القاهرة: تترقب مصر، حواراً سياسياً هو الأول من نوعه في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي ركز منذ وصوله إلى السلطة صيف عام 2014 على إجراء “إصلاحات” اقتصادية، ومواجهة “الإرهاب” في سيناء.
هذا الحوار “النادر” الذي بدأت الرئاسة التحضير له دون تحديد موعده والمشاركين فيه، أعلنه السيسي في 26 إبريل/ نيسان الماضي خلال مشاركته في حفل “إفطار الأسرة المصرية” السنوي، بحضور معارضين بارزين.
وتزامن الإعلان عن مبادرة الحوار مع قرارات أقدمت عليها السلطات، في مقدمتها الإفراج عن عشرات المسجونين، وهو ما عده مراقبون “خطوة لبناء الثقة”.
ووفق كلمة متلفزة له على هامش الإفطار الرمضاني، كلّف السيسي، بإجراء هذا الحوار مع كل القوى السياسية “دون استثناء ولا تمييز”.
وجاءت هذه الدعوة وسط أزمة اقتصادية عالمية تتأثر بها المنطقة ومصر منذ اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي.
ونالت مبادرة السيسي تأييدا واسعا من مؤيديه، مقابل ترحيب من معارضين بارزين أبدوا استعدادهم للمشاركة، إضافة إلى ترقب حذر من نظراء لهم بالخارج.
وكان لافتا أن رموز المعارضة سواء داخل البلاد أو خارجها تحاشوا فرض “شروط” لبدء الحوار، بل فضلوا استخدام تعبيرات مثل “ضوابط وأسس وأفكار”.
وعطفا على ذلك، ترحم السيسي لأول مرة بحفل الإفطار ذاته على الرئيس الراحل محمد مرسي (2012: 2013)، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين التي تحظرها السلطات منذ الإطاحة بالأخير صيف 2013.
وتضع “الإخوان” شروطاً قبل بدء أي حوار على رأسها “رد المظالم”، إلا أن إعلاميين مقربين من النظام استبعدوا مؤخراً، مشاركة الجماعة بالحوار.
ويرى خبير سياسي مصري، أن “المبادرة هذه المرة مختلفة وطالما صدرت من الرئاسة بهذا التوقيت فحتما سيحدث الحوار أي كان من سيحضره”، مرجحا أن يغيب عنه الإخوان ومؤيدوها بالخارج، وفي الوقت ذاته أشار إلى أن كثرة شروط المعارضة “تعقد الحوار”.
وعلى هذا النحو ترصد “الأناضول” خط سير هذه المبادرة الرئاسية الأولى بعهد السيسي، وأبرز التفاعلات معها والمطالب بشأنها والمتوقع لمستقبلها:
خطوات بناء ثقة
في 21 أبريل الماضي، أعلن السيسي، اعتزامه إطلاق “حوار سياسي”، وعقب 72 ساعة بدأت السلطات بالإفراج عن 41 شخصا بينهم ناشطون.
وبعد 5 أيام، أطلق السيسي المبادرة في حفل إفطار رمضاني بحضور معارضين، بينهم منافسه السابق برئاسيات 2014 حمدين صباحي، والسياسي خالد داود المفرج عنه قبل عام، إذ تصافح الرئيس المصري معهما بعد انتهائه من كلمته.
وأكد السيسي في كلمته خلال الإفطار أن “الوطن يسع الجميع ودون استثناء أو تمييز”
وأشار إلى إمكانية حضور المراحل الأخيرة من الحوار، واحتمال رفع توصياتها للبرلمان، معلنا الترحم على مرسي لأول مرة علنا، وتفعيل لجنة العفو الرئاسي (عن سجناء تشكلت أواخر 2016)، والسعادة بالإفراج عن “دفعات من أبناء مصر”.
وعقب الكلمة، أُغلن ضم معارضين اثنين هما المحامي طارق العوضي، والوزير السابق كمال أبو عطية، للجنة العفو الرئاسي، وإعلان الأكاديمية الوطنية للتدريب (تابعة للرئاسة)، في بدء التجهيز للحوار، دون تفاصيل بعد عن موعده أو المشاركين فيه.
ووسط تأييد من أنصار الرئيس المصري، لمبادرة الحوار، مثل أحزاب مستقبل وطن، والوفد، والحركة الوطنية، والجيل، أطلقت وزارة الداخلية، في 28 أبريل الماضي، سراح الناشط حسام مؤنس، المقرب من صباحي، بعفو رئاسي.
كما دشن المؤتمر الوطني للشباب (تابع للرئاسة) في 3 مايو/أيار الجاري، استمارة ملء بيانات، للإفراج عن “شباب محبوسين لم تصدر بحقهم أحكام قضائية”، وتلاه بأسبوع إعلان لجنة العفو “قرب صدور قائمة جديدة تتضمن العشرات”.
تفاعل المعارضة
تفاعلت المعارضة في الداخل والخارج بصورة واسعة، في بيانات منفصلة بقبول فكرة الحوار من حيث المبدأ، وبحسب إحصاء ورصد لمواقفهم طرحوا نحو 50 مطلبا متشابها، أغلبها يطالب بالإفراج عن سجناء، وابتعدوا فيها بشكل لافت عن اعتبارها “شروطا”، واكتفوا بألفاظ مثل “ضمانات وأسس وأفكار وخريطة طريق”.
1- معارضة الداخل
في 8 مايو الجاري، أعلنت أحزاب “الحركة المدنية الديمقراطية” (تتكون من 7 أحزاب معارضة أبرزها: الكرامة/ يسار والدستور/ ليبرالي) في بيان سياسي هادئ، ما أسمته “ضوابط” سبعة أبرزها الإفراج عن سجناء وحضور عدد متساو للسلطة والمعارضة.
وقال صباحى، أبرز قيادات الحركة، في تصريحات لصحيفة الشروق المحلية، إن الحركة “لم تضع شروطا مسبقة لهذا الحوار، وإنما أفكار لإنجاحه”.
وأكد أن “إطلاق سراح سجناء الرأي ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء ولم يمارسوا عنفا أو يحرضوا عليه ستكون أفضل بداية وضمانة لإنجاح هذا الحوار المأمول”.
2- معارضة الخارج
المعارضون في الخارج وأبرزهم جماعة الإخوان بدت بياناتهم أكثر حدة في التوصيفات والمطالب التي وصلت إلى 43 مطلبا معظمها متشابهة، وفق الرصد.
الجماعة عبر رسالة لمفاوضها الدولي السابق يوسف ندا، قالت في 30 أبريل الماضي إن “باب الحوار مع النظام مفتوح بعد رد المظالم”.
ووضعت الإخوان في بيان نشر في 10 مايو الجاري، 17 بندا بين “أسس ومبادئ” و”خطوات عملية مبدئية”، و”ثوابت” لضمان نجاح أي حوار، منها: “بدء إطلاق سراح المعتقلين والوقف الفوري لأحكام الإعدام السياسية وإلغاء الأحكام المسيسة والتأكيد على عدم سقوط حقوق الشهداء”.
وفي 9 مايو الجاري، تضمنت حملة توقيعات لمعارضين بالخارج بينهم الفنانان خالد أبو النجا وعمرو واكد، 15 بندا اعتبروها “توجهات وتدابير” لجدية ونجاح الحوار أبرزها أيضا “الإفراج عن سجناء ووقف تنفيذ أحكام الإعدامات، بجانب تمثيل معارضة المهجر”.
والثلاثاء، رحبت “حركة 6 أبريل” الليبرالية في بيان بمبادرة السيسي معلنة انتظار “خارطة طريق مقترحة للحوار”.
فيما طرح المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور، في بيان 10 “خطوات” مناصفة بين السلطة والمعارضة لجدية الحوار تتضمن أيضا الإفراج عن سجناء ومراجعة الخطاب السياسي والإعلامي.
ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من السلطات بشأن ما ذكرته تلك القوى، غير أن الإعلامي المقرب من السلطة، أحمد موسى، أكد الثلاثاء في برنامجه المتلفز، أن المعارضة المتواجدة داخل مصر هي “الوطنية والمرحب بها في الحوار”، “دون مشاركة من الإخوان والموجودين معها بالخارج”.
في المقابل، قال البرلماني المصري السابق والقيادي البارز بالجماعة، جمال حشمت للأناضول، إن “الحوار الجاد يستلزم تقليل الاستقطاب المجتمعي وحدة التوتر وتهيئة الشعب لمرحلة جديدة”.
وأضاف أن “هذا كله يعجز عن تحقيقه نظام السيسي فهو جزء من الأزمة ولن يكون جزءا من الحل وهذا رأيي الخاص منذ 2014”.
وبشأن ما أثير بشأن استبعاد الجماعة، اعتبر حشمت، أنه “لا قيمة لأي حوار بدون الإسلاميين وفعلها من قبل حسني مبارك (الرئيس الأسبق)، فهنيئا لهم الحوار بدون الإخوان فلن يحققوا شيئا وسيبقي الفشل قرين نظام السيسي”.
مستقبل الحوار
من جانبه، قال الأكاديمي والخبير السياسي المصري خيري عمر، للأناضول، إن “طرح الحوار من جانب الرئاسة وتفعيل لجنة العفو فيه جدية بالسياق وإرادة واضحة للتقدم ونقاش قضايا لم تطرح من قبل في السنوات المسبقة”.
واعتبر أن هذا الموقف “يكسب المبادرة نوعا من القوة القانونية والدعم السياسي والمصداقية واحتمالية أن تتحول مخرجاتها في مرحلة لاحقة لتشريعات وقوانين”.
وأضاف عمر، “يجب أن يكون لدى المعارضة تجرد وقدرة على النقاش وطرح أجندة للعمل السياسي وأن تتجنب الشروط والتحفظات المسبقة”.
وأشار إلى أن “تفاعل المعارضة بالداخل والخارج مهم غير أن كثرة الشروط الواردة في موقفهم يُعقّد الحوار ويحبط أي تفاهمات مستقبلية”.
وبشأن إمكانية دعوة الإخوان في مرحلة لاحقة للحوار، قال الخبير السياسي: “عليهم عبء كبير في إثبات جدارتهم في مناقشات سياسية لاسيما ولديهم خصومات على مدى عقود سبقت مع حكومات مختلفة وليس فقط أزمة 2013 ومرجح غيابهم بقوة لأسباب أبرزها حاليا أنهم ليسوا كتلة واحدة”.
المصدر: الأناضول/القدس العربي