في 6 يونيو (حزيران)، منعت المعارضة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو تجديد التشريع الذي يوسع القانون المدني الإسرائيلي ليشمل نحو 450 ألف مستوطن في الضفة الغربية. في الواقع، تبدو هزيمة مشروع القانون مربكة على المستوى الأيديولوجي، إذ إن التشريع كان يخضع للتجديد كل خمس سنوات من دون بهرجة كبيرة منذ عام 1967، ويشكل جوهر السيطرة الصامتة لإسرائيل على الضفة الغربية. بالنسبة إلى نتنياهو وحلفائه، الذين يضمون الأحزاب القومية الأكثر تديناً وتأييداً للاستيطان في إسرائيل، يعتبر القانون ضرورياً لمنح مؤيديهم من المستوطنين نفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الإسرائيليون الآخرون، مع تطبيق الأحكام العرفية الإسرائيلية على الفلسطينيين في نفس الأماكن.
لكن نتنياهو متشبث بالهدف الأكثر إلحاحاً المتمثل في تدمير الائتلاف الحاكم الذي أطاحه قبل عام، بقيادة رئيس الوزراء نفتالي بينيت، حليفه السابق، والذي يضم بشكل غير متوقع طيفاً واسعاً من الأحزاب. وهذه المرة، تلقى نتنياهو مساعدة من عدد من أعضاء الائتلاف نفسه، الذين رفضوا أيضاً دعم القانون في الكنيست. ودفعت تلك الهزيمة الحكومة، التي كانت قد فقدت أغلبيتها البرلمانية، إلى حافة الانهيار. وإذا حدث ذلك، فسيتحقق ما قاله المتشائمون منذ أشهر، وبعض الأشخاص منذ البداية: إن مثل هذا الائتلاف الحاكم غير العملي كان محكوماً عليه بالفشل، بيد أن حقيقةً أكثر أهمية ضاعت إلى حد كبير في الضوضاء. على الرغم من كل الصعاب، فإن حكومة إسرائيلية ضمت أحزاباً من اليسار واليمين، وحتى حزباً عربياً مستقلاً لأول مرة، ظلت متماسكة لمدة عام كامل في السلطة. وقد تعجل الأزمة الأخيرة بسقوطها، لكن خلال الأشهر الـ12 الماضية، نجحت القيادة الحالية في تجاوز الجمود السياسي في إسرائيل وإبقاء نتنياهو على الهامش. وعلى طول الطريق، طرحت أسلوب حكم مختلفاً اختلافاً جذرياً، وانتقلت من التناحر الشعبوي على عهد نتنياهو إلى روح التسوية والإجماع. وفي محاولة لاحتواء قوى سياسية متباينة إلى حد كبير، غالباً ما اكتفت بالتعاون على مضض ومجرد الصمود والبقاء، لكنها حققت أيضاً إنجازات سياسية كبيرة، بما في ذلك إقرار الميزانية لأول مرة منذ عدة سنوات، والمضي قدماً في الإصلاحات المطلوبة في المجالات المحلية، وإنشاء سياسة خارجية أكثر واقعية تعتمد وجهة مختلفة. لهذه الأسباب وحدها، أدت تجربة حكم الائتلاف إلى فتح ديناميكية جديدة، ما يشير إلى أنه من الممكن كسر ما كان يبدو وضعاً راهناً بشكل دائم يقوم على حكم شعبوي، وقومي، ويميني بلا قيود.
