روسيا والأسد

ميشيل كيلو

لا يعلم أحد علم اليقين ما إذا كان الروس قد قرّروا حقاً التخلّي عن بشار الأسد، ربيبهم الذي قالوا، بلسان رئيسهم، إنهم يغزون سورية لإنقاذه والمحافظة على مؤسسات دولته، كأن هذه ليست من فرضه رئيساً، أو ليست من قتل وقصف وذبح وعذّب وأحرق ودمّر وهجّر، أو كأن علينا، نحن السوريين، أن نكون ممتنين لرئيس روسيا، بوتين، إن “سرّح” بشار وأبقى عليها، لتستمر في قمعنا وقتلنا، وفبركة بديل لبشار لن يكون خيراً منه، كما فبركوه هو رئيساً خلال دقائق في مجلس القطيع الذي يسمونه زوراً وبهتاناً “مجلس الشعب”.

شخصياً، لو خيّرت بين التخلي عن بشار أو عن مؤسسات دولته، لاخترته مقابل التخلي عنها، لأنه سيكون مجرّد تافه من قشّ، وسيطرده أول عابر طريق من القصر، بينما مؤسسات دولته العميقة من جيش ومخابرات هي أصل البلاء، وما نسميه النظام، فإن بقيت كان معنى ذلك أننا هزمنا، وأنها ستواصل اقتلاع مجتمعنا من جذوره، لأنه العدو الذي في قضائها عليه ضمان سيطرتها، كما في قضائه عليها شرط بلوغ حقوقه وحريته، وما طالب به من عدالة ومساواة وكرامة إنسانية. إذا لم ترحّل مؤسسات الدولة الأسدية العميقة، وطرد بوتين بشار مقابل بقائها، فإننا نخرج مهزومين من الحل الذي يشاع أن العالم بدأ يفكر به.

هل هذه هي الصفقة؟ ربما. لا أحد يعرف بالضبط حقيقة موقف موسكو، وما يقال مجرّد شائعات ينشرها عادة من يطبخ طبخةً يعلم أن بلعها صعبٌ على من ستقدّم لهم، وأن تشويقهم بروائحها يساعده على إغرائهم بازدرادها، وإيهامهم بأنها ستكون شهية، وتتفق مع رغبتهم في ما يودّون تناوله، بعد أن كاد يقتلهم الجوع! وثمّة ملاحظتان تفرضان نفسيهما هنا:

أولاهما أن مسودة الدستور التي قدّمها الروس للمعارضة تتحدّث عن نظام غير مركز مغاير للنظام الأسدي، فهو اتحادي بجمعيتين تمثيليتين وحكومة برلمانية وانتخابات حرّة، وبرئاسة تتمتّع بعدد من صلاحيات الأسد الراهنة، في ما يتصل بالجيش والأمن، وتعيين كبار موظفي الدولة، فالرئيس في دستور موسكو طرفٌ مقابلٌ في توازن النظام الجديد، ومن صلاحياته المحافظة على مؤسسات دولته، مقابل إدارة الفرع المدني من النظام شؤونه، من دون أن تكون له سلطة على جيش ومخابرات، مجسّدة الدولة الأسدية.

ثانيتهما: أن سياسة موسكو الخارجية تلزمها برفض أي تغيير، مهما كان إصلاحياً بواسطة ثورة، مسلحة أو تستخدم وسائل غير دستورية. وبتأييد الإصلاح إن تم بوسائل سلمية، ولم يهدّد النظام الشرعي القائم. السؤال الآن، وقد شارفت “الثورة” المسلحة على نهايتها، هل يفكر بوتين في أن مرابطة جيشه في سورية ستكون مقبولة شعبياً، إن وافق على إصلاحٍ يعلم أن بشار يرفض المعارضة طرفاً آخر فيه، لذلك يفكر بالتخلي عنه، وسط شائعاتٍ عن صفقةٍ تحافظ دولياً على النظام، أي مؤسسات الدولة الأسدية في مقابل التخلي عمّن تصفه بالضعيف والفاسد؟

أثارت التسريبات الروسية غباراً كثيراً حول من أنقذته قبل نيف وأربعة أعوام، وبعثت التفاؤل بقرب تحقيق الهدف الذي ربط الشعب مصير ثورته به، أعني إسقاط بشار، علماً أن من المحتمل أن يكون الغرض من إثارة الغبار هو الحؤول بين السوريين ورؤية ما تخطط موسكو له على حقيقته. ولا يُنسى أن الروس أساتذة في مجال التضليل والكذب، ويحتمل جداً أنهم يطرحون الصفقة ليكون قبول السوريين بها ورقة ضغط في أيديهم على من سيدخلون بازار الحل في واشنطن وإسطنبول وتل أبيب وطهران، وإلا بلبلة الأجواء، كما يفعل التجّار الحاذقون قبل عقد صفقة رابحة، يقرّرون خلالها ثمن الخروف الذي سيضحّى به فيها، ويأمل ملايين السوريين أن يكون اسمه بشار الأسد ودولته.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى