الأردن في نقاشات التحول والتحديث: «حكومة قوية تستعيد الدولة» متى وكيف؟

بسام البدارين

يختصر سياسي مثقف وخبير من وزن الدكتور طالب الرفاعي المسافات في فوضى الجدال والنقاش وهو يتحدث في محاولة للإجابة عن السؤال المفصلي: كيف ومن أين نبدأ عندما يتعلق الأمر بالإصلاح؟

«حكومة قوية تسترد الدولة « تلك العبارة قوامها أربع كلمات.

لكن الدكتور الرفاعي يطرحها كمفتاح عقلاني وراشد لمواجهة كل تحديات الإستعصاء في المشهد السياسي الداخلي الأردني والذي يتراكم بالرغم من إطلاق مشروع تحديث المنظومة السياسية.

قال الدكتور الرفاعي رأيه المختصر المفيد على هامش صالون سياسي وجلسة عميقة مع نخبة أكاديميين وسياسيين في دارة الوزير الأسبق أمين محمود وبحضور الرئيس سمير الرفاعي حيث حوار أقل صخبا ومحاولة جماعية لتلمس الطريق.

بعيدا عن الصالون وأصحابه وما حصل فيه من نقاشات حيوية حضرتها وشاركت فيها «القدس العربي» يمكن القول بأن النخب الأعمق تعيد التذكير بان جزئية تركيب وتشكيل حكومة قوية قد تكون مفتاح المعالجة والإحتواء إذا حسنت النوايا.

وذلك لا يعني بأن الحكومات السابقة أو الحالية أو المستقبلية ضعيفة أو خارج السياق، لأن الانطباع مستقر وسط السياسيين بان عملية جذب انتباه الجمهور لغطاء متوفر بعنوان الإرادة السياسية للإصلاح والمضي قدما تبدأ فيزيائيا ورياضيا من عند تركيب هوية الحكومة.

بالمواصفة التي يعممها أمام «القدس العربي» بين الحين والآخر سياسي وبرلماني مثل الدكتور ممدوح العبادي، الحكومة القوية الصلبة هي تلك التي تعود بالجميع إلى مبدأ الإحتكام بالدستور حيث نصوص دستورية متطورة وفعالة واختبرت طوال عقود والعودة إلى الاحتكام لها هو حبل النجاة.

ضمنيا، ولكن من جهة مقابلة يتفق المعارض الشيخ مراد العضايلة مع هذا التشخيص وهو يعيد التذكير بان الوطن يحتاج للاسترخاء وإعادة الثقة بالمناخ العام قبل أي ترتيب آخر وبأن الإصلاح السياسي تحديدا تنخفض جاذبيته لا بل الايمان اليقيني به كلما تشاطر المجتهدون وكثر الحديث عنه فقط بدون ممارسته على أرض الواقع.

مجدداً يبقى السؤال عالقاً: ماهي معايير الحكومة القوية؟

سؤال صعب وتتزاحمه الإجتهادات ومن يحاول الإجابة عليه وسط النخبة الأردنية قد يقترب من المحظور، فالحكومة القوية تعني ببساطة ما دامت الأحزاب السياسية غير موجودة ورئيس الوزراء غير منتخب أصلا تكريس سلطة الولاية العامة واختيار شخصيات وزعامات وطنية في التركيبة السياسية والإعلاء من شأن رسم السياسات المفصلية في إدارة الدولة بأكملها على حساب التركيز على محاصصات جهوية ومناطقية وبغيظة ومختلة أو على حساب تركيبة حكومات الظل والتكنوقراط فقط.

لا توجد وصفة محددة لتعريف الحكومة القوية.

لكن فقط برأي الدكتور الرفاعي الحكومة القوية هي التي تستعيد الدولة، وهو رأي أعمق مما يبدو لأن جزءا من إشكاليات برنامج التحول نحو تحديث منظومة الدولة تحت لافتة إصلاحية هو تقاسم بعض السلطة مع أحزاب سياسية مستقبلا يقول الجميع بانه يتم تصنيعها وتركيبها الآن.

استعادة الدولة أصلا هدف لا يحظى بالتوافق بين فرقاء اللعبة وكبارها حتى تتمكن حكومة ما في أي وقت من التركيز عليها.

وتلك الاستعادة تصبح محصلة لقرار سياسي في حالة واحدة فقط شخصها وتحدث عنها عدة مرات وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، وهي تلك التي تؤمن فيها أذرع القرار ومؤسساته بان كلفة الإصلاح الحقيقي أقل من كلفة نقيضه.

حتى في آخر مهامسة نقاشية مع المعشر يلاحظ الرجل بان البلاد ما زالت في سياق الفكرة المعلبة القديمة ولم تغادرها بعد، حيث مخاوف وهواجس كلفة الإصلاح وفاتورته تطغى، وحيث القناعة لم تستقر بعد بان الكلفة الحقيقية التي يدفعها الجميع مستقبلا إذا بقيت الأمور على ما هي عليه الآن قد تكون أكبر ومؤرقة ومزعجة.

لا يبدو أن مشروع تحديث المنظومة السياسية أقنع حتى الآن حقا لاعبين أساسيين من دعاة الإصلاح بان معادلة كلفة الإصلاح تغيرت في معطيات دوائر القرار. وهو الأمر الذي يبرر ويفسر تلك الجمل المتحفظة والاعتراضية التي يمكن رصدها عند مناقشة سياسيين ولاعبين كبار بين الحين والآخر بعنوان رأيهم وتقديرهم في جدوى وإنتاجية الاستثمار في مشروع تحديث المنظومة بدعمه وإسناده أو بوقف التحفظات والسماح له بالتكون والتشكل وهو طبعا ما يريده الرئيس الرفاعي في كل مجالساته مع كل مكونات وشرائح المهتمين في المجتمع.

وطبعا ودوما يمكن تلمس تلك التحفظات والتي قد تصل إلى العبث والعدمية أحيانا.

عودة او استرداد الدولة هي الصفحة المنقوصة من سلم الأولويات، كذلك العودة لاحترام تقاليد الولاية العامة للحكومة هي مفتاح التحرك لجذب الأردنيين أولا بدلا من البقاء في دائرة «إرادة سياسية منقوصة» أو لا تبدو مقنعة بعد والسبب الاجماع والذي توقف كبار المسؤولين عن انكاره على فكرة أزمة الثقة الحادة جدا بين الدولة ومؤسساتها والناس.

فكرة الحكومة القوية خارج سياق التعريف بعد لا بل في سياق تعددية الرأي والتقدير. لكنها فكرة تستحق التوقف والتأمل.

المصدر:  «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى