تعني “الرابطة غير القابلة للكسر” بين إسرائيل والولايات المتحدة ألا يفعل بايدن أي شيء يُذكر في رحلته الشرق أوسطية أكثر من مجرد التشدق بكلام عن “حل الدولتين”، بينما يواصل دعم سياسة الفصل العنصري الإسرائيلية.
* *
قبل زيارته الأخيرة إلى إسرائيل وفلسطين، أوضح الرئيس الأميركي، جو بايدن، لنظرائه الإسرائيليين أن البيت الأبيض مهتم بـ”ضبط النفس”. ويبدو أن الدماء الفلسطينية التي ستسيل بعد زيارة الرئيس سيتم تنظيفها بسهولة أكبر من ذلك النوع الأكثر لزوجة من الدم -النوع الذي يميل إلى ترك بقع قبيحة لو أنه سُفك في الأيام السابقة على الزيارة.
بقدر ما هو بشع في حد ذاته، فإن هذا العمل من الدبلوماسية الأميركية الجزئية يكشف عن الكثير. إنه يوضح حقيقة السياسة الخارجية التي انتهجتها الإدارات الأميركية المتعاقبة على مر العقود: القهر المستمر الذي لا نهاية له للفلسطينيين، المؤطر بأنه “استقرار”؛ التأمين السخي للفصل العنصري الإسرائيلي بينما يتم تقديم خدمة شفهية من حين لآخر لـ”حل الدولتين”، الذي يضع مسؤولية متساوية على القائم بالاحتلال والخاضع له؛ مع حماية إسرائيل من أي عواقب حقيقية. وفي الوقت نفسه، تواصل الولايات المتحدة المماطلة و”ركل العلبة على الطريق”، بالتعبير الإنجليزي، بما أن النار لا تشتعل في المكان بأكمله لفترة طويلة (في الأثناء، تطبق الشروط والأحكام: بضعة أسابيع من الجحيم في غزة بين الحين والآخر، والتي يسقط فيها قتلى فلسطينيون بأعداد في أوائل الآلاف، هي شيء مقبول تماما).
هذا الطريق، الملطخ بدماء الأبرياء، عمره عقود من الزمن، والعلبة التي يجري ركلها في طرقاته المتربة هي، في الواقع، شعب تقوم باضطهاده قوة عظمى إقليمية مسلحة وممولة ومدعومة من الولايات المتحدة.
الطرق الترابية التي يعصف فيها الغبار هي كل ما يحتاجه سكان مسافر يطا لربط مجتمعاتهم الصحراوية ببقية الضفة الغربية المحتلة. وعندما يزور الرئيس بايدن إسرائيل وفلسطين، لن يرى أكثر من 1000 فلسطيني من مسافر يطا من المقرر أن تقوم بترحيلهم قسرا إسرائيل التي يلتزم بدعمها -وهي الدولة نفسها التي أعطت أعلى محكمة فيها الضوء الأخضر لتنفيذ جريمة الحرب المتمثلة في طرد هذه المجتمعات باستخدام ذريعة لا أساس لها، هي تحويل أراضيهم إلى منطقة للتدريب العسكري.
سوف تتصدر عبارات “الرابطة غير القابلة للكسر” و”القيم المشتركة” بين الولايات المتحدة وإسرائيل عناوين الصحف مرة أخرى. ومع ذلك، وبعيدا عن هذه الكليشيهات، فإن هؤلاء الفلسطينيين في مسافر يطا -على الرغم من كل الصعاب- يجعلون الصحراء تزهر، حرفياً. وهم لا يفعلون ذلك على حساب أحد بينما يواجهون جيشًا يدمر، في أيامه الأكثر لطفاً، خطوط مياههم المرتجلة، ويرسل في الأيام الأقل لطفا دباباته ومروحياته ومدرعاته “للتدرُّب” حول وداخل مجتمعاتهم المحلية. وتصبح الطرق الترابية مغلقة، والصحفيون والناشطون محتجزين -وأحيانا يتعرضون للضرب أو الاعتقال- ومسافر يطا مقطوعة عن العالم.
لا تهتم أشجار الزيتون والحقول البسيطة بأن إدارة بايدن ترفض تسمية سياسات إسرائيل في هذا الجزء من الضفة الغربية المحتلة بأنها جريمة حرب، ولا يتوقع سكان مسافر يطا من البيت الأبيض أن يرفع إصبعاً واحداً لمساعدتهم. ولكن، لماذا لا تقوم إدارة بايدن، على أقل تقدير، بنزع إبهامها عن كفة الميزان؟ لا يوجد أي تكافؤ في القوة بين إسرائيل والفلسطينيين. ليس هذان جانبين متساويين. فهل تستطيع أميركا، على الأقل، أن تتوقف عن ترجيح كفة الميزان لصالح الجانب الذي يسير كل شيء مسبقاً في صالحه ضد أولئك الذين يحاولون كسب عيشهم من الغبار والسماء الفارغة؟
سُرعان ما ستنسى الكليشيهات، وسوف يأتي الرئيس الحالي ويذهب. وسوف يتلاشى الطلب الأميركي بـ”ضبط النفس” الإسرائيلي في الهواء، ومعه ستذهب كل هذه الضجة والنفاق الطارئ. سوف يتم توقيع صفقات الأسلحة، وسيتم الاحتفال بما يسمى بـ”الأمن الإقليمي”. وستعود الطائرات المروحية التابعة للجيش الإسرائيلي -التي تنتجها الولايات المتحدة وتدفع ثمنها على الأرجح- إلى هناك. وحتى هنا، لا يحظى الفلسطينيون بأي راحة ولا سلوى.
ولكن، ذات يوم سيهدأ الغبار، وستكون أعيننا قادرة على الرؤية على طول الطريق نحو الأفق المفتوح، حيث الصحراء التي جعلها تزهر أناس لا يطلبون شيئًا سوى العدالة.
*هاغاي إلعاد: المدير التنفيذي لمنظمة “بتسيلم: مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The bloody legacy of ‘shared values’
المصدر: الغد الأردنية/– (مجلة 972+)