البقاء على قيد الحياة
منذ اللحظة التي تشكلت فيها حكومة بينيت الائتلافية، قبل عام واحد بالضبط، توقع المحللون زوالها بالإجماع تقريباً. في الحقيقة، لم تكن الظروف بحد ذاتها مُواتية، إذ جرى تشكيل الحكومة، بأغلبية ضئيلة، بعد فترة عامين من الشلل السياسي شبه الكامل، فشلت خلالها أربعة انتخابات مختلفة في التصويت لفائز محدد بشكل حاسم. بعد الانتخابات الرابعة، في مارس (آذار) 2021، عجز نتنياهو مرة أخرى عن تشكيل حكومة، على الرغم من أن مؤيديه كانوا يشغلون أكبر عدد من المقاعد. في تلك المرحلة، تعاون يائير لبيد، زعيم الحزب الحاصل على ثاني أكبر عدد من المقاعد، مع بينيت الذي شغل حزبه سبعة مقاعد لا غير، لكنه خسر مقعداً واحداً في طريقه إلى إنشاء نوع جديد من الائتلاف، يجمع بين ثمانية أحزاب مختلفة، ويتضمن أيضاً صفقة تناوب على رئاسة الوزراء، يسلم بموجبها بينيت المنصب إلى لبيد بعد عامين. ومن بين أعضاء الائتلاف، الذين قيل إنهم لا يملكون أي شيء مشترك سوى معارضة نتنياهو، كان حزب “راعم”، وهو حزب عربي يمثل الحركة الإسلامية في إسرائيل، وحزب “ميرتس” اليساري الليبرالي، وحزب “إسرائيل بيتنا” اليميني العلماني القومي، والأطراف الأخرى التي لطالما اعتبرت متنافرة.
وعلى الرغم من الإرهاق من الدورات الانتخابية المتعثرة، كان الشعب متشككاً. أصيب بعض الإسرائيليين بالصدمة لوجود حزب إسلامي عربي في السلطة التنفيذية، فيما أعرب آخرون عن استيائهم من فوز رئيس وزراء لم يحصل على أكثر من 6.21 في المئة من الأصوات. وبطريقة موازية، حصل الائتلاف بحد ذاته على 61 مقعداً لا غير من أصل 120 مقعداً في الكنيست. في مايو (أيار) 2021، عندما كان الائتلاف يتشكل لأول مرة، أظهرت بيانات استطلاعات الرأي أن غالبية الإسرائيليين لا يعتقدون أنه سيكون قادراً على الصمود، بما في ذلك 16 في المئة ممن ظنوا أنه لن يصل حتى إلى مرحلة أداء اليمين. في منحى مقابل، كان نتنياهو، الذي خرج من السلطة لأول مرة منذ 12 عاماً، يستشيط غضباً. على الرغم من أنه واجه ثلاث تهم بالفساد، فاز حزبه، “الليكود”، بـ30 مقعداً في انتخابات مارس 2021 (أي أكثر بـ13 مقعداً من أقرب متنافس، وأكثر من مقاعد حزب بينيت بأربعة أضعاف)، وكان مصمماً على استعادة المنصب الأعلى.
بحلول ربيع عام 2022، بدا بشكل متزايد أن نتنياهو سيحصل على فرصته. واستطراداً، أدى اندلاع أعمال عنف جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى تمهيد الطريق لسلسلة من أزمات التحالف. في أوائل أبريل (نيسان)، قدمت رئيسة الائتلاف عيديت سيلمان، المنتمية إلى حزب بينيت، استقالتها، بسبب خلافات متعلقة بالدين والدولة، بالتالي بقي للحكومة 60 مقعداً فحسب من أصل 120 في الكنيست. بعد فترة وجيزة، علق حزب “راعم”، الذي كان يحتل أربعة مقاعد أخرى، مشاركته في الائتلاف لفترة وجيزة، ذاكراً حملة شنتها قوات الدفاع الإسرائيلية على المسجد الأقصى خلال شهر رمضان. ثم، في مايو، أعلن عضو برلماني عربي من حزب “ميرتس” خروجاً مفاجئاً أيضاً، فجعل الائتلاف أقليةً بـ59 مقعداً لا غير. على الرغم من إقناع عضوة البرلمان المنتمية إلى “ميرتس” بالبقاء مع الحكومة، إلا أنها انضمت بعد ذلك في 6 يونيو إلى المعارضة في التصويت ضد قانون يخضع بموجبه المستوطنون للولاية القضائية الإسرائيلية، ما يضمن هزيمة الحكومة، لكن على الرغم من تلك النكسات المستمرة، تشبثت الحكومة بطريقة ما بالسلطة وفشل نتنياهو في استعادة العرش. وفي غضون ذلك، أثبت بينيت ولبيد بشكل مدهش براعتهما في إدارة الأزمات، ما يدل على درجة من الفطنة السياسية التي كانت مرتبطة حصرياً برئيس الوزراء السابق بحد ذاته. في الواقع، حتى لو كانت الخطوة التالية للائتلاف هي الانهيار، إلا أن بقاءه لمدة عام كامل في الحكم هو إنجاز لم يتوقعه أحد تقريباً. وما كان مفاجئاً أكثر بعد، هو مدى قدرة الائتلاف على قيادة البلاد.
