لم تجد الطائرات الاسرائيلية صعوبة في ضرب مطار دمشق، كما لم يجد النظام من يقف معه غير الحليفين الروسي والايراني، والأهم أن النظام كرر كل الكليشيهات المتعلقة بالصمود والتصدي، لكنه لم يرد على الادعاء الاسرائيلي الخاص بنقل أسلحة ايرانية عبر المطار.
لم يحدث أن خذل السوريون أمتهم في مواجهة اسرائيل، ولم يحدث أبدا أن فرطوا بقضية فلسطين أو ظهر منهم رأي وازن يتسق مع التطبيع بأي شكل أو درجة. حارب السوريون مع فلسطين منذ النكبة وحتى حرب تشرين، ودفعوا دماً غالياً، وشاركوا في المقاومة الفلسطينية واستضافوا أبرز منظماتها، وظلوا جميعا فخورون كونهم رأس الحربة في المواجهة، حتى وهم يعلمون ان النظام كان يستثمر فلسطين وقضيتها ليبقى وليتاجر باسمها، بل وليقتل الناس بهذا الاسم في حماه وفي حي المشارقة بحلب وفي جسر الشغور وفي سجن تدمر، وفي عشرات المشاهد والمجازر في لبنان، كانوا يدركون ذلك، لكن أحدا لم يفكر يوما أبدا أن يصالح اسرائيل، حتى لو كان الثمن التخلص من نظام مجرم ومستبد.
كانت الثورة في آذار 2011 في جانب منها نمط من محاولة رسم قدر الوطن دون معونة ممهورة بالخيانة من أجنبي، ولو كان للثوار أن يوضع لهم رأس النظام على طبق من فضة مقابل التطبيع مع اسرائيل لرفضوا، ولن يكون غريبا ابدا ان يكون ذلك هو الذي جعل العالم يتخلى عن الثورة السورية، ويترك للنظام حرية القتل دون رادع حقيقي سوى الكلمات والاجراءات القاصرة والدعم الانتقائي المشروط، فيما كان الايراني ومن ثم الروسي يوغل في الشعب السوري قتلا وتهجيرا، لا ليطيل من عمر النظام حسب، بل ليجعل من سوريا بموقعها وقدراتها وخيراتها مرتعا وموطئ قدم لمشاريع تهم مصالح طهران وموسكو حصرا.
هنا لا يمكن وضع قصف مطار دمشق في خانة حرب بين نظام الاسد وإسرائيل، فتلك حرب جمدت بتفاهم قديم بينهما، لكنه جزء من سجال عنيف بين اسرائيل وطهران على أرض سوريا، فتضرب إيران في أربيل بالعراق ما تدعي انها أوكار لاسرائيل، لتقوم الأخيرة بضرب أوكار ايرانية في سوريا، وهكذا يتحارب الخصمان على أرضنا، ليستحوذ كل منهما على منطقة نفوذ تعينه وتقويه، فيما تخسر شعوبنا سيادتها وأمنها وأرواح أبنائها.
ليس مهما بالنسبة لنا ان كانت ايران واسرائيل عدوتين حقيقة أم أنهما يمارسان دور العدوين، فما يهم هو أنهما كليهما يوجهان البنادق على صدورنا ليمهد كل منهما لنفسه ساحة يتمترس فيها، ويصنع لنفسه رصيد قوة يضعه على الطاولة حينما يحين الوقت. هذا هو المغزى، فيما الضحايا الحقيقيون منا، والدمار يقع على ارضنا، والسيادة والكرامة تهدر من رصيد سوريا، وقد طال عليها أمد الاستلاب للاجنبي.
لانريد ان نصدق مزاعم اسرائيل، فتلك ايضا معضلة لانريد مواجهتها، لكننا نصدق تماما أن إيران لن تترك فرصة ولا سانحة إلا واستغلتها لتهين سوريا، وتتصرف بها كمستعمرة، وهي لن توفر مطار الدولة ورمزها السيادي، ليكون جسرها الحر، وغير المقيد لنقل كل ماتريد من السلاح الى المخدرات، وهي هنا لن تكترث لا بصورة سوريا ولا بنظرة السوريين لأنفسهم، وهم يتلقون الضربات الاسرائيلية المتتالية دون رد، فذلك عند طهران ليس مهما، مادام القابع في القصر الجمهوري في المزة بدمشق ليس مكترثا بما يجري، مكتفيا كل يوم بضمان وجود رأسه على كتفيه، مقابل ما يمنحه لايران وروسيا من حق مطلق في سوريا واهلها.
التساؤل هنا، هو عن توقيت قصف المطار، وما وراءه، فإيران لم تكف منذ سنوات عن استخدام مطارات سوريا ولا سيما مطار دمشق في نقل السلاح والعتاد والميليشيات وقادة الحرس الثوري، فلماذا تهتم اسرائيل الآن بالذات بقصف هذا المرفق، وهي تعلم بالطبع أن ذلك لن يوقف استخدام بقية المطارات، كما ان الاضرار سيجري اصلاحها، وتعود ايران لتستخدم المطار كيفما تشاء؟ هنا لابد من الانتباه الى علاقة ذلك بالتصعيد العام بين ايران واسرائيل، وبحاجة حكومة بينيت في تل أبيب لرافعة دعائية تنقذها من السقوط، وبتسخين الأجواء لجعل التفاهم الايراني مع الغرب حول الاتفاق النووي أكثر صعوبة، وباستعراض قوة لاقيمة عسكري له، لاقناع مؤيدي التطبيع ومروجيه بأهمية اسرائيل وقدراتها في مواجهة ايران. لا شئ اكثر من ذلك، اما بالنسبة لايران، فإن قتل ضابط مخابراتها امام بيته في طهران أهم عندها من قصف مطار دمشق، فالأخير يعني سوريا، ويهز صورة نظامها الذي لم تعد له صورة أصلا، فيما الضرب داخل أرضها يهز صورة إيران ذاتها.
بمعنى آخر، ما جرى في قصف مطار دمشق كان نوعاً من استعراض قوة إسرائيلي في غمرة لعبة عض أصابع مع ايران، وكلا منهما يعرف أن جائزة الرابح هي الاستحواذ والنفوذ في المنطقة، لكن في حال اقتناع كليهما ان اللعبة تستنزف منهما اكثر مما تعطيهما، فإن تقسيم النفوذ سيتم، وعلى حسابنا ايضا، وبالطبع فلن يسأل أحد عن الخسائر الجسيمة التي دفعتها شعوبنا قربانا لصراع على الموارد والهيمنة يجري تقديمه الينا على انه (محور مقاومة) تقاتل فيه ايران حتى آخر سوري.
المصدر: المدن