تؤكد النتائج التي خرج بها مجلس الأمن القومي التركي، مساء أول من أمس الخميس، أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان قد أخذت الضوء الأخضر من كافة السلطات التركية لتنفيذ عمل عسكري في شمال وشرق سورية. لكن موعد إطلاق هذه العملية لا يبدو أنه بات نهائياً، في ظل رفض دولي لها، وهو ما قد يكون سبباً في خفض حدة تصريحات الحكومة التركية حيال البدء بالعملية العسكرية في اليومين الماضيين.
وترى تركيا أن العملية حاجة ملحّة للأمن القومي، لسببين؛ الأول يتعلق بحماية حدودها الجنوبية والمحاذية لسورية في ظل انتشار المجموعات الكردية وتحديداً “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، فيما يكمن السبب الثاني في رغبة أردوغان بإعادة مليون لاجئ سوري من بلاده إلى شمال سورية، أو المنطقة الآمنة التي يريد إنشاءها هناك بتوسيع نطاق النفوذ والسيطرة التركية مع المعارضة في الشمال.
وكلا السببين، أو نتائجهما، سيعززان موقع أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” خلال الانتخابات التركية في صيف العام المقبل، لا سيما في ظل وجود احتقان في الشارع التركي من طول أمد الأزمة السورية وبقاء اللاجئين السوريين في البلاد، وأيضاً ما سببته الحرب من تهديدات أمنية على الحدود.
وفي حين وجدت حكومة أردوغان في طلب كل من فنلندا والسويد الانضمام لحلف شمال الأطلسي فرصة لبازار سياسي جديد قد تستخدمه على طاولة التفاوض لتكريس وفرض المنطقة الآمنة قبل إعطاء الموافقة على انضمام البلدين، تبدو العملية بانتظار موافقة من واشنطن التي لا تزال تتحفظ عليها حتى الساعة.
العملية العسكرية التركية تبدأ من غرب الفرات
وذكرت قناة “خبر تورك” التركية، أمس الجمعة، أن 90 في المائة من التحضيرات للعملية العسكرية التركية قد اكتملت، وإطلاقها ينتظر قرار أردوغان، موضحة أن مرحلتها الأولى ستنحصر في غرب الفرات وستكون تحديداً في منطقة تل رفعت، وأضافت أن الأهداف اللاحقة هي عين عيسى ومنبج، فوضع منطقة شرق الفرات لا يزال معقداً ويحتاج لتحضيرات ولقاءات سياسية.
وكان مجلس الأمن القومي التركي قد أكد، إثر اجتماعه مساء الخميس برئاسة أردوغان، أن “العمليات العسكرية الجارية حالياً على الحدود الجنوبية للبلاد والأخرى التي ستُنفذ، ضرورة للأمن القومي، وأنها لا تستهدف سيادة دول الجوار”.
وشدد المجلس، وفق بيان، على أن “أنقرة التزمت دائماً بروح وقانون التحالفات الدولية، وتنتظر المسؤولية والصدق نفسيهما من حلفائها”، وأضاف: “وجهنا دعوة للدول التي تنتهك القانون الدولي بدعم الإرهاب للتخلي عن موقفها والأخذ بعين الاعتبار مخاوف تركيا الأمنية”.
وأوضح البيان أن “العمليات التي ستُنفذ على الحدود الجنوبية هي لتطهير المنطقة من الإرهاب ولا تستهدف بأي حال من الأحوال سلامة وسيادة دول الجوار”.
رفض أميركي للعملية العسكرية التركية
لكن مصدراً إعلامياً تركياً مقرباً من الحكومة التركية، كشف لـ”العربي الجديد”، عن معلومات تسربت عن لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، بمسؤولين أميركيين خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، وأشار إلى أن الوزير التركي “طلب الموافقة الأميركية على البدء بتنفيذ العملية، لكنه لاقى رفضاً أميركياً قاطعاً”.
وذكر المصدر أن المسؤولين الأميركيين “اقترحوا على جاووش أغلو دخول الأتراك إلى مناطق أخرى من دون قتال، وذلك لإنشاء المنطقة الآمنة عليها وإعادة اللاجئين السوريين إليها، غير أن المقترح قوبل برفض تركي”.
ولفت المصدر إلى أن “تركيا ألقت الكرة في الملعب الدولي والغربي بانتظار استثمار التبعات سياسياً”، مشيراً إلى أن “إصرار أنقرة على تنفيذ العملية من دون الموافقة الأميركية، ستكون نتائجه كارثية على أردوغان، لأن الحسابات مختلفة، لا سيما أن الإدارة الأميركية حالياً بيد الديمقراطيين، وهذا يختلف عما كان عليه في عهد الجمهوريين”.
استثمار العملية العسكرية التركية بشمال سورية انتخابياً
من جهته، رأى الصحافي والمحلل السياسي التركي هشام غوناي أن العملية العسكرية التي يجري التحضير لها من قبل الحكومة لها أبعاد سياسية، داخلية وخارجية، وأوضح في حديث مع “العربي الجديد”، أن “حكومة العدالة والتنمية استثمرت العمليات السابقة بشمال سورية في الدعاية الانتخابية لكسب الأصوات في الانتخابات المختلفة الماضية، ونحن مقبلون على انتخابات جديدة في العام المقبل، ويريد العدالة والتنمية وحكومته الحالية تحريك المشاعر القومية التركية في الشارع لكسب الأصوات”.
أما الأبعاد الخارجية، فيلخصها غوناي بـ”منع قيام كيان كردي على الحدود مع تركيا وحماية الأمن القومي التركي من ذلك”.
وأشار غوناي إلى أن “أنقرة سيطرت من خلال العمليات السابقة بشمال سورية على مساحات تقع اليوم تحت نفوذها مع المعارضة السورية، وتريد توسيع هذه المناطق من خلال السيطرة على مساحات جديدة لا تزال تحت سيطرة الوحدات الكردية، وذلك لوصل المناطق بعضها ببعض وإقامة منطقة آمنة في شمال سورية يعود إليها اللاجئون من تركيا”.
وحول الظروف الدولية المحيطة بهذه التطورات، لفت غوناي إلى أن “إدارة بايدن تبدو أكثر حزماً من سابقتها لجهة عدم الموافقة على العملية”، مشيراً إلى أن “لدى أردوغان وحكومته ورقة الموافقة على انضمام فنلندا والسويد للمساومة بها”، لكنه رجح أن “ينتهي الأمر بحلول وسطية من خلال لجوء أردوغان للقيام بعمل محدود النطاق، وليس واسعاً على غرار العمليات السابقة”.
المعارضة السورية جاهزة للانخراط بالعملية التركية
أما القيادي في المعارضة السورية العميد فاتح حسون، فأشار في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “القرار الرئيسي بتنفيذ العملية حصلت عليه الحكومة من خلال موافقة مجلس الأمن القومي التركي، وما تبقّى هو تقرير ساعة الصفر من قبل المسؤولين العسكريين”.
غير أن حسون رجح أن “يتمهل أردوغان في قرار البدء بالعملية لحين سحب موافقة من واشنطن التي تعارض العملية بذريعة تهديد وجود القوات الأميركية في الشمال، والتأثير على مكافحة تنظيم داعش في شرق البلاد، وهي ادعاءات واهية”.
ولفت المتحدث نفسه إلى أن “الحكومة التركية تحتاج لموافقة روسيا أيضاً، نظراً للانتشار الروسي في بعض المواقع التي تستهدف قوات أنقرة دخولها في العملية المقبلة”، وأكد أن قوات “الجيش الوطني” التابعة للمعارضة والقوى الثورية “مستعدة وجاهزة لبدء العملية إلى جانب القوات التركية”، مشيراً إلى أن “المعارضة تنتظر هذه العملية لما تحققه من مصالح مشتركة لها ولتركيا على حد سواء”.
وحول الاعتراض الشعبي في مناطق سيطرة المعارضة، لا سيما في شمال غرب سورية، أي إدلب ومحيطها، وحول اشتراك المعارضة السورية في معارك تحقق المصالح التركية من دون تحقيق مطالب ومصالح السوريين النازحين عن مناطقهم عبر البدء بمعارك لإبعاد قوات النظام والمليشيات المساندة لها عن مدنهم وبلداتهم، قال حسون إن “الحسابات مختلفة، فإدلب ليست ضمن عمق 30 كيلومتراً من حدود تركيا، وهي حدود المنطقة الآمنة التي تنوي تركيا إنشاءها في شمال سورية”.
لكن حسون رجح أن تحصل عمليات “فردية” في إدلب، أي من جهة المعارضة، من دون تدخّل الجيش التركي، مشيراً إلى أن “مناطق التماس في إدلب يوجد فيها انتشار مشترك للمليشيات التي تدعمها إيران وروسيا بالإضافة لقوات النظام، والدخول بعملية عسكرية واسعة هناك من دون تدخل تركي قد يأتي بنتائج غير إيجابية في الظروف الراهنة”.
وأكد حسون أن “المطالب الشعبية محقة، لكن في ظل الظروف الميدانية والإقليمية والدولية الحالية، ستكون العملية في إدلب صعبة، أما في الشمال، والشمال الشرقي، فالإمكانية متاحة لتوسيع سيطرة المعارضة لأن ذلك سيكون بدعم ومساندة تركية”.
المصدر: العربي الجديد