المبادئ تأتي قبل السياسة
بالنظر إلى الترتيب الحزبي المعقد للائتلاف وصراعاته التي لا تنتهي من أجل البقاء، قد يبدو من المدهش أنه تمكن من الحكم على الإطلاق، وبطريقة فعالة. حتى عام 2021، كان بينيت وحزبه “يمينا” يمثلان معسكراً متشدداً يميل إلى انتقاد “الليكود” اليميني، وكانا معروفين بروحهما غير التوفيقية، على الرغم من أن بينيت طور علاقة شخصية مع لبيد عندما خدم كلاهما في إدارة نتنياهو في 2013. وعلى غرار أي حكومة تمثل مجموعة واسعة ومتضاربة من المصالح، غالباً ما كانت إنجازات الائتلاف جزئية في أحسن الأحوال. كذلك، لم يكن هناك اتجاه أيديولوجي واضح للسياسات المنفذة. وعلى الرغم من ذلك، أظهر قادة الائتلاف، طوال العام الذي أمضوه في السلطة، إحساساً مفاجئاً بالهدف والإلحاح، وكأنهم علموا أن أيامهم باتت معدودة.
لقد أدت السياسات الاقتصادية للحكومة، على سبيل المثال، إلى انتعاش اقتصادي قوي. كانت العقبة الأولى والأكبر للحكومة هي الميزانية الوطنية، التي لم يتم تجديدها منذ أوائل عام 2018، بسبب المعضلة الانتخابية التي دامت عامين. بعد خمسة أشهر من وصول الائتلاف الحكومي إلى السلطة، أقر الميزانية الجديدة، متحدياً أولئك الذين توقعوا عدم قدرته على الاستمرار في الحكم. وفي الوقت نفسه، أشرفت الحكومة على انتعاش قوي من السنوات الأولى لوباء كورونا، فانخفضت البطالة أخيراً إلى 2.9 في المئة وهو أدنى مستوى لها في 50 عاماً، وتجاوز النمو 8 في المئة في عام 2021، فحقق، وفق وصف قدمه تقرير أخباري، مستويات “مذهلة” خلال ربع واحد. بطريقة موازية، نفذت الحكومة إصلاحات زراعية، واتخذت تدابير لخفض التكاليف الاستهلاكية الباهظة في إسرائيل، وبذلت محاولات حقيقية للحد من الجريمة والعنف في البلدات الفلسطينية التي تعاني منذ فترة طويلة من نقص الخدمات داخل إسرائيل. ومن الجدير بالذكر أن وزير الشؤون الدينية اليهودي الأرثوذكسي، المنتمي إلى حزب بينيت نفسه، والمستقيل منذ ذلك الحين من منصبه، قاد سلسلة من الإصلاحات للحد من التأثير المفرط للحاخامية الأرثوذكسية المتطرفة على مختلف جوانب الحياة العامة. بالنسبة إلى يهودي متدين وحزب مرتبط بشكل وثيق بالمستوطنين المتدينين، كانت هذه الخطوة جريئة بشكل غير عادي، لكنها كانت تتماشى مع تفضيلات جزء كبير من الشعب. وعلى نحو مماثل، سعى وزير النقل، الذي يرأس حزب العمل، إلى زيادة وسائل النقل العام يوم السبت، وهي خطوة أخرى تدعمها غالبية كبيرة من الإسرائيليين ولكن حتى الآن تعترضها الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة إلى حد كبير (لقد توقف التقدم في هذا المسعى، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم استقرار الائتلاف).
إن الاختلاف المهم الآخر عن نتنياهو هو تحول الائتلاف بعيداً من التسييس المستمر للقضاء على مدى سنوات. منذ أوائل عام 2010، سعت القوى الشعبوية اليمينية التي غذاها نتنياهو، إما في حزبه أو بين الأحزاب المتحالفة، إلى نزع الشرعية من المحكمة العليا. وتمثل هدفها الأساسي بمنع المحكمة من عرقلة التشريع المثير للجدل الذي سعت إليه، والمتضمن استهداف المواطنين العرب أو المجتمع المدني اليساري، أو الترويج للقانون سيئ السمعة الذي ينص على أن إسرائيل دولة يهودية حصرياً (والذي نال الموافقة في نهاية المطاف في 2018). بعد ذلك، عندما بدأ المدعون العامون التحقيق مع نتنياهو بتهمة الفساد، امتدت الهجمات على القضاء إلى ما وراء المحكمة العليا لتشمل النائب العام والمدعي العام والشرطة. وبمجرد أن أصبح واضحاً أنه سيتم توجيه الاتهام إليه رسمياً، انضم نتنياهو شخصياً إلى الحملة ضد القضاء، وشن هجمات علنية مستعملاً اللهجة التي استخدمها زملاؤه الشعبويون مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان والرئيس الأميركي دونالد ترمب. في الوقت نفسه، سعى “الليكود” وشركاؤه في الائتلاف اليميني، بقيادة وزيرة العدل السابقة أييليت شاكيد من حزب “يمينا” برئاسة بينيت، إلى دفع الإصلاحات القضائية نحو الأمام لتشديد الرقابة الحزبية.
اتخذ وزير العدل الحالي، جدعون ساعر، نهجاً مختلفاً بالتأكيد. على الرغم من أنه يميني ملتزم وعضو سابق في “الليكود”، فقد وضع جانباً بهدوء مقترحات عهد نتنياهو على غرار ملء لجنة الاختيار القضائية بشخصيات سياسية حزبية، وقانون من شأنه أن يسمح للكنيست بإلغاء قرارات المحكمة العليا. عوضاً عن ذلك، عمل على سلسلة من الإصلاحات المهمة في نظام المحاكم، بما في ذلك مشروع قانون لـ”قانون أساسي” جديد حول حقوق المتهمين في الحصول على محاكمة وفق الأصول القانونية، والذي تقدم في القراءات الأولى، ولكن لم يتم إقراراه كقانون بعد، إضافة إلى استحداث جلسات استماع علنية لتعيينات قضاة المحكمة العليا. يمكن لهذا الإصلاح الأخير أن ينزع فتيل الاتهامات الشعبوية بعدم الشفافية، ولكن ربما أكثر مكان برزت فيه إنجازات الائتلاف هو في إعادة توجيه موقع إسرائيل في العالم.
إصلاح خارجي
خلال العام الذي حكم فيه الائتلاف، كانت الشؤون الخارجية واحدة من أكثر المجالات وضوحاً وتماسكاً في سياسة الحكومة. لا يعد هذا بالضرورة مقياساً للنجاح بقدر ما هو مقياس للنوايا الواضحة. واستكمالاً، يتمثل الاختلاف الأكبر في الابتعاد الواسع عن الشخصيات الشعبوية القوية والحلفاء الاستبداديين تجاه الديمقراطيات الغربية. خلال السنوات الأخيرة التي قضاها نتنياهو في المنصب، أقام علاقات مع رجال أقوياء غير ليبراليين في المجر والهند والبرازيل، والولايات المتحدة على نحو معروف. على النقيض من ذلك، أعلن لبيد، وزير الخارجية في الحكومة الائتلافية، التزام إسرائيل تجاه مجتمع الديمقراطيات الليبرالية في خطاب وجهه إلى دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي بعد فترة وجيزة من توليه منصبه. ووصف المصالح والقيم المشتركة مثل أولوية حقوق الإنسان (على الرغم من إخفاقات إسرائيل في مجال حقوق الإنسان)، والالتزام، على حد قوله، بـ”العناصر الأساسية للديمقراطية”.
في مجالات أخرى، لم تقتصر التغييرات على الأقوال والكلام الرنان. تحت حكم نتنياهو، على سبيل المثال، توترت علاقة إسرائيل مع الأردن على مستوى القيادة السياسية بسبب نهج نتنياهو غير المبالي والاستفزازات غير الضرورية، مثل تهديداته بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، حتى مع استمرار العلاقات الأمنية مع عمان على نطاق واسع، لكن بينيت سرعان ما غير المسار المتبع، وقام ببادرة حسن نية تجاه الأردن، على غرار زيادة إمداد المملكة بالمياه وتوطيد علاقة شخصية مع الملك عبد الله.
كذلك، حدث تحول مماثل مع تركيا. تحت قيادة نتنياهو، وصلت العلاقات مع أنقرة إلى الحضيض في عام 2010 تقريباً، وبالكاد تحسنت في العقد الذي تلاه، وقد استدعى الطرفان سفراءهما في عام 2018، ولكن في مارس 2022، مع وجود الائتلاف الحكومي في السلطة، زار رئيس إسرائيل (منصب شرفي) تركيا، ما أرسى الأسس اللازمة لوزير الخارجية التركي لكي يأتي إلى إسرائيل في أواخر مايو، وهي أول زيارة من هذا النوع خلال 15 عاماً، أسفرت عن تعهدات من كلا الجانبين بتحسين العلاقات الاقتصادية والأمنية، ورفعت الآمال بإمكانية استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة.
وأجرى بينيت أول زيارة إسرائيلية رسمية للبحرين، ووقعت إسرائيل أخيراً اتفاقية تجارة حرة تاريخية مع الإمارات العربية المتحدة. وهناك تلميحات إلى إحراز تقدم نحو ربط علاقة مع السعودية، بمساعدة إدارة بايدن، بيد أن العلاقات الدبلوماسية الكاملة لا تزال بعيدة على الأرجح. على الرغم من أن اتفاقيات أبراهام لعام 2020، التي أنشأت علاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، كانت حجر الزاوية في العام الأخير لنتنياهو في منصبه، إلا أن حكومة بينيت أثبتت أنها قادرة أيضاً على إتقان سياسة تذويب الجليد الإقليمي الجديدة.
وفي سياق متصل، أثار تردد إسرائيل في استنكار روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، وإحجامها عن الانضمام إلى الغرب في العقوبات على روسيا انتقادات شديدة في الداخل والخارج. قد لا ينفع الحياد كثيراً في تقوية علاقات إسرائيل مع الغرب، لكن لديه منطقاً أمنياً متماسكاً، بالنظر إلى الوجود الروسي في سوريا والضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على أهداف تدعمها إيران هناك. علاوة على ذلك، فإن تنفيذ هذا النهج منسق بشكل واضح: يظل رئيس الوزراء صامتاً عند التعليق على روسيا، بينما يصدر وزير الخارجية الإدانات ويطمئن الغرب حول الجانب الذي تقف فيه إسرائيل.
في مجالات السياسة الخارجية الأخرى، أظهرت الحكومة الجديدة استمرارية لسياسات نتنياهو، ولكن مع توقع التعاون بدلاً من العداء. وفي ذلك الإطار، تواصل الحكومة الإسرائيلية رفض المساعي الأميركية الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وعادت إلى شن هجمات داخل إيران، وكذلك على أهداف إيرانية في سوريا. وعلى الرغم من ذلك، صرحت الحكومة الجديدة مراراً وتكراراً أنها تفضل إبقاء النقد ملطفاً في العلن، بينما تعمل بهدوء وتعاون مع إدارة بايدن، خلافاً لنتنياهو الذي هاجم إدارة أوباما بلا هوادة في شأن الصفقة.
