الضحالة لغةً، في لسان العرب، وحسب تعريفها و معناها، في معجم المعاني الجامع – حين تكون (اسما) تعني ؛ سطحيَّة، تفاهة، قلة، وضحالة المعلومات، اي قلّة عمقها، وحين تكون فعلا ضَحَلَ: اي ضحَلَ يَضحَل، ضحْلاً، فهو ضاحِل وضَحْل، ويقال ضحَل النَّهرُ :قلَّ ماؤه! أما جمع ضَحل: (ك اسم) فهو : أَضْحَالٌ ، ضِحَالٌ ، و ضُحُولٌ. والضَّحْلُ : الماءُ القليلُ على الأَرض لا عُمْقَ له، و (أَتانُ الضحْلِ) : صخْرَةٌ في فم البِئْرِ يركبُها الطُّحْلُبُ فتصبح مَلساءِ، أما مصدر ضحَلَ فهي صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من ضحَلَ: قريب القعر ضَحْل التَّفكير: تفكيره سطحيّ لا عُمْق فيه ولا حِكْمة، اما أَضْحَال، (اسم) فهي : جمع ضَحل وضِحَال : جمع ضَحل وضُحُول، ضحل النّهر: قلَّ ماؤه ”ضحَل البئرُ/ النَّبعُ”. اقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: أزمات متناسلة.. ورهانات متناقضة الضحالة في لبنان تعني ان لا احد معني بإدارة السلطة، ولا يوجد من هو مسؤول عن مصير الناس، وحاجاتهم الى الرغيف والدواء والمشفى والمدرسة والتعليم والأمن والنقل، لا توجد جهة تتولى القيادة وتحدد الوجهة، وليس هناك من فئة او حزب او زعيم يزعم لنفسه دورا في ابتكار حلول، وايجاد بدائل واصلاحات…لا خطط انقاذ تطرح، ولا خرائط طريق للخروج من عتمة النفق الذي لم نبارحه منذ عشر سنين. فالخطابات السياسية لا تتعدى سهرات زجلية يقول فيها كل قوَّال ما اراد مموله او سيده، ومن يدعي لنفسه دورا في خوض الصراع ويعد بإنجازات تعلي من قدره، لا يجيد الا ترداد مراجل وعنتريات فارغة… الضحالة في لبنان تعني ان لا احد معني بإدارة السلطة ولا يوجد من هو مسؤول عن مصير الناس رغم تناقضاتها وسجالاتها، ومزاعمها بصوابية افكارها، وسلامة مواقفها، منذ عشر سنوات على الاقل، تصحرت الحياة السياسية على ايدي المنظومة الحاكمة والفاشلة، رغم تعدد مقولاتها وتنوع ابواقها، لتصبح ثُغاءَ قطعان بلهاء، تستزيد من الشيء نفسه. وتصبح الضحالة السياسية كارثية، حين يلتبس على العامة من الناس، الفارق الجوهري بين صاحب المشروع السياسي، وصاحب الكذبة السياسية، فالكذبة، سهلة، رشيقة، تشق طريقها لتصبح زفة او عرسا، أو زعيما… أما المشروع السياسي فهو صعب، متعب ومتنوع، فكيف يتم التباري والمنافسة بين الكذبة والمشروع. في الالتباس الصاخب هذا، يتم تفريغ الكلمات من مضامينها فتصبح اللغة جوفاء وهياكل خاوية، لا تصف ما تصف، ولا تعني معانيها الاصلية او الجوهرية، وتتزاوج بذلك الضحالة السياسية مع الضحالة اللغوية، ويصبح الاعلام وبرامجه وساعات حواراته وسجالاته، فعل اعتداء على كل مواطن شاء حظه العاثر، ان ينحبس في بيته امام تلفزيون يبث ما يحسبه خبرا او حوارا. لا تنحصر الضحالة السياسية ب “تيه” العامة، عن التمييز بين ما هو نفاق عار من جهة اولى، وبين ما هو مشروع سياسي يهدف الى رسم رؤية وسلوك بناء، يبني دولة ووطنا، ويقيم اقتصادا مزدهرا، ويؤمن رغد عيش للناس من جهة ثانية، بل تتفشى الضحالة السياسية لتصبح ثقافة سائدة ومنظومة حكم شاملة، تجعل من لبنان نموذجا للاستنقاع السياسي، بحيث يتبدى بلدنا الذي كان لبنانا وأخضرا الى ” مستنقع ضحل”. تصبح الضحالة السياسية كارثية حين يلتبس على العامة من الناس، الفارق الجوهري بين صاحب المشروع السياسي وصاحب الكذبة السياسية تعبير المارونية السياسية الآفلة، الذي اطلقه المرحوم منح الصلح، على الفئة الحاكمة في سبعينات القرن الماضي، لم يكن دقيقا ولا يُوصِفُ الحالة السياسية التي كان يعيشها لبنان، والذي كان توطئة لارتكاب جريمة نظرية ومعرفية تمثلت بولادة مفهوم ” الطائفة_الطبقة”. رغم ذلك فقد تحول التعبير الى خطأ شائع يستعمل لتوصيف حالات موازية، كالسنية السياسية او الشيعية السياسية، وفي كل هذه التسميات شيء من الاطلاقية المفجعة، التي تتجاوز فردانية الفرد وموقعه الاجتماعي والمهني، لتنسبه رقما في جماعة طائفية، تندرج حقوقه وواجباته ومصالحه وافكاره، في سياستها وينخرط بها مختاراً او مرغماً، او منكراً الانتساب اليها. فالمارونية السياسية لم تكن واحدة بل مدرستان متميزتان، سياسة وادارة وتحالفات، وقد مثلت المدرسة الاولى التجربة الشهابية والدستورية، أما المدرسة الثانية فهي “المارونية السياسية المقاتلة” التي طبعت تجربة احزاب الجبهة اللبنانية، ومتفرعاتها، وشتان بين المدرستين من خيارات واداء ورجالات… إضافة لذلك، لم تكن “المارونية السياسية” نظاما يحكم فيه الموارنة لوحدهم بقية اللبنانيين، ولم يكن كل الموارنة في صف الحكام ومرتبتهم، مع ذلك فقد قدمت ما سميت ب المارونية السياسية بمدرستيها، فهمها ل لبنان وبنت اقتصاده ودوره السياسي والاقتصادي وسيرت مرافقه وقطاعاته الاقتصادية وادارت حياة ابنائه، لم تبن المارونية دولة عادلة او قوية، ولم تفلح في اقامة تنمية متوازنة ومستدامة، وفشلت في مواجهة تحديات كثيرة، وتنكرت لواجبات فرضتها عليها تحديات داخلية واقليمية، لكنها كانت دولة وسلطة. اما “السنية السياسية” فالتعبير عنها أكثر التباسا، لدرجة الخلط بين تجربة الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط وياسر عرفات من جهة اولى، واعتبارها سنية سياسية، و هي تجربة لم تتعد ادارة و نفوذا عابرا، لم يصلا الى تسلم حكم وسلطة فعلية، وبين الحريرية السياسية بقيادة رفيق الحريري من جهة ثانية، والاصلح برايي الكلام عن الحريرية السياسية التي ادارت لبنان، بتوافق سعودي سوري، بين سنتي ١٩٩٢ و١٩٩٨ موعد انتخاب الرئيس اميل لحود رئيسا للجمهورية، والذي كان انتخابه بداية لمحاصرة الحريرية وانهائها تمهيدا لاغتيال الحريري نفسه. لم تكن “المارونية السياسية” نظاما يحكم فيه الموارنة لوحدهم بقية اللبنانيين ولم يكن كل الموارنة في صف الحكام ومرتبتهم الحريرية السياسية كانت مشروعا سياسيا واقتصاديا، يطمح لجعل لبنان مركز تسوق اقليمي حديث، يقدم خدمات مالية وسياحية وصحية وتعليمية واعلامية… والمشروع هذا يستعيد دور لبنان السابق، ويجدده حسب ميزات العصر ومستجدات المنطقة وحاجاتها، والحريرية السياسية بإيجابياتها وسلبياتها، بانجازاتها واخفاقاتها، باخطائها بل بخطاياها، قدمت نموذج حكم ودور للبنان واقتصاده وقدمت لشعب لبنان خدمات ومرافق عامة من كهرباء وماء واتصالات وطرقات ومستشفيات حكومية ومباني جامعية وغيرها…ومقتل هذه التجربة وسبب انهيارها، انها شكلت رَحَما وأما ولادة، نما في احشائها منظومة ميليشياوية مرتهنة للخارج اكلت الدولة واستقوت عليها. الحريرية السياسية كانت مشروعا سياسيا واقتصاديا، يطمح لجعل لبنان مركز تسوق اقليمي حديث يقدم خدمات مالية وسياحية وصحية وتعليمية واعلامية اما الشيعية السياسية فقد قامت على خطين؛ الاول ان الدولة كعكة يجري اقتسام مواردها املاكا وشواطئ وتلزيمات وتعهدات ووظائف ومرافق عامة وخاصة ( ع السكين يا بطيخ) وصولا الى عائدات افعال جرمية موصوفة الخ… اما الثاني فهو ان لبنان متراس اقليمي تديره سورية ثم ايران، قد كان هذا المتراس شرعيا يعكس ضرورة وطنية، ومقبولا ومبررا، يوم كان الجنوب محتلا من قبل اسرائيل. لكنه بعد سنة ٢٠٠٠ ثم صدور القرار الدولي١٧٠١ لم يعد المتراس ضروريا او مطلوبا بمقياس المصلحة العليا اللبنانية ولا بمقياس القانون الدولي… الشيعية السياسية فقد قامت على خطين الاول ان الدولة كعكة يجري اقتسام مواردها أما الثاني فهو ان لبنان متراس اقليمي تديره سورية ثم ايران منذ سنة ٢٠١١ وبعدها وخلال الازمة السورية حدث في لبنان تطوران مفصليان؛ الاول تحويل لبنان المتراس الاقليمي، الذي تخصص وانفرد بقتال عدو العرب اي اسرائيل، تحويل لبنان المتراس هذا، الى قاعدة عدوان على العرب و منطلقا لزعزعة مجتمعاتهم. أما التطور الثاني فهو انهيار وظيفة لبنان كمركز اقليمي للتسوق والخدمات والوساطة، بعد ضمور قطاعاته الانتاجية وتآكل مركزه الاقتصادي، وهذا ما ظهر في عجز مستجد ومتراكم في ميزان مدفوعاته. منذ عشر سنوات وأكثر نعيش عصر الضحالة السياسية ؛ الضحالة السياسية تحكمنا موالاة ومعارضة، مذعورين وغاضبين، جائعين ومتخمين، سارقين ومسروقين، سياديين وممانعين… والضحالة هذه تؤسس على منطق تبسيطي لتنال اعجاب البسطاء، وعلى منطق تجهيلي لتحول خطاب المتعلمين واصحاب الشهادات الى اصداء ترجع صوت الزعيم وتكرر حججه وبراهينه وادلته الكاذبة. التبسيط ثم الاختزال هو النول التي تغزل الضحالة السياسية خيوط ثوبها، وتعمم من خلاله سطوتها. الضحالة السياسية هي ان يتجرأ كل زعيم سياسي على تحويل نزواته الشخصية وصغائره ومصالحه الضيقة الى قضية عامة الضحالة السياسية هي ان يتجرأ كل زعيم سياسي على تحويل نزواته الشخصية وصغائره ومصالحه الضيقة، الى قضية عامة يطلب ان يتحلق الناس حوله لتنفيذها، وان يصور أخصامه اعداء لكل الوطن، وان يفرض على الغير صداقة من لا صدق فيه، وقداسة من لا قداسة له. باب الخروج من الضحالة ومنظومتها فهو ولادة كتلة تاريخية قضيتها على قياس لبنان كل لبنان اما باب الخروج من الضحالة ومنظومتها، فهو ولادة كتلة تاريخية، قضيتها على قياس لبنان كل لبنان، وقيادتها من كل لبنان ولكل لبنان، وهيكليتها تشبه لبنان كل لبنان، واجندتها تغيير السياسة واللغة في لبنان كل لبنان. هل تفعل ذلك ١٧ تشرين وتكون واعية لمسؤولياتها، ام ان اوان الثورة قد فات؟!
المصدر: جنوبية