من رواد النهضة العربية الحديثة  الياس مرقص

علي رهيف الربيعي

لم يكن اختيارنا لمرقص عشوائيًا، وإنما تكمن مشروعية التفكير فيما كتب من كون فكره راهن ومعاصر لنا من جهة، وقابل لأن يكون أحد مكونات الفكر الديمقراطي العربي في المستقبل.
ولد الياس مرقص في مدينة اللاذقية (سورية) في عام ١٩٢٩، ودرس فيها ” مدرسة الفرير ” وحصل على شهادة البكالوريا – قسم ثاني في هام ١٩٤٥. سافر إلى بلجيكا ضمن عداد أول بعثة سورية في عصر الاستقلال، حيث درس في جامعة بروكسل الحرة . حصل على شهادة مجاز في علم الاجتماع والتربية، وعمل في مجال التعليم في الفترة ما بين سنتي ١٩٥٢-١٩٧٩ في اللاذقية . انتسب إلى الحزب الشيوعي السوري في أواخر الأربعينات وتركه ، أو طرد منه في العام ١٩٥٧ . ساهم في مجلة دراسات عربية ، وأنشأ ” دار الحقيقة ” وأصدر مجلة ” الواقع ” في بيروت ، وتأسيس مجلة ” الوحدة ” في الرباط ، إضافة الى العديد من الندوات الفكرية عربيا وعالميا . توفى بتاريخ ٢٦ يناير ١٩٩١ . بدأ التأليف والترجمة في عام ١٩٥٥ .
لم يترك مرقص لحظة من حياته إلا ووظفها فيما كان يسميه ” جرد الواقع ” والتعرف عليه ، وفي التحصيل المعرفي والفكري ، الذي حوله إلى متابع لتظاهرات الواقع في حياة ووعي الإنسان وإلى طالب معرفة لا يكل ، يصل ليله بنهاره في عمل عقلي دائب ، قاده إلى طرق جميع مجاهل ودروب المعرفة على وجه التقريب ، وإلى العمل طيلة نيف وأربعين عاما بوتيرة لا يكاد المرء أن يصدق أن لها مثيلا في حياتنا ، تعرف خلالها إلى التاريخ والاقتصاد والفلسفة والمنطق وعلم النفس والاجتماع والسياسة واللاهوت وتاريخ الفن والرياضيات .
لقد كان الرجل يعتبر نفسه مناضلا من أجل الحقيقة أكثر مما كان يرى في ذاته مناضلا سياسيا ، وكان يرفض رفضا قاطعا أي تنازل يمس علاقته بما يعتقد أنه الحقيقة . ومن يقرأ كتبه سيجد أنه قال أكثر الأفكار جرأة وخطورة دون خوف أو تردد، وأنه انتقد الواقع العربي والوطني بصراحة وقسوة لا مثيل لها في لغة السياسة العربية المعاصرة . ( كيلو ، ميشيل : ( الياس مرقص … وداعا ) عن مجلة لوتس ، مجلة اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا – شتاء ١٩٩١ .
لقد تميز إنتاجه الفكري بدرجة عالية من العمق النظري ، كما أن جهده النقدي في إعادة صياغة أوليات الفلسفة العربية القومية في ضوء مقتضيات التقدم العربي ، جعله يساهم في بلورة منظور فكري اتسم بكثير من الاتساق ، وعكس وجها من أوجهه جدلية التاريخ والفكر في سياق تطور الفكر العربي المعاصر . وبصورة عامة يمكن القول أنه ، في كل ماكتبه ، كان يجمع بين النقد السياسي والنقد الفكري . وكان النقد السياسي بالمعنى الضيق للكلمة ، أي ” السياسوي ” ، والنقد الايديولوجي يتقلصان ويضمران عاما بعد عام ، في حين كان الفكري يتعمق ويتجذر .
كتب الياس مرقص الكثير في مجال اختصاصه ، وقصد بالفلسفة شيئين أساسيين (١) : أولهما ، نظرية المعرفة ، بما تنطوي عليه من رفض للأيديولوجيا ، خاصة حين يعتقد البعض أنها تعادل الفكر . فالأيديولوجيا الماركسية ليست ، بوصفها كذلك ، حاملة الحق ، ولا الايديدلوجيا البرجوازية حاملة بالضرورة الباطل . وعليه فقد قال: ” ليس ما ينقصنا هو الايديولوجيا بل المنطق والمعرفة والثقافة والاخلاق، و … ايديولوجية تحترم وتثمن بالأساس المنطق والمعرفة والثقافة والأخلاق . الاقتصادوية تصور أن الإنسان جملة العلاقات الاجتماعية ، وهذا معناه علاقات الإنتاج ، أي الطبقات ، وهذا باطل . فكرة الاجتماع أكثر أساسية وأكثر شمولا من فكرة الطبقات . الطبقات كفعلية وراهنية وسياسية تسقط بسقوط فكرة الاجتماع . نظريا ، صراع الطبقات يمكن أن يقود إلى مجتمع أرقى ، ويمكن أن يقود الى سقوط المجتمع وحسب . لا توجد حتمية، توجد ضرورة يجب أن توعى، توجد ضرورة احتمالية ” .

المصدر :

(١) مرقص ، الياس : المذهب الجدلي والمذهب الوضعي ، الطبعة الاولى – ١٩٩١ ، بدون تحديد مكان الطبع ص ١٥- ٢٤ .
2019/04/22

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى