“إخوان سورية” خارج الأضواء..والتأثير أيضاً

عقيل حسين

لم يحظَ البيان الأخير الصادر عن الفرع السوري لجماعة الأخوان المسلمين، بالاهتمام المعتاد. ورغم أن البيان جاء بعد الاجتماع السنوي لمجلس شورى الجماعة في سوريا، وهو حدث كان مرتقباً في السنوات السابقة، إلا أن تحولات المشهد على مستوى الداخل والمنطقة، أدى كما يبدو إلى تراجع حضور الاخوان وتأثيرهم.

مواقف متوقعة

اللافت في البيان، الذي يمثل في النهاية تلخيصاً لمواقف الجماعة وسياساتها، أنه لم يتضمن ما هو لافت. وباستثناء تأييدها لخطة تركيا من أجل إعادة اللاجئين السوريين إلى الشمال، الأمر الذي يعتبره البعض دليلاً إضافياً على مخطط الاخوان من أجل اقامة دويلة أو حكم ذاتي هناك، فإن كل ما تضمنه البيان كان في سياق العادي والمتوقع، حسب المراقبين.

فقد أكد مجلس شورى الجماعة في سوريا، عقب انتهاء دورته العادية عن شهر حزيران/يونيو 2022، “رفض التطبيع مع النظام السوري”، معلناً مباركته عودة العلاقات التركية-العربية، ومجرّماً الدور الإيراني في المنطقة، ورفض كافة الدعوات الانفصالية في سوريا، كما أكد على التمسك بخيار الحل السياسي العادل.

هذا هو ملخص نتائج الاجتماع الذي كان هدفه، حسب البيان، “تطوير رؤية مواكبة للأوضاع السورية والإقليمية والدولية ومستجداتها، وتقويم أعمال القيادة والجماعة”، الأمر الذي يطرح سؤالاً ملحاً حول ما إذا كان الاخوان السوريون قد تمكنوا بالفعل من مواكبة التطورات والتعاطي معها بنجاح.

لا جديد مهم

وبهذا الصدد يستحضر خصوم الجماعة سلسلة طويلة من المواقف التي يرون أنها كانت متناقضة كفاية لتأكيد حقيقة أهداف الأخوان التي لم تكن معبرة عن حاجات وتطلعات الشارع السوري، بل ويؤكدون أن ممارساتها أدت إلى الحاق الضرر بالثورة السورية وتضحيات الشعب من أجل الحصول على دولة ديمقراطية.

ويعتبر الباحث عبد الناصر الحسين أن بيان الجماعة الأخير يمثل استمراراً لسياستها المقررة منذ عشر سنوات. ويقول إن السمة الغالبة عليه هو التأكيد على “خدمة الآخر” مع تضمينه عبارات التماهي مع الثورة بشكل توظيفي لا أكثر.

ويقول في تصريح ل”المدن”: “ليس في البيان أي جديد مهم، ويمكن القول إنه يركز على التماهي مع سياسة الحكومة التركية، أما ما يخدم الثورة فيأتي على هامش الموقف، ومن باب تأدية الواجب، كأن يجددوا رفض الأجندة الانفصالية لبعض القوى الكردية والنظام، لكن على أرض الواقع فإن ما يبدو تهديداً بالتقسيم هو تعزيز الأمر الواقع في الشمال بمباركة وتأييد اخواني صريح”.

ويرى الحسين أن ما يعيشه إخوان سوريا اليوم هو “جزء من سياق الدور الذي لعبوه خلال سنوات الثورة”، والذي انقسم إلى مرحلتين “الأولى هو التعاون مع إيران والايمان بوعودها لهم بتسليمهم الحكم في سوريا بعد مرحلة انتقالية يتشاركون فيها السلطة مع نظام بشار الأسد، بشرط انخراطهم الكامل في محور المقاومة، مثلهم مثل حزب الله وحماس”.

والثانية،  كانت مرحلة التماهي الكامل مع تركيا بعد اليأس من إمكانية الإقرار الاقليمي والدولي بسيطرة إيران على سوريا، والرفض الشعبي الصلب لأي شكل من أشكال التعاون معها، مقابل القبول الشعبي والرسمي بحزب العدالة والتنمية التركي المحسوب على الإخوان.

ويضيف “رغم أني أرى أن الاخوان في سوريا قد عادوا مؤخراً إلى الحالة الصفرية شعبياً، بعد التقدم الذي حققوه في السنوات السابقة، والشعبية النسبية التي حظيوا بها نتيجة أعمال المؤسسات الإغاثية والدعوية، وكذلك سيطرتهم على بعض القوى العسكرية، إلا أن هذا يعني خروجهم من المشهد، لأنهم بالأصل لا يعتمدون على الحامل الشعبي أو الوطني، بل على الحوامل السياسية والخارجية”.

خسائر طبيعية

لكن “خسائر” الجماعة لا يبدو أنها كانت نتيجة سياساتها المحلية وحسب، بل إن التطورات الاقليمية من جهة، وممارسات فروع الإخوان في مناطق أخرى، أسهمت بالتأثير على رصيدها السوري، وخاصة بالنسبة لحركة حماس الفلسطينية التي تتوجه أخيراً إلى تطبيع علاقاتها بالنظام السوري والعودة لدمشق.

ورغم أن بيان مجلس شورى الجماعة دان جميع محاولات التطبيع مع النظام “الفاقد الشرعية” التي قامت وتقوم بها بعض الدول والهيئات والمنظمات، معتبراً أنها بمثابة تقديم الدعم للقاتل، إلا أن ذلك لم يكن كافياً على ما يبدو للتخفيف من الآثار السلبية، مثله مثل مهاجمة إيران ووصف دورها ب”الإجرامي” ليس في سوريا وحسب، بل وفي كل المنطقة.

وعليه يرى الباحث في شؤون الاسلام السياسي عباس شريفة في حديث ل”المدن”، أن بيان إخوان سوريا الأخير كان متوازناً من الناحية السياسية، ومتماهياً مع السقف الوطني والمطالب الثورية، كما اعتبر أن الحكم بفشل الإخوان أو سقوطهم هو حكم متسرع.

لكنه يقرّ بأن دور الإسلام السياسي بالمجمل قد تراجع في المنطقة كلها وليس في سوريا فقط، “لكن ما يميز الآخرين، سواء في ليبيا أو تونس أو غيرها، أنهم عاشوا محطات تحول حقيقي، بدءاً من إسقاط الأنظمة مروراً بالانتخابات وليس انتهاءً بالانقلابات أو الفشل، بينما في سوريا فإن الاخوان، مثلهم مثل بقية القوى، لم يواجهوا اختبارات بهذا الحجم والمستوى، إذ لا زلنا في مرحلة مقارعة النظام”.

ويرى أن “ضعف إخوان سوريا هو جزء من ضعف يعاني منه الإسلام السياسي بشكل عام في المنطقة وهو ما يزيد من معاناة الجماعة محلياً بطبيعة الحال، لكن مع ذلك فإن بقية القوى السورية ليست أفضل منها”، بحسب شريفة.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى