ثورة تشرين تطرق الأبواب

عوني القلمجي

إذا كان هناك سبب او أكثر لقيام ثورة في بلد ما، مثل وجود نظام دكتاتوري أو عميل، او تعرض الشعب الى اضطهاد اجتماعي او طبقي، فانه يوجد في العراق أكثر من ألف سبب يدعو للثورة. فاذا احصيت مساوئ الحكام في تونس ومصر التي دعت الشعب للثورة، فأنها لا تعادل، او حتى تقترب من مساوئ الحكومات المتعاقبة في العراق.  فبالإضافة الى كونها حكومات مارست ما يفوق مساوئ جميع حكام العالم، فأنها حكومات منصبة من قبل المحتل الأمريكي ووصيفه الإيراني، وتعمل على تنفيذ مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا.

فعلى الصعيد السياسي، فان هذه الحكومة قامت على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية، وممارسة الاضطهاد والقمع والتغييب القسري والقتل والتهجير واثارة النعرات الطائفية واحداث شروخ في المجتمع والسماح للمليشيات المسلحة بممارسة جميع أنواع الجرائم وارتكاب المحرمات. وعلى المستوى الاقتصادي، فان الشعب العراقي يعيش في ضائقة اقتصادية أدت الى مزيد من العاطلين عن العمل والى الفقر الشديد. كما أدى تدمير البنى التحتية الى حرمان قطاعات واسعة من الشعب العراقي من ابسط مقومات الحياة الضرورية، كالماء والكهرباء والدواء. ناهيك عن الفساد المالي والإداري وسرقة المال العام وتبديد الثروات الخ. اما الجوانب الصحية والتعليمية والأمنية، فقد عم الخراب والدمار في كل ركن من أركانها، الى درجة أن العراق اليوم في ذيل قائمة الدولة الأكثر تخلفا في العالم.

نطرق هذا الباب بسبب تصاعد حدة الاستياء الشعبي، الذي بلغ حد الانفجار. فبعد مضى أكثر من ثمانية أشهر على اجراء الانتخابات التي قاطعها أكثر من تسعين بالمائة من العراقيين، ما زالت الأحزاب الفاسدة تخوض صراعات يومية حول تقاسم الحصص وتوزيع المناصب والاموال. فمقتدى الصدر، الفائز الأول بالانتخابات، يريد الاستيلاء على الحصة الأكبر من الكعكة العراقية على حد تعبيرهم. في حين يرفض خصومه في الإطار التنسيقي، تقديم أي تنازل مهما كان متواضعا، يمس مكتسباتهم من السحت الحرام. الامر الذي سيدفع العراقيين الى القيام بثورة جديدة، اشد قوة وفاعلية من ثورة تشرين وليست نسخة منها. بل ستمثل قفزة نوعية، سواء من حيث طبيعة قياداتها او برنامجها السياسي او الية ادارتها. إضافة الى اتساع نطاقها جغرافيا واجتماعيا وسياسيا. ولا أذيع سرا بان ثوار تشرين قد استغلوا فترة التراجع وقاموا بعملية إعادة الحسابات وتصحيح المسار والتفكير الجدي بتطوير وسائل الكفاح، بما يمكنهم من انتزاع حقوق الشعب كاملة غير منقوصة، بفترة أقصر وبتضحيات اقل.

بوضوح أكثر، فان ثوار تشرين سيضعون الفعل المسلح جنبا الى جنب مع وسائل النضال الأخرى. حيث لم يعد هناك أدني شك بان الانتفاضة السلمية لوحدها لم تعد نافعة. في حين ان شعارات الثورة ستقتصر على شعار مركزي، ينحصر بأسقاط العملية السياسية بحكومتها وبرلمانها ودستورها دفعة واحدة، بعد ان تمكن الأشرار من الالتفاف على مطالب الثورة السلمية، من قبيل تشكيل حكومة مؤقتة او الشروع بانتخابات مبكرة وفق قانون جديد، او تعديل الدستور، او تشكيل حكومة وطنية بعيدة عن المحاصصة الطائفية. حيث تمكن هؤلاء الأشرار من الالتفاف على هذه المطالب، بأجراء تعديلات شكلية لا تستحق الذكر. وهذا ما يفسر لجوء الحكومة واحزابها وميلشياتها المسلحة، لعرض مسرحيات جديدة لامتصاص حالة الاستياء العامة، كتلك المسرحية التي يجري عرضها في الوقت الحاضر. مرة تحت عنوان تشكيل حكومة اغلبية وطنية بعيدة عن خلطة العطار كما يقول الكذاب الاشر مقتدى الصدر، ومرة بإصدار قوانين مثل القانون الطارئ لدعم الامن الغذائي او قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، او اصدار قرارات قضائية تعزز من سيطرة الدولة على الثروة النفطية الى اخر هذه الأكاذيب المفضوحة.

ان ادراج خيار السلاح في حسابات الثوار، الى جانب وسائل النضال الأخرى، حق مشروع للشعوب في مواجهة المحتل وعملائه. وهذه ليست دعوة للاقتتال بين فئات الشعب العراقي، كما يروج أعداء الثورة، وعلى وجه الخصوص الاعلام الحكومي، وانما هي دعوة لنيل المطالب المشروعة للناس. هذا الحق كفلته القوانين السماوية والوضعية. واي اعتراض على هذا الحق عبر وسائل الخداع والتضليل، من قبيل تجنب اراقة الدماء، هي اعتراضات باطلة، او في أحسن الاحوال كلمة حق يراد بها باطل. فدماء العراقيين ستظل تسيل بوسائل متعددة في حال استمرار هذه العصابة بالحكم. والشعب العراقي ليس الوحيد بين شعوب العالم الذي فرض عليه القدر ان ينال حقوقه المشروعة مقابل ثمن باهظ. خاصة وان هذا الثمن يعادل عودة الوطن الى اهله وادارته من قبل ابنائه المخلصين، لتتحقق في ظله العدالة والمساواة وفق مبادئ المواطنة وتكافؤ الفرص وانهاء الاستغلال واعطاء كل ذي حق حقه، بصرف النظر عن دينه او مذهبه او عرقه او طائفته. إضافة الى توظيف ثروات العراق وخيراته وطاقاته وامكاناته لصالح اجياله حاضرا ومستقبلا.

ان توجه الثوار الى اعتماد الفعل المسلح، فرضته طبيعة الصراع بين الثورة والسلطة، واعتباره صراعا تناحرياً او صراع وجود. حيث يتقدم فيه النضال المسلح على الوسائل النضالية الأخرى. خاصة وان ثورة تشرين قد مارست النضال السلمي، وتمسكت به، على الرغم من استخدام القوة العسكرية ضدها سواء من قبل قوات الحكومة او المليشيات المسلحة او الحرس الثوري الايراني، وعلى الرغم من تقديم أكثر من ألف شهيد وثلاثين ألف جريح. أي ان الحكومات المتعاقبة، سواء كان ولاؤها لأمريكا او إيران او كليهما، وسواء كانت من هذه الطائفة او تلك، من هذا الدين او ذاك من هذه القومية او تلك، لن تتنازل عن السلطة سلميا، ولن تحقق مطالب الثوار طواعية.  فالاستجابة لهذه المطالب تعني سقوط الحكومة ووضع اعضائها خلف القضبان.

ان لجات الثورة لخيار السلاح، فهذا يعني باننا سنشهد ثورة من نوع اخر تحمل في يد غصن الزيتون وفي الاخرى السلاح. وعنوانها كما عبر أحد قادتها، اما استعادة الوطن المنهوب او الشهادة. ومما يعزز من فرص نجاح الثورة بعلمها الأحمر، استنادها الى تاريخ عريق من نضالات العراقيين المسلحة، وكان اخرها المقاومة المسلحة ضد قوات الاحتلال الأمريكي، وإلحاق الهزيمة النكراء بها. وخاصة في مدينة الفلوجة البطلة. بمعنى اخر فإن هذه الثورة المرتقبة، لن تكون منفصلة عن تاريخ الشعب العراقي الرافض على الدوام استلاب حقوقه المشروعة والمستعد للقتال من اجل استعادتها، وانما ستكون حلقة أخرى تضاف الى تلك السلسلة من الثورات الشعبية التي قام بها العراقيون.  ومما يعزز فرص نجاح الثورة، ان هؤلاء الأشرار مصرون على رفض اي إصلاح يمس ولو شعرة من راسهم، او يهدد مكسبا من مكاسبهم، او يهز ركنا من مواقعهم، ناهيك، وهذا هو المهم، بانه لا يلوح في الافق اي توجه من قبل هؤلاء الاشرار ولا من قبل اسيادهم المحتلين للقبول بالإصلاحات التي تسعى الثورة الى تحقيقها. لان ذلك يعني بالضرورة الغاء كامل الأسس التي اعتمدها المحتل الأمريكي ووصيفه الإيراني، في عملية إعادة صياغة العراق دولة ومجتمعا، وفق محاصصة طائفية وعرقية ودستور ملغوم وانتخابات مزورة وفساد مالي واداري وسرقة ورشوة الخ. وهذه بمجموعها هي الشروط التي لا غنى عنها لاستمرار الاشرار في السلطة من جهة، ومواصلة أمريكا احتلالها للعراق وتكريس مشروعها الغادر الى امد غير منظور من جهة أخرى.

لكن هذا ليس كامل الصورة، فقدر الاحتلال ان يزول. خاصة وان جميع الوطنيين العراقيين المعادين للاحتلال ولعمليته السياسية والحكومات التي نصبها المحتل، لن يقفوا مكتوفي الايدي بانتظار ما يملى عليهم. وانما سيأخذون بيد الثورة ويتقدمون صفوفها ويساهمون في رسم اهدافها السياسية. في حين سترغم الثورة جميع الذي يتاجرون باسمها او يحاولون ركوب موجتها على التخلي عن هذه المحاولات البائسة. اما أصحاب النوايا الحسنة الذين يعقدون المؤتمرات بأسلوب يسئ لثورة تشرين، سيكتشفون خطا هذه التوجهات ومن ثم الكف عنها، والالتحاق بصفوف الثوار والالتفاف حولها وتقديم كل الدعم والاسناد لها. وهذا سيؤدي الى تعميق الوحدة الوطنية واشاعة روح الثورة والتأكيد على حقها المشروع باستخدام كل الوسائل وفي المقدمة منها الفعل المسلح. وبالتالي ستضمن الثورة سياجا يحميها من الانتهازيين والوصوليين الذي يحاولون ركوب موجتها لتحقيق مكاسب فئوية او حزبية.

لقد اثبتت الوقائع والاحداث طيلة سنين الاحتلال العجاف، بان هذه الحكومات التي قادها على التوالي، اياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي ومن بعده حيدر العبادي ثم عادل عبد المهدي وأخيرا مصطفى الكاظمي، لم تستجب لمطالب الشعب العراقي المشروعة، بل لجاوا جميعا بدلا عن ذلك الى توجيه الاتهامات الى المنتفضين ووصفهم بفلول النظام السابق وحزب البعث تارة، وبالمأجورين من قبل دول عربية او خليجية تارة أخرى، لينتهوا الى استخدام جميع الوسائل، ومنها استخدام القوة العسكرية للقضاء على الثورات في مهدها. اما الإجراءات الاصلاحية الشكلية التي قام بها بعض هؤلاء الأشرار، مثل حيدر العبادي ومصطفى الكاظمي فان الهدف منها كان الخداع والتضليل للالتفاف على الثورة.

ان الحديث عن الثورة المرتقبة في هذا الوقت بالذات والتذكير بمناقبها يعزز ثقة الناس بها، خاصة ونحن نواجه هجمة اعلامية شرسة تقودها اصوات حاقدة واصحاب اجندات ذاتية وفئوية على حد سواء، تحاول النيل من الثورة والتقليل من شانها، بل اعتبار ثورة تشرين تجربة مضى عليها الزمن وتجاوزتها الاحداث، وان العودة اليها لا تجدي نفعا، في محاولة بائسة لأقناع الناس بعدم جدوى الثورات الشعبية، وانه آن الاوان لاعتماد النضال السياسي ضمن إطار العملية السياسية الاحتلالية. لكن شعبنا في العراق بات على يقين بان لا طريق لتحقيق مطالب الثورة، الا بأسقاط العملية السياسية برمتها ودفعة واحدة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى