يواصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جولاته الدبلوماسية في المنطقة وخارجها، حيث اجتمع مؤخراً مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، إذ تعتبر روسيا موقف الدول العربية متزناً بصفة عامة. ويطير لافروف إلى تركيا في 8 يونيو (حزيران) الحالي، وذلك لبحث عدد من البنود المزمع مناقشتها، وسيكون الوضع في أوكرانيا وسوريا على رأس جدول الأعمال. وفي واقع الأمر، فإن هذه القضايا مترابطة بصورة ما الآن.
وتستمر الحرب في أوكرانيا، مع قدر من التقدم الروسي والمقاومة الشرسة من الجانب الأوكراني. وصرح الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي في مقابلة، بأنهم مستمرون في القتال، لكن إنهاء الحرب لا يمكن التوصل إليه إلا على مائدة المفاوضات. وهذا التصريح صحيح ويعطي أملاً، غير أن كلا الجانبين يسعى للجلوس إلى المائدة بصفته الطرف الأقوى.
وتعتبر أزمة الغذاء من بين أهم القضايا ذات الصلة بالحرب الأوكرانية. وبرغم اختلاف الإحصاءات، لكن الحقيقة الراسخة هي أن الحبوب القادمة من أوكرانيا وروسيا تشكل جزءاً مهماً من إمدادات الحبوب في العالم. ويعاني العديد من البلدان، لا سيما في الشرق الأوسط وأفريقيا، من تبعات نقص إمدادات الحبوب. وهناك ملايين الأطنان من الحبوب قابعة في الصوامع الأوكرانية، ويتعذر تصديرها بسبب الحصار الروسي والظروف الأمنية، بما في ذلك الألغام المنتشرة في البحر الأسود. والجهود جارية على قدم وساق لوضع خطة أو آلية تسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية. والهدف من وراء ذلك فتح ممر آمن يمكن من خلاله تحميل الحبوب على السفن، ثم نقلها إلى وجهاتها من دون تعرضها للاستهداف. وهناك عدد لا بأس به من المسائل الواجب معالجتها، بما في ذلك طرق الدفع. ثم هناك مشكلة الثقة. ويخشى الأوكرانيون أن تستغل روسيا هذا الأمر بُغية الاستيلاء على أوديسا.
وباعتبارها إحدى دول البحر الأسود، والدولة التي تسيطر على المضائق (المضائق التركية)، فإن تركيا جزء لا يتجزأ من الصورة. وصرح وزير خارجيتها لوسائل الإعلام، الأسبوع الماضي، بأن بلاده تتحدَّث مع روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة لتسهيل الجهود الرامية لإخراج الحبوب من أوكرانيا.
من جهة أخرى، ذكر بوتين يوم الجمعة الماضي أن أزمة الغذاء العالمية مصطنعة. وقال إن الحبوب المعنية يمكن تصديرها عن طريق بيلاروسيا، لكنه أضاف أنه لتحقيق ذلك لا بد من رفع العقوبات المفروضة على بيلاروسيا أولاً. وأدلى رئيس بيلاروسيا من جانبه، ببيان يحمل المعنى نفسه. ومن الصعب الجزم بكيفية ملاءمة أفكار بوتين مع الجهود المذكورة آنفاً التي تبذلها الأمم المتحدة للتوصل إلى خطة للتعامل مع الأزمة.
وتُلحق العقوبات الضرر بروسيا، لكن بوتين لا يستسلم، ويحاول عكس الموقف بمختلف الأساليب، إذ تهدف روسيا إلى جعل الطرف الآخر يشعر وكأن العقوبات تنقلب عليه، كما يهدف إلى خلق احتكاكات بين أطراف المعسكر المقابل. ويمكن النظر، ضمن هذا الإطار، إلى الصعوبات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في فرض العقوبات على واردات النفط الروسية، والمعارضة الهنغارية القائمة.
والقضية السورية من القضايا الأخرى المزمع طرحها للمناقشة خلال زيارة لافروف إلى تركيا. وقد أشار الرئيس التركي إلى أن المنظمات الإرهابية، على الجانب الآخر من الحدود في شمال سوريا، تشكل تهديداً. وتهدف تركيا إلى تطهير هذه المناطق، حتى إن إردوغان حدد الأهداف: تل رفعت، ومنبج. وهذا ليس بالأمر المعتاد، إذ إنه يُنذر هؤلاء أولاً، مع منحه مهلة للاستعداد. والمناطق المذكورة تقع خارج نطاق العمليات التي جرت في السنوات الماضية، وتخضع لسيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية. والقوات الروسية، والأميركية، والإيرانية، وقوات نظام الأسد، موجودة «في هذه المناطق وحولها وفي جوارها».
وفي سوريا، تملك روسيا قواعد عسكرية وأعداداً غير معروفة (تقدر بنحو 30 إلى 40 ألفاً) من الجنود، من ضمنهم شيشان، الذين يعمل معظمهم كشرطة عسكرية، فضلاً عن مرتزقة شركة «فاغنر». وكما أشرت من قبل، فإن الروس ربما يعيدون التموضع في سوريا، أو يعيدون تمركز بعض القوات والمعدات بسحبها إلى أوكرانيا، ولكنَّهم بكل تأكيد لا يتخلون عن مواقعهم أو ينسحبون منها. لقد أصبحت سوريا مهمة للغاية بالنسبة لروسيا. وما لم يحدث أمر خطير للغاية، فإن روسيا سوف تواصل البقاء في سوريا، بصورة أو بأخرى. وحيثما تعيد روسيا نشر قواتها وتوجيهها نحو أماكن أخرى، فإن إيران والميليشيات المتحالفة معها تتحرك كذلك. فهي لا تحتل ولا تنتزع المواقع الروسية، وإنما تدخلها في إطار التفاهمات أو الاتفاقات بين البلدين المعنيين ونظام الأسد.
وفي الصورة الأكبر، تواصل إيران اتباع سياسة النفوذ والتوسع المعهودة في جميع أنحاء المنطقة، عبر مختلف السبل والوسائل، ما يؤدي إلى عدم الارتياح في العديد من البلدان. وفي الأيام أو الأسابيع المقبلة، يبدو أن نوعاً من العمليات التركية الموجهة ضد «وحدات حماية الشعب» أمر لا محيد عنه. وهناك من يزعم بأن العملية ستكون شاملة، بينما يتوقع آخرون عملية محدودة النطاق، في أماكن أقل عُرضة بكثير للتسبب في أي احتكاك مع قوات بلدان أخرى في المنطقة.
لا بد من الإشارة إلى أمرين: أولاً، لا يمكن تجاهل حقيقة أن روسيا لا تزال تسيطر على المجال الجوي في سوريا. ثانياً، سترحب روسيا بشدة بالعملية التركية التي ستؤدى إلى خلافات جديدة بين حلفاء «الناتو».
في ظل هذه الخلفية، ووجود مجموعة متنوعة من القضايا التي يمكن أن تخضع للأخذ والعطاء، سوف تكون زيارة لافروف مثيرة للاهتمام والمتابعة.
المصدر: الشرق الأوسط