق مايريد .. وإلا يكون السياسي يعمل في فراغ او يقفز في الهواء ..
هناك معادلات داخلية واقليمية ودولية تتحرك على الملف السوري ، هذه المعادلات تفعل فعلها بالملف السوري بعد ان تم تدويل الأزمة السورية ، وبالتالي فالعمل السياسي للمعارضة يفترض ان يتحرك بذكاء سياسي في استثمار اي نافذة قد تقود الى وقوف الامم المتحدة داعمة ، او تقود الى مدخل لحل سياسي تستفيد منه المعارضة وتراكم عليه مرحلة بعد أخرى الى أن تحقق استراتيجيتها في انجاز التغيير الذي لن يأتي بخط واحد ، وانما باستغلال الفرصة تلو الاخرى باتجاه التقدم نحو التغيير .. قد تنجح في أحد الاتجاهات وقد تفشل ، ولكنها تكون قد عملت جهدها في سبيل ذلك .. ولكن بدون أن تتخلى عن أي مسار إعتباطيا وقطعا بدون أن تتنازل عن رؤيتها وعن الخط الذي تعمل عليه .
المسالة بما يتعلق باللجنة الدستورية اليوم لم تعد تتعلق بنوعية تشكيل اللجنة وامكانياتها التفاوضية وانما بكيفية الحفاظ على استمرار التبني الدولي للحل السياسي دون اختطافه في مسارات ليست لها مرجعية دولية. وعلى الجادين ممن يرغبون بالتفكير الجدي بمسار جديد ان يتوقفوا عن العزف على دفن المسار الدستوري وإنهاؤه. وبالتوازي مع استمرار أعماله نعمل ونجتهد بكل إمكاناتنا من أجل التوجه بٱليات واضحة لمسار جديد في العمل السياسي أو في التفاوض السياسي.
ملاحظة:
ننشر المادة احترامًا للرأي الآخر، وحق كل إنسان في التعبير عن رؤيته. دون أن نوافقه في الكثير مما طرح عبر ثنايا المقال، إذ لايجوز مثلاً أن يُتهم كل من وقف معارضًا لأداء اللجنة الدستورية الصفري، بأنه يقف إلى جانب الخط والرؤيا الروسية. لأن هذا يندرج في سياق التخوين ليس إلا.
أنا لم أخون أحدا لا بشكل مباشر ولا بغير مباشر .. ما قلته ان من يدفع لدفن المسار الدستوري يتقاطع ومن حيث النتيجة مع الموقف الروسي .. وهذا لا يشكل ادانة لاحد .. وكثرا من المواقف السياسية تتقاطع بحسن نية مع غيرها وهذا لا يعني ان بينهما اتفاق .. أو يريدون ان يتم ما يرغبه التوجه الروسي .. ولكن دفن المسار الدستوري من حيث المٱل يخدم التوجه الروسي ليس أكثر ..
محمد علي صايغ