لم يخرج التفسير الذي قدمه الإعلام الاسرائيلي للضربة الأخيرة التي استهدفت مطار دمشق الدولي عن السياق التكتيكي للقصف المعتاد داخل الأراضي السورية، بينما رأى المراقبون في هذه الضربة تطوراً ذا أبعاد استراتيجية يمكن أن يغير قواعد الاشتباك بين الدول المتداخلة في سوريا.
منظومات دقيقة
والسبت قالت قناة “كان” الإسرائيلية في تقرير، إن الاستهداف الأخير لمطار دمشق الدولي “جاء بهدف منع تهريب منظومات دقيقة من إيران إلى حزب الله اللبناني”، مضيفة أن الضربات استهدفت منظومات تقنية متصلة بعمليات تطوير صواريخ “حزب الله”.
وقالت القناة إن “الجيش الإسرائيلي يرجّح وصول تجهيزات وتقنيات من إيران عبر المطار إلى حزب الله”، مرجحة بأن يكون الهدف منها “إنتاج نسخة من الصواريخ تتمتع بدقة وكفاءة عاليتين”، ما دفع بالجيش الاسرائيلي لشنّ الهجوم الأخير على مدرجات المطار.
واستهدفت القوات الاسرائيلية فجر الجمعة، مطار دمشق الدولي برشقات من الصواريخ من فوق الجولان السوري المحتّل، ما أدى إلى خروج المطار عن الخدمة بفعل الضرر الكبير الذي لحق بمدرجات الهبوط والإقلاع، بالإضافة إلى برجي برج الملاحة ورادار المراقبة، الأمر الذي أدى إلى شلل المطار بشكل كامل.
تحول خطير
لكن المحلل العسكري السوري العقيد عبد الباسط الطويل يرى أن استهداف اسرائيل لأبراج الملاحة في المطار يعتبر تطوراً استثنائياً، ويشير بوضوح إلى أن تل أبيب تريد تغيير قواعد اللعبة العسكرية في سوريا.
ويقول في تصريح ل”المدن”: “الضربات الإسرائيلية السابقة استهدفت محيط مطار دمشق أو مرافق خدمية فيه على مدار السنوات الأربع الماضية، وكانت بمثابة عملية استباقية للحد من استخدام إيران المطار لشحن معدات وأجهزة عسكرية خاصة تلك المتعلقة بالبرنامج الصاروخي، لكن في الضربتين الأخيرتين هذا العام نلاحظ تغييراً جوهرياً في الأهداف التي طاولها القصف وفي الغايات المرجوة منهما”.
ويضيف أنه “في 20 أيار/مايو، قصف الجيش الاسرائيلي مدرج المطار الشمالي وأخرجه عن الخدمة، وكان هذا هو التطور الثاني الكبير بعد استهداف ميناء اللاذقية نهاية العام 2021، لكن الهجوم الأخير على المطار يعتبر أبرز ما قامت به تل أبيب لتغيير قواعد الاشتباك حتى الآن”.
وحسب الطويل فإن استهداف أبراج الملاحة ورادارات المراقبة في الضربة الأخيرة “يعني بشكل عملي إخراج المطار من الخدمة لما لا يقل عن عشرة أشهر”، حيث يحتاج إصلاح المعدات والأجهزة التي طاولها القصف لوقت طويل، على عكس إعادة تأهيل المدرجات التي لا يحتاج إصلاحها سوى ساعات.
وكان موقع “اوبتيكس” العسكري المتخصص قد نشر صوراً جوية حديثة السبت، تظهر حجم الضرر الذي لحق بمدرجي المطار بعد استهداف الجنوبي منهما في العملية الأخيرة بثلاثة صواريخ، وهو العدد المماثل من الصواريخ التي طاولت المدرج الشمالي قبل ثلاثة أسابيع.
رسالة أميركية لروسيا
لذلك يرى المحلل السياسي السوري بسام بربندي أن تل أبيب نفذت هذه المرة ما سبق وأن هددت به، وهو إخراج مطار دمشق الدولي عن الخدمة بشكل كامل “لأن روسيا فشلت بالوفاء بتعداتها الخاصة بمنع إيران من استخدام المطار في نقل التقنيات العسكرية المتطورة إلى سوريا” ناهيك عما يتضمنه هذا الهجوم من رسالة أميركية لموسكو تتعلق بملف المساعدات ودخوله إلى سوريا.
ويقول في تصريح ل”المدن”ـ أنه “منذ أن استهدفت القوات الاسرائيلية مدرج المطار في أيار، كان واضحاً أن تل أبيب تتجه لإخراجه من الخدمة بسبب تكثيف الحرس الثوري الإيراني من اعتماده عليه في نقل التقنيات والأجهزة التي تستخدم في تصنيع وتطوير البرنامج الصاروخي الايراني وأنظمة الدفاع الجوي التي تريد طهران استكمال نصبها في سوريا”. لافتاً إلى أن هذا “ما سبق وأن طلبت اسرائيل من روسيا التدخل لوضع حد له، وفق التفاهمات المعمول بها بين الطرفين منذ 2018، لكن من الواضح أن موسكو عاجزة أو لا تريد فعل ذلك”.
بربندي، وهو دبلوماسي سوري سابق في الولايات المتحدة، يضيف أنه “كما كان متوقعاً فإن الإدارة الأميركية لم تمانع هذه العملية العسكرية رغم ما تمثله من تصعيد كبير وتحول خطير في قواعد الاشتباك المطبقة في سوريا بين الدول المتدخلة”، معتبراً أن “هذا الضوء الأخضر الأميركي لا يتعلق فقط بتفهم لمخاوف إسرائيل العسكرية، بل ويتضمن أيضاً تحذيراً شديد اللهجة تجاه الروس الذين هددوا بالتصويت في مجلس الأمن ضد تمديد دخول المساعدات الانسانية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الشمال من خلال معبر باب الهوى”.
ويؤكد بربندي أن واشنطن تريد أن تقول لموسكو بوضوح أن “استخدام حق النقض الفيتو ضد استمرار تدفق المساعدات للشمال سيعني وقف تدفق المساعدات إلى مناطق سيطرة النظام أيضاً، حيث يعتبر مطار دمشق الشريان الرئيسي والمنفذ الأساس لنقل الاموال والمواد التي يسمح بدخولها إلى سوريا التي تخضع لعقوبات غربية قاسية”.
مطار حلب كبديل
وكانت مصادر خاصة قد أكدت ل”المدن”، أن إيران وروسيا قد بدأتا العمل منذ أيار، على تجهيز مطار حلب الدولي ليكون بديلاً عن مطار دمشق بسبب توقعاتهما لهذا التطور.
لكن العقيد عبد الباسط الطويل، المنشق عن سلاح الجو في جيش النظام، يرى أن الانتقال لمطار حلب يمكن أن يعوض مطار دمشق على صعيد الرحلات المدنية ونقل المساعدات والأموال، لكن من حيث الحاجة العسكرية فإنه لا يحل سوى جزء من المشكلة الإيرانية.
ويضيف تعليقاً على هذه النقطة، أن “إسرائيل مهتمة بالدرجة الأولى بالوجود العسكري الإيراني في جنوب سوريا، وبما أن مطار حلب يقع في الشمال، فإن عملية نقل المعدات والتجهيزات العسكرية الإيرانية من حلب إلى دمشق يتطلب وقتاً أطول وجهداً وتكاليف أكبر في ظل الظروف الأمنية التي تشهدها البلاد حالياً، كما يمنح تل أبيب أريحية في المراقبة والتحضير والاستهداف”.
بعد قصف ميناء اللاذقية وجعله خارج متناول الاستخدام الايراني في نقل التجهيزات العسكرية إلى سوريا، والتي تقول إسرائيل إنها تمثل تهديداً لأمنها، تتمكن تل أبيب من إخراج مطار دمشق الدولي عن الخدمة أيضاً عقب تحوله إلى ممر رئيسي ووحيد من أجل نقل هذه التجهيزات، وخاصة الدقيقة منها، كما يمثل ضربة قوية لجهود روسيا في توسيع وزيادة المساعدات التي تريد أن تتدفق على النظام، ما يعتبر تحولاً جوهرياً ونقلة خطيرة على رقعة اللعب الجاري في سوريا بين الدول المتدخلة في الصراع.
المصدر: المدن