زار بشار الأسد مدينة حلب الأكبر تدميراً في الحرب السورية؛ والأكثر من حيث عدد الشهداء والمغيبين قسرياً كما ذكرت تقارير الأمم المتحدة. جاءت الزيارة بعد ست سنوات من سيطرة النظام والروس على مدينة حلب وتهجير أهلها.
كان يعتقد الكثيرون أن التفاهمات الروسية التركية بقيت طوال تلك السنوات على المدينة غير محسومة وعالقة، وقد طُرح قبلاً تحييدُها من الأجهزة الأمنية العسكرية للنظام ومن القوى العسكرية للمعارضة وأن يبقى فيها أهلها وأعداد من النازحين بإدارة مدنية وشرطية، وطُرحت أمور لتنظيم عمل المدينة، لكن كل تلك الجهود باءت بالفشل.
تبعها انسحاب قوى المعارضة من قسم واسع من الريف الغربي للمدينة حيث كانت قوى المعارضة على تخوم المدينة في حي الراشدين، وهذا يعني أنه من الممكن بأي لحظة أن يخسر النظام المدينة أو جزءاً منها؛ فلم يعتبر النظام أنه سيطر على المدينة إلا بعد سيطرته على حي الراشدين وما بعدها، أي إبعاد القوى العسكرية عن طرف المدينة الغربي.
بدأت بعدها الجمعيات الخيرية الشيشانية بترميم قسم من الجامع الأموي في حلب وجزء من الأسواق القديمة التي أُحرقت ودمِّرت، وبقيت ما يُصطلح عليه حلب الشرقية على الأنقاض دون أي مساس من الإصلاح على الإطلاق، وتوسع النفوذ الإيراني عَبْر حزب الله تحديداً الفرع السوري والنفوذ الروسي عَبْر لواء القدس وغيره وكانت لهم اليد الطولى.
أول صورة بعد تهجير أهالي حلب كانت لقاسم سليماني الهالك يتجول حول القلعة، وكان هذا نهاية 2016 ، وجرى وقتها عدة اجتماعات في مجلس الأمن في كانون الأول وكان هناك مشاريع إدانة للهجوم الروسي وحرق المدينة، وعُقد اجتماع وزيرَي الخارجية الروسي والأمريكي في 2 كانون الأول ثم كانت جلسة مجلس الأمن بتاريخ 5 كانون الأول 2016 رقم الجلسة 7825 وكان مشروع قرار وقف فوري للأعمال القتالية بحلب، والفيتو الروسي الرافض كان حاضراً إلى اليوم مع تكرر مسألة دخول المساعدات الإنسانية وقد بلغ سبعة عشر فيتو روسيّاً حول سورية!!!
وبعد اجتياح حلب وحرقها وتهجير أهلها جاءت جلسة 13 كانون الأول وتبجّح الروس أن حلب ليس فيها معارضةٌ وإنما إرهابيون…!!
علماً أن حلب أول مَن واجه تنظيم “داعش” وأخرجه من المدينة، وذكر يومها بتلك الجلسة الأمين العامّ للأمم المتحدة أن مجلس الأمن أخفق في اتخاذ ثلاثة مشاريع لقرارات تُوقف فيها العمل العدواني وتُحقق هدنة في المدينة.
بعد تهجير أبناء مدينة حلب وخسارتها، تحول المسار السياسي والعسكري وحتى التفاوضي بتغير لأشكال أخرى بعد خسارة حلب، فكان ما بعد حلب ليس كما قبلها، فتوقف الدعم الدولي للمعارضة في مطلع 2017 ثم كان مسار خفض التصعيد أستانا فلم تَعُد تحظى المعارضة بدعم دولي كالسابق، ثم مسار اللجنة الدستورية كنقاش على مسائل دستورية ليس فيها نتائج ملزمة والهدن، وتحولت القضية إلى حالة التهادن والنقاشات فقط، وأُوقفت العمليات العسكرية الهجومية إلا ما كان تجاه “داعش” أو pyd.
ودخل العمل العسكري حيِّز خفض التصعيد ثم تبعها خسارة بريف إدلب الجنوبي وتجاوز نقاط المراقبة التركية.
لماذا حلب قلبت الموازين؟ يوجد في حلب ستة ملايين إنسان، ووفق لجنة الموازنة في مجلس الشعب فإن حلب هي مصدر 62% من الدخل القومي السوري؛ فهي المدينة الأكبر بالنسبة لعدد السكان والأكبر في المساهمة الاقتصادية، وهي المدينة المعاقَبة منذ 1980 على يد حافظ الأسد حين أباح للفرقة الثالثة دخول حلب واستباحتها، والمخطط التنظيمي في حلب متوقف وتحولت للعشوائيات تلك المدينة التي كانت رائدة النهضة، والمعاهد الدولية شبهت مدينة وارسو في الحرب العالمية بحلب اليوم وأيضاً تدمير ماريبول الأوكرانية كما ذكر وزير الخارجية السعودي وقال لدينا حلب.
وبعد هذا النفق المليء بالنكبات والآلام جاء الأسد بغطرسته المعهودة، لزيارة حلب وكانت الزيارة لافتتاح المحطة الحرارية التي قامت بصيانتها شركة إيرانية ثم الصلاة في مسجد ابن عباس بجانب الأمن العسكري في حلب أي عملياً في الأمن العسكري، وهي رسالة داخلية جزء منها لنفسه وغطرسته وهو أنه ما زال الرئيس وأنه انتصر وهو الذي كان يدمر حلب بالبراميل ويقول لهم حلب في عيوني!
واليوم هناك احتمال عمل عسكري تركي مع قوى المعارضة العسكرية على شمال حلب.
ورئيس أركان جيش النظام يقوم بنفس التوقيت بجولة ليتفقد منظومات البانتسير والاس 200 كمنظومة دفاع جوي في كويرس بريف حلب، علماً أننا نعلم أن قرار العمل العسكري لدى النظام بيد الروس وليس بيد النظام.
وأعتقد أن هناك جولات عسكرية وسياسية كثيرة، ولن يستتبّ أمر في سورية دون حلّ منطقي يتحقق فيه التغيير السياسي سواء طال الزمن أو قصر.
المصدر: نداء يوست