كان الأجدى في السياق الطبيعي أن يكون السؤال (هل يرفض الإنسان العودة إلى وطنه)، إلا أن مآلات الحرب خلال عشر سنوات، وما خلفته من دمار وقتل وتهجير، جعلت الخروج من سوريا حلماً لأغلبية السوريين، كما جعلت في الطرف المقابل العودة إليها -في هذه الظروف- كابوساً يهددهم، لذا يحاولون ما بوسعهم البقاء في بلاد اللجوء، على الرغم مما يعترضهم فيها من مشكلات وضغوطات اقتصادية واجتماعية وعنصرية وغيرها.
يعد السوريون في تركيا أكثر عرضة لهذه العودة، التي تدأب الحكومة التركية وعدد من الأحزاب في تركيا على تسميتها بـ “طوعية”، والتي ستكون -كما صرح بذلك مراراً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان- إلى “المنطقة الآمنة”، وهي المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة، إلا أنه ورغم كل الوعود التركية المتكررة بأن هذه المنطقة سيتوافر فيها كل الخدمات الاجتماعية والتعليمية والأمنية، إلا أننا نجد نسبة كبيرة من السوريين في تركيا لا يرغبون بالعودة إلى “المنطقة الآمنة”.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء الفائت، بعد الاجتماع الحكومي: “نعمل على إنشاء 200 ألف – 250 ألف وحدة سكنية في 13 منطقة على الأراضي السورية بتمويل من المنظمات الإغاثية الدولية، دراسات مؤسساتنا تظهر أن عدد اللاجئين المستعدين للعودة الطوعية إلى سوريا أكثر من مليون بكثير”.
في هذا التقرير نناقش أهم الأسباب التي تمنع السوريين في تركيا من العودة إلى تلك المنطقة.
معوقات أمنية
تتمثل هذه المعوقات في الحالة الأمنية الهشة التي تشهدها المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، إذ تتعرض هذه المناطق بين وقت وآخر للقصف من النظام وروسيا، وذلك على الرغم من كل اتفاقيات خفض التصعيد بين أنقرة وموسكو، كما تتعرض هذه المناطق لقصف قبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، هذا إضافة إلى العبوات الناسفة والسيارات الملغمة التي تضرب المناطق المدنية في تلك المناطق.
ومنذ دخول قرار وقف إطلاق النار بإدلب في آذار 2020 حتى بداية العام الحالي، وثق الدفاع المدني أكثر من 2200 هجوم جوي ومدفعي على الشمال السوري، تسببت تلك الهجمات بمقتل أكثر من 340 شخصاً، من بينهم أكثر من 70 طفلاً، في حين أصيب من جراء تلك الهجمات أكثر من 1000 شخص.
أحمد لاجئ سوري، يعيش في تركيا منذ عام 2016 وهو أب لثلاثة أطفال، يقول: إن السبب الأهم في عدم رغبته بالعودة إلى سوريا في هو خوفه على حياة أطفاله من القصف أو التفجيرات.
ويضيف أحمد: “خوفي على حياتهم من براميل النظام التي كانت تدك الأحياء الشرقية من حلب عام 2016 أجبرتنا على اللجوء إلى تركيا”.
ويرى “عبد الله” وهو سوري يعيش في مدينة إسطنبول التركية أن حالة الفوضى وانتشار السلاح بشكل كبير في تلك المناطق في ظل عدم وجود سلطة مركزية موحدة وقوية، إضافة إلى حالات الاقتتال الفصائلي المتكررة في تلك المناطق تشكل عوامل تحول دون تفكيره بالعودة إلى تلك المناطق.
خطة مجهولة
تفتقر معظم تصريحات المسؤولين الأتراك إلى تفاصيل كافية عن هذه المنطقة، من حيث حدودها واتساعها، وعن وضعها الأمني والسياسي، إلى غير ذلك من الأسئلة التي يلح السوريون في تركيا على معرفتها، قبل التفكير في العودة إلى تلك المنطقة.
“منطقة مجهولة” بهذا التعبير أجاب خالد، وهو سوري يعيش في تركيا من 7 سنوات عند سؤاله عن سبب عدم رغبته بالعيش في “المنطقة الآمنة” في حال تم إنشاؤها.
ويقول خالد: “إن حالة من الغموض مازالت تحيط بهذه المنطقة، من حيث مساحتها، ومستقبلها، وهل ستشمل مناطق شمالي حلب فقط، أم قد تمتد إلى بعض مناطق إدلب، وكيف ستكون طبيعة البناء فيها، هل ستكون (كرفانات) مسبقة الصنع، أم منازل إسمنتية.
ويضيف خالد: هل ستكون هذه المنطقة تحت حماية أممية دولية، أم ستكون بحماية مشتركة بين الدول الراعية للملف السوري (تركيا- روسيا- إيران). إذ يؤكد خالد أننا “نحن السوريين لانثق بأي ضمانات تقدمها روسيا أو إيران، بسبب دورهما في قتل وتهجير الشعب السوري”.
معوقات اقتصادية
تتمثل هذه المعوقات في قلة فرص العمل، وانتشار البطالة بشكل كبير بين فئة الشباب في مناطق شمالي سوريا، حيث أفاد تقرير لمنظمة الدفاع المدني السوري الصادر بتاريخ 25 مايو/ أيار أن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، من جراء التهجير والتدمير الممنهج للبنية التحتية من قبل النظام وروسيا.
من ناحيته أصدر فريق “منسقو استجابة سوريا” من خلال استبيان أعده ونشر نتائجه في فبراير/ شباط عام 2021 بأن نسبة العاطلين عن العمل في مناطق شمال غربي سوريا بلغت 89%، وأضاف الاستبيان أن نسبة 11% فقط من الذين شملهم الاستبيان يعملون.
يقول الخبير الاقتصادي حيان أبو رشيد لموقع تلفزيون سوريا: إن هذه المنطقة تفتقر إلى المشاريع الاقتصادية والتنموية بشكل عام، لأسباب أمنية وأسباب تتعلق بالبنية التحتية اللازمة لهذه المشاريع، إضافة إلى قلة أو ندرة المواد الخام في مناطق الشمال السوري، والتي يضطر أصحاب المشاريع إلى الحصول عليها عن طريق الشحن البري من تركيا، هذه العوامل وغيرها تساهم في قلة هذه المشاريع، وبالتالي تؤدي إلى ازدياد نسبة البطالة والفقر في المناطق المحررة”.
أمام هذا الواقع يقول محمد الذي يعمل في مجال صناعة الألبسة في مدينة غازي عينتاب التركية منذ 3 سنوات: “إنني شاب أطمح للعمل من أجل تأمين مستقبلي، وهذا الأمر متاح جداً في تركيا، بينما سيكون صعب جداً في حال العودة إلى سوريا، ضمن مشروع “المنطقة الآمنة”.
وعند سؤالنا له عن إنشاء عدة مدن صناعية في (مدينة الراعي والباب وجرابلس) أجاب محمد: إن هذه المشاريع لم تنجح حتى الآن في خلق فرص عمل حقيقية للشباب في تلك المناطق، كما أن الكثافة السكانية في تلك المناطق، التي يشكل فيها عنصر الشباب النسبة الأكبر، تحتاج إلى مشاريع اقتصادية أكبر، تكون مدعومة من جهات ومنظمات دولية.
حياة مستقرة في تركيا
ساهمت الفترة الزمنية الطويلة للوجود السوري في تركيا، والتي امتدت لـ 11 عاماً إلى تأسيس نوع من الاستقرار في البلاد، إذ كان للجانب الاقتصادي والخدمي (المياه – الكهرباء- المواصلات – المستشفيات و..) والتعليمي الذي يتمتع به السوريون في تركيا دور كبير في هذا الاستقرار، إضافة إلى أن هذه الفترة الطويلة شهدت نشوء جيل من السوريين تأقلم على الحياة في بلاد اللجوء بشكل عام وفي تركيا بشكل خاص، هذا الجيل قد يصعب عليه العيش في سوريا.
وهذا ما أكده جمال مامو وهو صحفي سوري يعيش في مدينة إسطنبول منذ 10 سنوات في حديثه لموقع تلفزيون سوريا من “أن هذه الفترة شهدت نشوء جيل جديد من السوريين في تركيا، تربوا في بيئات ومناخات مختلفة قيمياً وثقافياً عن بيئة آبائهم في سوريا، ووصلوا إلى مستويات دراسية عليا، لذا من الصعب جداً على هؤلاء العودة للعيش في الداخل السوري”.
وعندنا سؤالنا عن رغبته في العودة إلى المنطقة الآمنة التي تنوي تركيا إقامتها، أجاب “مامو”: أنا كشخص قد أعود إلى تلك المنطقة، ولكن حرصي على مستقبل أولادي، ورغبتي في إكمال دراستهم تضطرني للبقاء معهم في تركيا، وهذا حال كثير من الأسر السورية في تركيا”.
العودة يجب أن تكون إلى الموطن الأصلي
كان حلم السوريين في بداية الثورة العيش في سوريا آمنة وموحدة بكل جغرافيتها، وطوائفها، ولكن مع طرح مشروع العودة الآمنة يخشى كثير منهم أن يفقدوا حلم العودة إلى منازلهم وبلداتهم التي دمرها النظام وروسيا، وأن يقتصر الحلم على منطقة جغرافية صغيرة من سوريا.
“أريد العودة إلى قريتي ومنزلي”. بهذه العبارة أجاب يامن الشاب السوري الذي يعيش في تركيا منذ العام 2015، ويضيف يامن: “أنا مع العودة إلى سوريا، ولكنني أريد العودة إلى منزلي وبلدتي في ريف دمشق، ولا أريد العيش في منطقة جغرافية محصورة على الحدود”.
وقال رائد الصالح مدير منظمة الدفاع المدني السوري في لقاء خاص مع موقع تلفزيون سوريا: “عند الحديث عن سوريا لا يمكن النظر إليها إلا كجزء واحد، صحيح أن الواقع على الأرض حالياً مختلف لكن بالنهاية سوريا هي دولة واحدة ولا يمكن القبول بأي شيء يخالف ذلك، والتعامل مع عودة اللاجئين من ثم ينطلق من مبدأين أساسيين، الأول يرتبط بسبب هجرة السكان بالأصل، والثاني بالعودة للمكان الذي ينتمي إليه المهجر (المدينة أو البلدة أو القرية نفسها) أي عودته لمنزله وأرضه”.
وكان الرئيس التركي أردوغان كشف في وقت سابق عن تحضير بلاده لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري إلى بلادهم، موضحاً أن “المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، في 13 منطقة، على رأسها اعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق”، وأضاف أردوغان في اجتماع للحكومة يوم الإثنين 23 مايو/ أيار أن “بلاده ستبدأ باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة في عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية مع سوريا”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا