التضامن مع اللاعب السنغالي إدريسا غالي الذي أدعو إليه هو بمثابة فريضة دينية وفريضة حضارية ووطنية، ومن شأن هذا التضامن أن يكون عنوان لصحوة الضمير، ولإدراك بعض جوانب ما يحاك للأمة العربية والإسلامية، بل ما يحاك للمجتمع الإنساني كله.
قضية هذا النجم الكروي، نجم فريق نادي باريس سان جرمان أنه رفض أن يكون مطية لتمرير مفاهيم المثلية والشذوذ الجنسي. واختار لرفضه أقل الوسائل صخبا، فلم يفعل إلا أن ألزم نفسه، فقط نفسه، بأن لا يشارك بتمرير هذه المفاهيم من خلال عدم المشاركة في مباراة ناديه ضد نادي مونبيليه. وقد طلب من اللاعبين أن يرتدوا فيها قمصانا تحمل ألوان علم الشواذ ” قوس قزح”، وغاب عن المباراة حتى دون أن يثير هو نفسه أي ضجة.
لكن هذا الموقف لم يعجب أولئك الذين يروجون لهذه المفاهيم، وبدأوا حملة ضارية عليه، باعتباره فيما قام به يقف موقفا عنصريا، معارضا لمجتمع الشواذ “مجتمع الميم”، وهذا ما لا يجوز السماح به، وذهب بعضهم إلى مطالبته بالتبرؤ من هذا الموقف أو من هذا التفسير لموقفه، وذلك من خلال قيامه بنشر صورة له مرتديا هذا القميص .
القضية هنا ليست شخصية ، وليست بسيطة ، إنها تختصر وبدقة منهج المسيطرين على المؤسسات الرياضية الدولية ذات الشأن، الذين جعلوا من مهامهم تسييد القيم والأفكار والأخلاق المعادية للفطرة الإنسانية، وبالتالي المعادية للأديان وقيمها الأخلاقية.
الحادث يجعلنا نسترجع الضجة التي أقامها هؤلاء بشأن سماح أو عدم سماح دولة قطر بدخول الشواذ البلاد أثناء فعاليات كأس العالم لكرة القدم. وكذلك رفع أعلامهم خلال هذه الفعاليات، وتتعرض قطر لضغوط متعددة الحوانب من أجل فتح الأبواب لتواجد هؤلاء دون أي عقبات في هذه الفعاليات.
مهم أن ننتبه إلى خطورة ومعاني هذا السلوك وهذه الجهود لفرض مثل هذه القيم على المجتمع الانساني كله.
إنهم يريدون أن يسيدوا قيما واحدة في العالم كله، ويعتبرون هذه القيم هي الحاكمة، وهي المعتمدة في الحكم على مكانة الأشخاص والفعاليات والمجتمعات، وهذا يمثل في حقيقته قمة القهر الفكري والأخلاقي الذي تمارسه “العولمة” التي يراد تمريرها، وهذا ما كنا نقاومه سابقا اقتصاديا واجتماعيا من خلال المفاهيم المؤسسة لحركة عدم الانحياز.
يجب الوقوف بشدة وحزم في مواجهة كل هذه المحاولات.
لقد أشار الأزهر الشريف في تعليقه على هذه الحادثة إلى خطورة ما تعنيه على الإنسانية كلها، لأنها تمس مباشرة فطرة الإنسان التي فطره الله عليها، وأنا أشدد هنا أنها كذلك تمثل عدوانا على فرص بناء مجتمع دولي متوازن، تمثل قيمه القاسم المشترك بين المجتمعات الانسانية المتنوعة.
لا يجوز بأي حال قبول أن يفرض المتحكمون بالمؤسسات الدولية، والمؤسسات ذات الشأن رياضيا وفنيا وأدبيا قيمهم على مشاركاتنا في هذه المؤسسات، فيكون انصياعنا شرطا لهذه المشاركة.
يجب أن يكون لدينا القدرة والشجاعة لرفض كل هذا التعدي رفضا باتا لا يقبل أنصاف الحلول، وأن نعتبر هذا الرفض جزءا من معركتنا في بناء الذات.
ليست القضية هنا حقوق الشواذ، وإنما حقوق الأمة في بناء منظومتها الأخلاقية والقيمية، لا أريد أن أقول هنا حقوق المسلمين فقط وإنما المسبحية واليهودية وكل الأديان، وكل المجتمعات. وإذ يظهر هذا الأمر أكثر في مجتمع المسلمين فإن السبب في ذلك هو الطبيعة الاجتماعية والتشريعية للدين الإسلامي.
إن التصدي لهذا الاختراق الاخلاقي هو وجه آخر من أوجه التصدي للاختراق الصهيوني،
هذه كلها أوجه لقضية واحدة ” حقوقنا وقيمنا وقدرتنا في الدفاع عنها”.
مطلوب التضامن مع إدريس غاي، مطلوب من الجميع كل في موقعه وبما تتوفر له من قدرات ارسال رسالة واضحة لا لبس فيها، أنه كان فيما قام به منفردا يعبر عن موقفنا جميعا، وعن اصطفافنا جميعا معه في الفريق الذي يدافع حوق الانسان، وقيمه وفطرته، في مواجهة هذا الشذوذ الجنسي والأخلاقي القيمي الذي يعملون جاهدين على نشره.