يعاني مزارعو مناطق سيطرة النظام السوري من فرض حكومته وسيلة جديدة للاستيلاء على قمحهم وهي الحصول على “موافقة أمنية” مسبقة كي يحصد المزارع محصوله. فضلاً عن ارتفاع أجور حصاد محاصيلهم من القمح، إذ ما زالت عمليات الحصاد مستمرة في بعض المحافظات السورية.
وعليه، فوجئ المزارع ياسين محمد عندما طلب منه أحد أصحاب الحصادات “موافقة أمنية” كي يحصد محصوله من القمح، ويقول لـ “العربي الجديد”: “رفض المالك حصد محصولي إلا بعد حيازتي موافقة أمنية تخولني حصاد قمحي”.
وحصل محمد، وهو مزارع من محافظة القنيطرة على “الموافقة الأمنية” من خلال الاتحاد العام للفلاحين بعد تقديم تعهد بتسليم كامل محصوله إلى مركز تسليم القنيطرة الحكومي. لكن المزارع الخمسيني استغرب تواجد عناصر أمنية وموظفين من اتحاد الفلاحين مع الحصادة، وقال لـ “العربي الجديد” “انتظروا انتهاء الحصاد وسلموني شيكاً بقيمة محصولي التي قدرت بـ 30 طنا من القمح على أمل صرفه في اليوم التالي”.
ورغم مرور أكثر من عشرة أيام على تسليمه الشيك، ما زال ياسين ينتظر حصوله على ثمن محصوله، ويخبر “العربي الجديد” أنَّ ما جناه من محصول القمح لهذا العام لا يغطي تكاليف زراعته من سماد ومازوت وحصاد في ظلّ ضعف الدعم الحكومي المقدم لقطاع الزراعة.
ويسعى النظام السوري إلى احتكار كامل محصول القمح من المزارعين وفقاً لسعر شراء حدده بـ 2000 ليرة لكل كيلو قمح يُسلم لمراكز التسليم التابعة له، وسط شكاوى المزارعين من تأخر تسليمهم ثمن أقماحهم ومن تضييق مسؤولي اتحاد الفلاحين التابع للنظام عليهم بوساطة عناصر أمنية.
ويواجه المئات من المزارعين في مناطق عدة من ريف دمشق والقنيطرة وغيرهما مصيراً مشابهاً لمحمد، في ظل فرض النظام “الموافقة الأمنية” والتلاعب بكميات القمح وجودته، وإن كان نخبا أول أو ثانيا، بحسب عدد من المزارعين الذين تحدثوا لـ”العربي الجديد”.
ويشتكي مزارعون ومنهم عبد الله جاويش من ريف دمشق، تأخر المصرف الزراعي في تسليمه مستحقات قمحه البالغة قيمتها 8 ملايين ليرة (الدولار = نحو 4150 ليرة). ويقول لـ “العربي الجديد”: “حتى اليوم لم أدفع أجور الحصاد بانتظار حصولي على مستحقاتي” مشيراً إلى أن تكلفة ثلاثة أيام من الحصاد تجاوزت المليون ليرة. وفي كل عام يحدث هذا التأخر في صرف مستحقات المزارعين دون تبريرات من الجهات المعنية، كما قال جاويش لـ”العربي الجديد”، مضيفاً: “نموت ألف ميتة إلى أن يعطونا جزءاً من حقنا”.
ويمنع أي مزارع من بيع محصوله إلى تجار القطاع الخاص الذين يدفعون سعراً جيداً للكيلوغرام الواحد من القمح يتراوح بين 3500 و4000 ليرة، كما يمنع نقل أيّ كمية من القمح مهما كانت قليلة من منطقة إلى أخرى، حسب جاويش.
وبلغت كميات القمح التي جرى تسويقها على مستوى المحافظات المنتجة للقمح حسب رئيس مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين محمد الخليف بحدود 495 ألف طن، واحتلت محافظة حلب المركز الأول بالتسويق بواقع 170 ألف طن.
يسعى النظام السوري إلى احتكار كامل محصول القمح من المزارعين وفقاً لسعر شراء حدده بـ 2000 ليرة لكل كيلو قمح يُسلم لمراكز التسليم التابعة له
وبينما توقع الخليف في تصريحات صحافية أن تصل الكميات المسوَّقة من القمح في كل المحافظات خلال الموسم الحالي لحدود 525 ألف طن بزيادة تتجاوز 150 ألف طن عن الموسم الماضي، سجلت سورية عام 2021 أقل نسبة لإنتاج القمح منذ 50 عاماً، حسب تقرير منظمة الفاو للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
وتقوم مديريات التجارة الداخلية التابعة للنظام بدوريات على مزارعي القمح المسجلة أسماؤهم في جداول لديها ممن تلقوا دعما في مادة المازوت والأسمدة لمطالبتهم بالكميات المحصودة من حقولهم، كما قال المهندس الزراعي سائر بيضون لـ “العربي الجديد”.
وأوضح بيضون أنّ هناك غرامات تُفرض على من يمتنع عن تسليم محصوله، فضلاً عن حرمانه من تقديم الدعم له في موسم العام القادم.
وفي وقت سابق توقع وزير الزراعة حسان قطنا، إنتاج بلاده للعام الحالي بـ”5 ملايين طن من الحبوب، تغطي نسبة لا بأس بها من الاحتياج الغذائي”. لكنه قال بعد بداية موسم الحصاد: “الإنتاج جاء أقل من المتوقع بسبب الظروف المناخية الاستثنائية”.
وتشير الأرقام المتداولة إلى أنَّ مناطق النظام تحتاج إلى مليوني طن من القمح سنوياً لتأمين احتياجاتها من الخبز، تؤمن قسماً منه من إنتاجها المحلي، والآخر عبر الاستيراد من روسيا. ويعاني 12.4 مليون سوري، أو ما يقرب من 70 بالمائة من سكان البلاد، من انعدام الأمن الغذائي، حسب برنامج الأغذية العالمي (WFP).
المصدر: العربي الجديد