إن هذه السياسات مجتمعةً، يمكن اعتبارها معتدلة، بالنظر إلى القومية الإسرائيلية العالية، والناخبين المنقسمين انقساماً شديداً. والجدير بالذكر أن الحكومة تجنبت بجدية خطاب نتنياهو الصارم عن الأمن، والغارق في الحديث عن “التهديدات الوجودية” والبارانويا من الأعداء الداخليين، وهي تحذيرات أدت أيضاً إلى التأكيد أن نتنياهو وحده يجب أن يحكم.
علق الشركاء الغربيون آمالاً كبيرة، لا بل هائلة، على إعادة تشكيل إسرائيل الديمقراطية الليبرالية بعد نتنياهو، بيد أن علاقات إسرائيل مع حلفائها المعلنين في الولايات المتحدة وأوروبا كانت أقل عداوة من قبل، وعلاقاتها مع شركائها الجدد في المنطقة، وكذلك مع حلفائها الإقليميين الأقدم، ولكن المهمشين، تسير على طريق التحسن.
نصر في هزيمة؟
عندما وصل الائتلاف إلى السلطة قبل عام، وعد بأن يظهر للإسرائيليين إمكانية وجود نوع حكم مختلف وتعاوني ومحترم. لقد اعتزم إعادة إسرائيل إلى المسار الصحيح في المكان الذي تم فيه إهمال الميزانية وأولويات أخرى في السياسة المحلية. في المقابل، أقر أعضاء الحكومة أنهم لم يتوصلوا إلى اتفاق في شأن أصعب قضية، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ووافقوا على تنحية ذلك جانباً. إذاً، حقق الائتلاف الحكومي الهدفين الأولين إلى حد كبير، بيد أن فشله في الهدف الثالث، أي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، يمكن أن يؤدي إلى سقوطه.
وعلى الرغم من ذلك، قد يكون الأمر الأكثر دلالة هو التناقض الذي حققه الائتلاف مع حكومات نتنياهو التي سبقته. بالاسترجاع، سوق نتنياهو لنفسه على أنه أقوى زعيم في مواجهة إيران، إلا أن ضغطه العدواني ضد “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA) في واشنطن والانسحاب الأميركي اللاحق من الصفقة، الذي رحب به بحماسة، جعل إيران أقرب من أي وقت مضى لتطوير أسلحة نووية، وفي المقابل أضر بشكل كبير بالدعم من الحزبين الأميركيين لإسرائيل. في الوقت نفسه، على الرغم من اعتزاز نتنياهو بتحقيقه نمواً في الاقتصاد الكلي، استمرت البلاد في المعاناة بشدة من عدم المساواة، وازداد العجز. تحت قيادته، خاضت إسرائيل ثلاث حروب مع غزة، ما أدى إلى بلوغ صواريخ “حماس” نقطة أعمق داخل إسرائيل. وأشعلت آخر تلك الحروب، في عام 2021، أسوأ عنف داخلي في المدن الإسرائيلية منذ سنوات، إذ حرضت اليهود الإسرائيليين ضد عرب إسرائيل، ويرجع السبب في ذلك جزئياً إلى السنوات التي شرع نتنياهو فيها التحريض الإثني.
بالمقارنة مع هذا السجل، فإن المدى الذي تمكن فيه الائتلاف خلال الأشهر الـ12 الماضية من إبعاد إسرائيل عن بعض أسوأ سياسات نتنياهو والتخلي عن إرثه من الشعبوية المثيرة للانقسام، ينبغي اعتباره نجاحاً كبيراً. على الرغم من ذلك، قد يتبين أن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المحتدم يضع حداً لتلك الإنجازات. في الحقيقة، في محاولته تنحية القضية جانباً، لجأ الائتلاف إلى حد كبير إلى الاستمرار بسياسات نتنياهو، فعزز تاريخ إسرائيل بعد عام 1967 من التوسع والاستيطان والسيطرة الدائمة بشكل متزايد، بالتالي إدامة الصراع.
