لم تتوقف مطلقًا الانتهاكات الإيرانية وميليشياتها المتواجدة في الساحة السورية، عن القيام بكل ما ينافي قيم الإنسانية والأديان جميعًا، كما لم يغب عنها أي نوع من أنواع الانتهاك لكل الأعراف والقوانين الدولية، التي يأبى كل محتل عن الإتيان بها، خلا هذا المحتل الإيراني الذي جاء إلى سورية، ليس من أجل إعادة قيامة هذا النظام الأسدي فحسب، بل من أجل إنفاذ المشروع الاستيطاني الاحتلالي الفارسي الطائفي، الذي يقوم كما يقوم المشروع الصهيوني في المنطقة العربية على تغيير الديمغرافيا وإحلال سكان بدلًا من السكان الأصليين، وهو مايتنافى مع كل المعاهدات والاتفاقات الدولية، ومع القانون الدولي الإنساني، الذي وكاته أقدام الميليشيا الإيرانية بكل عنجهية وصلف وحقد، فطالت بانتهاكاتها الأطفال والنساء والأعراض، وحتى مراكز العبادة التي تدعي زورًا وبهتانًا أنها جاءت للحفاظ عليها، كان آخرها مافعلته في حلب عبر حرق جامع أبو بكر الصديق/ رضي الله عنه، بدعوى أن أهل الحي من المسلمين لم يسمحوا بإقامة الشعائر الطائفية الشيعية فيه، وأن السكان في حلب قد منعوا الإيرانيين من دخول المسجد. فما كان من شبيحة إيران في حلب إلا وأن تسللوا خفية وقاموا بحرق المسجد وهو مسجدًا تاريخيًا يعود إلى بدايات نشوء الدولة العثمانية.
والواقع فقد تم البدء بتطوير الميليشيات الإيرانية في سورية أواخر 2011، عندما عملت الاستخبارات التابعة للأسد مع قيادات إيرانية على تشجيع السكان المحليين على تشكيل جماعات ذات اصطفافات طائفية إلى حد كبير، والتي عرفت في ـما سمي “اللجان الشعبية”.
وقيل أن “لواء أبو الفضل العباس” كان أول شبكة ميليشيات شيعية إيرانية صرفة وكبيرة في سورية، ثم أصبح في وقت لاحق المسؤول عن تجنيد الشيعة الأجانب. ففي عام 2012، بدأت الفصائل العديدة التابعة لـ “لواء أبو الفضل العباس” بالانشقاق، وتشكيل ميليشيات جديدة وبأسماء جديدة أيضًا كلها تتبع إيران وليس النظام السوري.
لقد فعلت هذه الميليشيات الإيرانية ومن يتبعها في سورية مالم تفعله إسرائيل العدوة المحتلة للجولان وفلسطين، وارتكبت هذه الميليشيات الكثير من المجازر ضد أهل سورية، وكان يحدث ذلك تباعًا منذ بدايات دخولها الاحتلالي إلى سورية مع بداية انطلاق ثورة الحرية والكرامة، ثورة السوريين من أجل كرامتهم المهدورة على قارعة الطريق، أي منذ بدايات الثورة السورية السلمية، لقد اتبعت الميليشيات الإيرانية سياسات اعتمدت فيها على اقتحام القرى والمدن التي ثارت، وخاصة مع مطلع عام 2012، حيث أضحت حالات القتل الممنهج تأخذ أبعادًا متنوعة وأكثر رعباً، وباتت المجازر الجماعية هي السمة الأكثر وجودًا في المناطق التي اقتحمتها، وخاصة التي حدثت بالسلاح الأبيض؛ كما جرى في مجزرة دير بعلبة، وكرم الزيتون، والحولة، وبابا عمرو، وكذلك في داريا ومنطقة الجديدة، وأريحا، والمسطومة، في إدلب، ناهيك عما حصل في البيضا التابعة لمنطقة بانياس، وأيضًا في القصور والجورة في دير الزور، وفي منطقة النبك بريف دمشق، يضاف إليها العشرات من المجازر في معظم المناطق في سورية.
لقد كانت تلك المجازر مرتبطة في معظم الأحيان بوجود عناصر ومجموعات إيرانية طائفية كان لها الجزء الأكبر من عمليات الذبح والتنكيل بشهادات موثقة من معظم الناجين منها؛ إذ أشاروا إلى سماعهم جملًا بلغة فارسية؛ بالإضافة إلى ترك كتابات على أجساد الضحايا حملت بعض الشعارات والرموز الطائفية الإيرانية كان قد خلّفها المجرمون ليس على أجساد الضحايا فقط، بل على الجدران أيضًا.
ويُعرف أن من أدوات إيران الأساسية في سورية كانت ومازالت ميليشيا “حزب الله” اللبناني الأكثر تعبيرًا عن نهج ولاية الفقيه والتابعية له، وهو الذي قام باحتلال مدينة القصير بريف حمص منتصف 2013، وارتكب فيها المجازر تلو المجازر، ثم تابع ارتكاباته مع الميليسشيا الإيرانية ليقوم بمجزرة مدينة النبك بريف دمشق الشمالي في نهاية العام 2013، حيث ذهب ضحيتها ما ينوف عن 250 مدنياً، ماتوا ذبحاً وحرقاً، في معظمهم من النساء والأطفال؛ وكانت بيد آثمة من عناصر كل من ميليشيا لواء (ذو الفقار) العراقي التابع لإيران، وأيضًا ميليشيا حزب الله اللبناني بقيادة المجرم حسن نصر الله.
ولن ينسى أهالي حلب ومافعله بهم المجرم قاسم سليماني مع دخوله إلى حلب، حيث ظهر هناك ليقود مايسمى “فيلق القدس”، وهو الجناح العسكري (خارج إيران) للحرس الثوري الإيراني، ففي معارك حلب ومن ثم ماجاء بعدها أي بعد سيطرة واحتلال قوات النظام والميليشيات الإيرانية للمدينة، حيث قاموا بتدمير للبنية التحتية للأحياء الثائرة، خلال وإبان انسحاب فصائل المعارضة منها عام 2016.
وتجدر الإشارة إلى أن الانتشار الكبير والمكثف للميليشيا الإيرانية في الجغرافيا السورية ومنها مليشيا لبنانية وسورية وعراقية وأفغانية وباكستانية، كان في الجنوب السوري وبالقرب من حدود الأردن، حيث تشتكي الحكومة الأردنية دائمًا من تعديات هذه الميليسشيا على الحدود الأردنية عبر تهريب المخدرات والسلاح، كما تنتشر هذه الميليشيا في منطقة السيدة زينب بدمشق وحمص وريفها، وفي دير الزور، وأيضًا بريف حلب الجنوبي وريف حماة الشرقي.
وقد أصبحت مدينة البوكمال مؤخراً من أكبر مراكز الميليشيا الإيرانية داخل سورية، حسب تقارير موثقة، وومن جملة ماتقوم به الميليشيا الإيرانية من انتهاكات في البوكمال وفي العديد من المناطق السورية هو سياسة التشييع وتجنيد الشبان والأطفال في الميليشيات الإيرانية، الذين يتم تشجيعهم على الانضمام إليها تهربًا من الخدمة في جيش النظام السوري، إضافة إلى الرواتب العالية قياسًا بما يتقاضاه الفرد في قوات النظام، حيث يتجاوز راتب الفرد في ميليشيا إيران من السوريين نحو 200 دولار شهرياً وهو رقم كبير نسبيًا إذا ماقيس بأوضاع السوريين في الداخل، وتحت هيمنة النظام السوري.
إيران وميليشياتها اعتمدت على سياسة الفعل وردات الفعل، وراحت تتكيء إلى ذرائع شتى في تنفيذ مجازرها وانتهاكاتها ضد السوريين، فتحت دعوى وذريعة أن المعارضة قد قامت بقتل بعض الشبيحة في مدينة عدرا العمالية، حيث دخلت قوات وفصائل معارضة سورية إلى المدينة العمالية قبل أسابيع قليلة من نهاية العام 2013، أي صباح الأربعاء الحادي عشر من كانون الأول /ديسمبر، فقد قامت ميليشيا إيران بقصف المدينة على رؤوس المدنيين موقعة العشرات من القتلى كلهم من المدنيين السورين، ثم قامت باعتقال الآلاف منهم عندما سُمح لهم بالخروج بعد حصار للمدينة العمالية دام أشهرًا. وقتلت من قتلت من الشبان المعتقلين وسلمت الباقي لقوات المخابرات الجوية للنظام السوري.
وقد سبق ذلك أن قامت قوات الميليشيا الإيرانية في شهر تشرين الثاني /نوفمبر 2013، بعمليات عسكرية في منطقة القلمون، بمساندة ميليشيات عراقية طائفية وميليشيا حزب الله اللبناني، حيث سيطرت على بلدة قارة وإغلاق الطريق القادم من ريفها واعتقال وقتل المعارضين لها.
ومن جملة مافعلته إيران في سورية من انتهاكات إرهابية يندى لها جبين الإنسانية أن حولت مناطق تمركز الشيعة في سورية إلى منصات إطلاق صواريخ لقصف المدن والبلدات المحيطة بها، كما تعد هذه المناطق الخزان الأكبر من المؤيدين الذين انخرطوا بمليشيات (الدفاع الوطني) المدافعة عن النظام وهو ماحصل في نبل والزهراء في ريف حلب، لتحدث شرخًا إنسانيًا ووطنيًا بين أهالي سورية، بين مؤيد لإيران والنظام، ومؤيد لثورة السوريين. يقول نشطاء سوريون إن “إيران بدأت تولي (نبّل) اهتمامًا خاصًا مع بداية الألفية الجديدة من خلال بناء “حسينيات”، لتكون مراكز لنشر التشيّع في محيطها السني، كما أوفدت عددًا من شبانها للدراسة في جامعات إيرانية.”
علاوة على مافعلته إيران في منطقة السيدة زينب بريف دمشق عبر تحويلها إلى مستعمرة إيرانية يصعب على السوريين دخولها بدعوى حماية المقام. وبلدة السيدة زينب -التي تعد الآن مركز الثقل الإيراني في سورية- تقع جنوب دمشق بنحو 15 كيلومترًا، وتضم مقامًا يُقال إنه لابنة الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد بقي قرونًا كثيرة يرتاده المسلمون السنة والشيعة، قبل أن يضع النظام الإيراني يده عليه، وعلى مقامات أخرى في سورية بدءً من عام 1979 بتسهيل من النظام السوري، لتتحول إلى مزارات “سياسية” للشيعة من كل دول العالم.
ولاننسى هنا مافعلته إيران بمسجد (النقطة) في حلب، وكذلك بأحد مساجد مدينة عدرا البلد عبر تحويله إلى مقام وحسينية تابعة لإيران وهو مايستفز السكان السوريين.
والحقيقة فإن هذا الذي تحدثنا عنه هو غيض من فيض مما فعلته وتفعله إيران دولة الملالي ومليشياتها في سورية بعد أن أصبح النظام السوري بلا سيادة وطنية وغدا العوبة حقيقية في يد الإيرانيين ومشروعهم، والروس ومصالحهم على حد سواء.
المصدر: وكالة ثقة