تقارير
اعتبرها “فرصة ذهبية” للإصلاح والديمقراطية و”إلا الدعاء والبكاء على نهاية العراق التي باتت قريبة”. دعا زعيم التيار الصدري في العراق اليوم الأحد إلى توسيع التظاهرات ومواصلتها وإلى دعم واسع للمحتجين المعتصمين في أروقة البرلمان العراقي، بدون أن يظهر أي مؤشر الى التراجع في ظلّ تصاعد الأزمة السياسية.
وفي بيان نشره رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر على حسابه بتويتر، قال إن “الثورة العفوية السلمية التي حررت المنطقة الخضراء كمرحلة أولى لهي فرصة ذهبية لكل من اكتوى من الشعب بنار الظلم والإرهاب والفساد والاحتلال والتبعية”، مؤكداً أن هذه “فرصة عظيمة لتغيير جذري للنظام السياسي والدستور والانتخابات”.
ونصب أنصار الصدر خياماً واستعدوا للدخول في اعتصام مفتوح في البرلمان العراقي اليوم الأحد في خطوة قد تطيل أمد الجمود السياسي أو تدفع البلاد إلى أعمال عنف جديدة.
وحذر الصدر من “أن لا تتكرر مأساة تفويت الفرصة الذهبية الأولى في عام 2016”.
ووجه في بيانه الدعوة إلى “أبناء الشعب العراقي الأبي الحر المحب للإصلاح والديمقراطية”، قائلا “إنكم مسؤولون وكلكم على المحك، إما عراق شامخ بين الأمم وإما عراق تبعي يتحكم فيه الفاسدون”، محذرا “حينها ليس إمامي إلا الدعاء والبكاء على نهاية العراق التي باتت قريبة”، داعيا الشعب إلى طلب الإصلاح “تحت لواء العراق وقرار الشعب وإن أدعي البعض أن الثورة الحالية صدرية”، مؤكدا على عدم تفويت الفرصة لإنقاذ الوطن.
خيم ومواكب… أناشيد وطعام
خيمٌ ومواكب عاشورائية وطعام في البرلمان العراقي: هكذا أطلق مناصرو التيار الصدري مراسم اليوم الأول من محرم في أروقة المجلس الواقع داخل المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، غداة بدء اعتصامهم المفتوح فيه السبت 30 يوليو (تموز)، وللمرة الثانية خلال أقلّ من أسبوع، اقتحم الآلاف من مناصري رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر البرلمان، منددين باسم مرشّح الأحزاب الموالية لإيران
وقالت وزارة الصحة العراقية اليوم الأحد، بحسب وكالة الأنباء العراقية (واع) إن “عدد الحالات المتبقية في مؤسسات الوزارة من جرحى التظاهرات بلغت 6 حالات”، بعد أن غادر أغلب جرحى التظاهرات من مؤسسات الوزارة المستمرة بتقديم خدماتها المعتادة للمواطنين.
وكان رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، قد أعلن تعطيل الدوام الرسمي في المؤسسات الرسمية كافة، اليوم الأحد، باستثناء المؤسسات الأمنية، وأن تكون نسبة دوام الدوائر الخدميّة والصحيّة 50 بالمئة.
وفي تصريحات نقلتها وسائل إعلام عن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية اللواء يحيى رسول، اليوم الأحد، أكد أن الأمن العراقي بدأ بفتح الطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء، مشددا على أن القوات العراقية قادرة وجاهزة لحماية أمن البعثات الدبلوماسية.
وأضاف أن القطاعات الأمنية العراقية تنسق بفعالية عالية بين أجهزتها المختلفة وأن العاصمة بغداد تشهد استقرارا أمنيا.
توزيع الحساء
وصباح الأحد، كان متطوعون يقومون بتوزيع الحساء والبيض المسلوق والخبز والمياه على المعتصمين الذين قضوا ليلتهم الأولى في البرلمان، وفي حديقة البرلمان، جلس البعض على حصائر تحت شجر النخيل بينما نام آخرون على فرش وأغطية وضعت على أرض المجلس.
اقتحام مبنى البرلمان
واقتحم متظاهرون مناصرون للتيار الصدري، السبت 30 يوليو، مبنى البرلمان العراقي داخل المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد، للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، احتجاجاً على مرشح خصوم الصدر السياسيين لرئاسة الوزراء، معلنين اعتصاماً مفتوحاً داخله، ودخل مئات من المتظاهرين البرلمان وقاعته الرئيسة رافعين الأعلام العراقية وصور السيد مقتدى الصدر، وهذه المرة الثانية، خلال أيام، يدخل مناصرو الصدر البرلمان العراقي بعد أن اقتحموا المبنى، الأربعاء، ورفعوا إشارة النصر والتقطوا الصور.
ومع هذه التطورات، يبدو أن الأزمة السياسية في العراق تزداد تعقيداً، فبعد 10 أشهر على الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، تشهد البلاد شللاً سياسياً تاماً في ظل العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، ووسط هذا المأزق السياسي، يشن رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر حملة ضغط على خصومه السياسيين رافضاً مرشحهم لرئاسة الحكومة، وأعلن التيار الصدري أن المتظاهرين الذين اقتحموا مبنى البرلمان باشروا “اعتصاماً مفتوحاً” داخله.
تعليق جلسات مجلس النواب
وأعلن رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، في بيان، السبت، “تعليق عقد جلسات مجلس النواب حتى إشعار آخر”، داعياً “القائد العام للقوات المسلحة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المؤسسات، وحماية المتظاهرين، الذين دعوهم إلى الحفاظ على سلميتهم وحفظ ممتلكات الدولة”.
وصباح السبت، تجمع آلاف من المتظاهرين المناصرين للصدر على جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم مقرات حكومية وسفارات أجنبية، وتمكن مئات منهم من تجاوز الحواجز الإسمنتية على الجسر والدخول إليها، وقال المتظاهر حيدر اللامي لوكالة الصحافة الفرنسية، “خرجنا ثورة للإصلاح، ونصرة للسيد القائد مقتدى الصدر، لن نبقي على الفاسد، والمجرَّب لا يجرب. هؤلاء لا ينفعون بشيء، لقد تسببوا لنا بالأذى منذ عام 2003، ولم نرَ منهم نتيجة، سرقونا”.
الغاز المسيل للدموع
وأطلقت القوات الأمنية العراقية الغاز المسيل للدموع والمياه في محاولة لتفريق المتظاهرين وردعهم، وكان بعض المتظاهرين يحملون أشخاصاً مصابين بإصابات طفيفة، وأفادت وزارة الصحة العراقية، في بيان، بأن مؤسسات وزارة الصحة استقبلت 125 جريحاً، 100 منهم مدنيون و25 من رجال الأمن.
“تهدئة الوضع”
ودعا متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأطراف إلى “تهدئة الوضع”، وقال، في بيان، إن “الأمين العام يحض جميع الأطراف وجميع الفاعلين على تجاوز خلافاتهم وتشكيل حكومة وطنية فاعلة، من خلال حوار سلمي وشامل، من دون مزيد من التأخير”.
وجدد المتظاهرون رفضهم اسم محمد شياع السوداني الذي رشحه الخصوم السياسيون للصدر لمنصب رئيس الوزراء في “الإطار التنسيقي” الذي يضم كتلاً شيعية أبرزها “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة “الفتح” الممثلة لفصائل “الحشد الشعبي” الموالي لإيران.
ومن حديقة البرلمان، قال ستار العلياوي، البالغ 47 عاماً، إنه يتظاهر ضد “الحكومة الفاسدة والفاشلة” التي سيشكلها خصوم الصدر، مضيفاً، “لا نريد السوداني، الأحزاب مرفوضة، الأحزاب التي حكمت البلد 18 عاماً، سنقيم اعتصاماً هنا تحت قبة البرلمان، سننام في البرلمان”.
ويذكّر الصدر خصومه باستمرار بأنه لا يزال يحظى بقاعدة شعبية واسعة ومؤثراً في سياسة البلاد على الرغم من أن تياره لم يعد ممثلاً في البرلمان، وفي حين يمارس الضغط الشعبي على خصومه، ترك الصدر لهم مهمة تأليف الحكومة، بعد أن استقال نواب التيار الصدري الـ73 في يونيو (حزيران) الماضي من البرلمان، بعدما كانوا يشغلون ككتلة، أكبر عدد من المقاعد فيه.
التظاهر السلمي
في الأثناء، أعرب “الإطار التنسيقي” في بيان السبت عن “القلق البالغ” من الأحداث الأخيرة، “خصوصاً التجاوز على المؤسسات الدستورية واقتحام مجلس النواب”، ودعا “جماهير الشعب العراقي المؤمنة بالقانون والدستور والشرعية الدستورية إلى التظاهر السلمي دفاعاً عن الدولة وشرعيتها”.
وعلى إثر تسارع الأحداث، دعا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في بيان موجه إلى “القوات الأمنية”، إلى “حماية المتظاهرين، والمتظاهرين إلى التزام السلمية في حراكهم”، وقال الكاظمي، في كلمة عبر التلفزيون، “لا بد أن تجلس الكتل السياسية وتتحاور وتتفاهم من أجل العراق والعراقيين ويجب الابتعاد عن لغة التخوين والإقصاء، أدعو الجميع إلى التحلي بالهدوء والصبر والعقلانية وعدم الانجرار إلى التصادم، وأدعو المواطنين إلى عدم الاصطدام مع القوى الأمنية واحترام مؤسسات الدولة”.
قلق أممي
من جانبها، كتبت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “أن التصعيد المستمر مقلق للغاية، لذا أصوات العقل والحكمة ضرورية لمنع مزيد من العنف. وعليه، نشجع الأطراف كافة على خفض التصعيد من أجل مصلحة جميع العراقيين”.
بدوره، قال هادي العامري الذي يقود إحدى فصائل “الحشد الشعبي” الموالية لإيران مناشداً التيار الصدري و”الإطار التنسيقي”، “أدعوكم جميعاً إلى اعتماد نهج التهدئة وضبط النفس والتأني، وترجيح أسلوب الحوار والتفاهم البناء من أجل تجاوز الخلافات”.
وترقباً لتظاهرات السبت، شدّدت السلطات الإجراءات الأمنية، وأقامت حواجز أسمنتية على الطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء.
وأعلن “الإطار التنسيقي”، الخميس، تشكيله فريقاً تفاوضياً “للتباحث مع جميع القوى السياسية بخصوص تشكيل الحكومة وإكمال الاستحقاقات الدستورية”، وفق بيان.
وليل الجمعة، قام مؤيدون للصدر بمهاجمة مكاتب محلية في بغداد تابعة لحزب “الدعوة” الذي يتزعمه نوري المالكي، ومكاتب لتيار “الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، المنضوي في “الإطار التنسيقي”، كما أفاد مصدر أمني، وقال زعيم تيار “الحكمة” في مقابلة مع “بي بي سي عربي”، الخميس، “كنا نتمنى أن ينتظروا تشكيل الحكومة ومن ثم يقيِّمون أداءها إن كان جيداً فليعطوها فرصة وإن كان أداؤها شيئاً آخر، ليعترضوا عليها”.
ويبدو العراق عاجزاً عن الخروج من الأزمة السياسية إذ لم تفضِ إلى نتيجة المحاولات والمفاوضات للتوافق وتسمية رئيس للوزراء بين الأطراف الشيعية المهيمنة على المشهد السياسي منذ عام 2003، وغالبا ما يكون المسار السياسي معقداً وطويلاً في العراق، بسبب الانقسامات الحادة والأزمات المتعددة وتأثير مجموعات مسلحة نافذة.
المصدر: اندبندنت عربية