بالامتناع عن إجراء أي تغيير في شأن تلك القضايا، مهد الائتلاف الطريق لمزيد من العنف وضمن أن أي استقرار سيكون مؤقتاً بشكل دائم. وفي ذلك السياق، فوجئ عدد قليل من الإسرائيليين بتصاعد العنف في شهر رمضان هذا الربيع، لكن العديد من الناخبين تجاهلوا العمل الروتيني المتواصل للتوسع الاستيطاني من خلال مناقصات الإسكان، وهدم المنازل الفلسطينية، والضغط على الفلسطينيين في “المنطقة ج”، والضم الفعلي للأراضي الفلسطينية، وتدهور القيادة والسلطة الفلسطينية على شعبها. أما الخطوات الملحوظة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية تجاه إجراءات الإغاثة في غزة، مثل إصدار مزيد من تصاريح العمل، فهي لم تترك سوى أثر ضئيل في حالة اليأس الاقتصادي هناك. وفي الوقت الحالي، لا يوجد مسار معقول نحو حل سياسي.
إن موجة الهجمات والغارات والقمع التي حدثت هذا الربيع ليست سوى أحدث مظهر من مظاهر الصراع الذي لن يزول. لم تكن الحكومة قادرة على الصمود في وجه الانقسامات السياسية الحتمية التي أثارتها تلك الأحداث، وقد يتبين أنها سبب زوالها. وكذلك، أدت الاشتباكات حول “الأقصى” خلال شهر رمضان إلى خروج حزب “راعم” مؤقتاً من الائتلاف. وانشقت النائبة من حزب “ميرتس” غيداء ريناوي زعبي في البداية بسبب الاشتباكات ذاتها، ومقتل الصحافية الفلسطينية – الأميركية شيرين أبو عاقلة، وعدوان الشرطة الإسرائيلية في جنازتها. وكانت الضربة الأخيرة للحكومة هي محاولة إسرائيل تجديد قانون تمت الموافقة عليه بشكل متكرر، من دون أن يلاحظه أحد، لمدة 55 عاماً، قانون يوفر البنية التحتية الدائمة، وغير المرئية في كثير من الأحيان، للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. تجدر الإشارة إلى أن الاستقطاب العميق حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والمخاوف الأمنية سيساعد نتنياهو دائماً، ويمكن أن يساعد، في الأسابيع المقبلة، في إعادته إلى السلطة. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد دليل يذكر على موجة دعم كبيرة له، أظهر استطلاع واحد لا غير من بين عشرة استطلاعات للرأي في الشهرين الماضيين حصول حزب الليكود وشركائه المحتملين في الائتلاف على مقاعد كافية من أجل تشكيل حكومة جديدة.
وحتى لو انهار الائتلاف، فستكون إسرائيل قد أثبتت أنه يمكن حكمها من خلال استخدام دراما منخفضة وتسوية عملية وخلاف قائم على الاحترام، وأنها قادرة على تحديد مسار نحو علاقات خارجية أفضل. بشكل حاسم، وافق اليهود الإسرائيليون أخيراً، ولو على مضض، على أن 20 في المئة من مواطنيهم العرب يمكنهم المشاركة في الهيئة الحاكمة، وهو أمر كان يجب أن يحدث منذ فترة طويلة. وقد يكون من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذا الشكل الجديد من الحكم سيترك بصمة دائمة لدى الناخبين الإسرائيليين الساخرين، لكن بعد 12 عاماً من حكم نتنياهو، الذي غالباً ما صوت المواطنون لصالحه على أساس فكرة “لا يوجد أحد آخر”، تجلى منظور جديد الآن، وهو خيار اعتماد نهج مختلف في القيادة.
داليا شيندلن هي زميلة سياسية في مركز “سانتشوري إنترناشيونال” Century International وكاتبة عمود في صحيفة “هآرتس”.
مترجم عن فورين أفيرز يونيو 2022
المصدر: اندبندنت عربية