أنقرة تطلق عملية موسعة لضرب حزب “العمال” في كردستان||قيادي في الحزب يهدد بتوسيع رقعة المعارك إلى داخل مدن الإقليم وتركيا

باسم فرنسيس

بعد تحذير سابق من “مخطط مشترك” لشن حملة عسكرية ضد مواقع حزب “العمال الكردستاني” بدأ الجيش التركي هجوماً برياً وجوياً واسعاً على معاقل لمسلحي الحزب في جبال إقليم كردستان العراق، فيما هدد قيادي في الحزب بنقل المعارك إلى داخل مدن تركيا والإقليم في حال دعم أربيل وبغداد الحملة التركية.

وكان الجناح السياسي لحزب العمال اتهم في 26 مارس (آذار) الماضي أنقرة والحزب “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني بـ”التخطيط لشن حملة عسكرية ضد مواقع الكريلا (عناصر حزب العمال)، في منتصف أبريل (نيسان) الحالي، وهو ما نفاه حزب بارزاني.

وجاءت العملية بعد ثلاثة أيام على زيارة قام بها رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني إلى أنقرة ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحضور رئيس جهاز الاستخبارات التركي حقان فيدان، وذكر بيان لحكومة الإقليم أن الطرفين “أكدا توسيع آفاق التعاون من أجل أمن المنطقة واستقرارها، وتوطيد العلاقات في المجالات كافة، لا سيما في المجال الاقتصادي والتبادل التجاري”، لكن أصواتاً معارضة لحكومة الإقليم فسرت اللقاء بأنه “تنسيق مسبق وضعت فيه اللمسات الأخيرة على شن الحملة العسكرية ضد حزب العمال”.

غارات وإنزال جوي

وشن سلاح الجو التركي منذ 15 أبريل الحالي غارات جوية مكثفة على أهداف تقول أنقرة إنها معاقل لمسلحي حزب العمال في سلسلة جبل متين شمال غربي بلدة العمادية، التي تبعد نحو 90 كيلومتراً عن مركز محافظة دهوك.

ووفقاً لمصادر محلية وشهود عيان فإن “مروحيات حربية تركية قصفت، مساء أمس الأول، أهدافاً في قمتي جبلي كورجار ولينكي، ونفذت عملية إنزال قبل أن تدخل في مواجهة مع عناصر حزب العمال استمرت لساعات متأخرة من الليل”، في حين تضاربت المعلومات المعلنة من الطرفين حول نتائج المعارك الجارية، إذ قال الجيش التركي إن عمليته حققت أهدافها، في حين أكد حزب العمال إحباطه العملية.

وأفادت وسائل إعلام محلية أن “الجيش التركي بموازاة حملة القصف على منطقتي ديرلوك وشيلادزي قرب منطقة العمادية، شيد أربعة مواقع عسكرية جديدة في جبل كورجار وكهف بريدنداران وقرية سيتا ومنطقة دوسكي، ونقل إليها المئات من الجنود عبر الطائرات المروحية”، مشيرة إلى أن “الحزب الديمقراطي أرسل قوة عسكرية كبيرة إلى ناحية شيلادزي”، في حين أكدت وسائل إعلام تابعة لحزب العمال أن “قوات حزب بارزاني توجهت نحو مناطق مقاتلينا”، إلا أن الأخير لم يصدر عنه أي موقف رسمي بعد.

معلومات متضاربة

وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إطلاق عملية عسكرية برية وجوية باسم “المخلب – القفل” ضد ما وصفها بـ”أهداف إرهابية شمال العراق بهدف حماية أمن قواتنا وشعبنا وضمان أمن حدودنا”، حسبما نقلته وكالة الأناضول التركية، وقال إن “سلاح الجو استهدف بشكل مكثف أهدافاً في متينا وزاب وأفشين- باسيان، إذ نجح طيارونا الأبطال في إصابة أهداف كمخابئ وكهوف وأنفاق ومستودعات ذخيرة وما يسمى بمقار تابعة للتنظيم الإرهابي”، في إشارة إلى حزب العمال، مؤكداً “انتقال قوات النخبة والقوات الخاصة إلى المنطقة بدعم جوي من مروحيات أتاك والمسيرات العادية والمسلحة، وقد تم تحقيق الأهداف في المرحلة الأولى من العملية”، وشدد على أن بلاده “تنفذ هذه العمليات بشكل يحترم سيادة العراق الصديق والشقيق ووحدة أراضيه”، على حد قوله.

وأكدت وزارة الدفاع التركية مقتل “أحد ضباط الجيش برتبة ملازم أول متأثراً بجروح أصيب بها جراء انفجار عبوة ناسفة في منطقة العمليات”، وجاءت العملية بموازاة حملتين عسكريتين تنفذهما وزارة الداخلية التركية في ولايتي هكاري وديار بكر الكرديتين جنوب شرقي البلاد.

من جهته قال حزب العمال إن مسلحيه “أبدوا مقاومة عنيفة ووجهوا ضربة قوية لجيش الاحتلال التركي عندما واجهوا طائرة مروحية أثناء محاولتها الهبوط في منطقة شكفتا برينداران في منطقة الزاب وآفاشين”، معلناً “قتل 28 من الجنود وإصابة تسعة آخرين، وإلحاق أضرار بمروحيتين”، وأوضح أن مواقعه “تعرضت خلال الأيام الأربعة الماضية إلى نحو 150 غارة من قبل الطائرات المروحية التركية”، ونقل الحزب عن مصادر مطلعة قولها إن “قوة عسكرية كبيرة تابعة للحزب الديمقراطي (بزعامة مسعود بارزاني) وصلت منطقتي شيلادزي وديرلوك الواقعتين أسفل جبل كوري جهرو، حيث تشهد سهول هذه المنطقة والمحاذية لجبل كوري جهرو معارك عنيفة”، بين مقاتلي الحزب والجيش التركي، منوهاً إلى أن “الحزب الديمقراطي يستمر في نقل قواته العسكرية إلى مناطق الكريلا (مسلحي العمال)”.

وفي ضوء ما أشيع عن مساندة قوات تابعة لحزب بارزاني العملية التركية، هدد القيادي في حزب “العمال” دوران كالكان في تصريحات نقلتها وسائل إعلام الحزب “بنقل الحرب إلى المدن التركية”، محذراً من أنه “في حال مشاركة العراق وإقليم كردستان في مهاجمة قواتنا، فإن الحرب ستتوسع وستشمل مناطق الإقليم أيضاً”.

مواقع استراتيجية

أستاذ التاريخ السياسي المعاصر وفلسفة العلاقات الدولية في جامعة صلاح الدين باربيل كامران منتك أكد أن “العملية كانت متوقعة”، وقال إن “موقع القمتين الجبليتين كورثجار ولينكي يحظى بأهمية استراتيجية، وأي طرف يفرض سيطرته عليه سيكون له اليد الطولى في المنطقة بشكل عام، وصولاً إلى سهول نينوى”، موضحاً أن “هذا الهجوم هو بداية لحملة عسكرية أوسع، ويبدو أن الخطة التركية في جنوب كردستان (إقليم كردستان) هذه المرة تختلف عما سبقها من عمليات لتهاجم بعدة اتجاهات، والأخطر هو أن تمتد العملية لتشمل مناطق برادوست وخواكورك وسهل برازكر”، التابعة لمحافظة أربيل والواقعة ضمن المثلث الحدودي العراقي التركي الإيراني.

ويتخذ مسلحو حزب “العمال” والمعروفون اختصاراً بـ”البككة” من سلسلة جبال قنديل الفاصلة للحدود التركية العراقية والممتدة إلى الحدود مع إيران، معاقل لهم منذ انطلاق نشاطهم المسلح عام 1984 في مسعى للاستقلال عن تركيا، وتشكيل ما يعرف بـ”كردستان الكبرى” عبر توحيد الشعوب الكردية المنقسمة بين العراق وإيران وتركيا وسوريا.

ورجح منتك أن يرافق العملية “هجوم متزامن على مناطق غرب كردستان (المناطق الكردية في سوريا)، لفصلها كلياً عن جنوب كردستان، بغية قطع المنطقتين بعضهما عن بعض، وخلق خط آمن تمهيداً لإجراء تغيير ديموغرافي مستقبلاً”، لافتاً إلى أن “موقف القوى في إقليم كردستان ضعيف للغاية إلى حد عدم امتلاكها الجرأة لإصدار بيان إدانة، وتم إشغال الشارع بأمور ثانوية، ومعظم الناس لا يهتمون بما يجري ومستعدون للترحيب بأي محتل كرد فعل على امتعاضهم من سلطة الإقليم، وكل المؤشرات تتجه إلى أن المنطقة خصوصاً الإقليم أمام مرحلة صعبة، والنتائج تعتمد على مصير إعادة تشكيل موازين القوى على المستويين العالمي والإقليمي، وبحسب المتغيرات لا يبدو أنها ستكون لصالح الكرد كما كانت خلال فترة الحرب الباردة، وقد أوشكت كردستان أن تكون منطقة صراع بين القوى العظمى”.

توتر في سنجار

وتزامناً مع العملية التركية، اندلعت مواجهة مسلحة بين قوة من الجيش العراقي وقوة من المتطوعين الإيزيديين الموالين لحزب العمال في قضاء سنجار غرب محافظة نينوى، ضمن محاولات تبذلها الحكومة العراقية منذ نحو عامين لإفراغ المنطقة من “المظاهر المسلحة” تنفيذاً لاتفاقية كانت أبرمت بين بغداد وأربيل، وذكر حزب العمال أن “الجيش العراقي يحاول حشد قوة كبيرة في القضاء، ومن المحتمل اندلاع مواجهات ومعارك بين الشعب الإيزيدي والجيش العراقي مع استمرار الهجوم على القضاء”.

وبهذا الصدد أعلن علي الفتلاوي عضو تحالف “الفتح” الشيعي بزعامة هادي العامري المقرب من إيران أن “الانتهاك التركي المستمر للسيادة العراقية ناجم عن الصمت الحكومي”، محذراً من أن “أنقرة تسعى لاحتلال قضاء سنجار ومدن عراقية أخرى، ولا بد من التحرك ضد المخططات التركية”.

بيانات إدانة

واعتبرت كل من رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية في بيان منفصلين الحملة التركية بأنها “خرق للسيادة العراقية وتهديد للأمن القومي العراقي”، وشددتا على أن “تكرار هذه العمليات من دون تنسيق مع الحكومة العراقية أمر غير مقبول، وفي الوقت الذي نؤكد تعزيز العلاقات الإيجابية مع تركيا على أساس المصالح المشتركة، وحل الملفات الأمنية عبر التعاون والتنسيق المشترك المسبق، فإن الممارسات الأمنية الأحادية الجانب في معالجة القضايا الأمنية العالقة أمر مرفوض”، وأكدتا رفض العراق أن “تكون أراضيه ميداناً للصراعات وساحة لتصفية حسابات الآخرين والتعدي على سيادته وتهديد أمنه واستقراره الداخلي، وكذلك يرفض أن يكون منطلقاً للعدوان والتهديد على أي من جيرانه”.

زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر من جانبه هدد أنقرة “بعدم السكوت في حال تكرار هجماتها، فالعراق دولة ذات سيادة كاملة ولن يقبل بالتعدي وزعزعة الأمن في أراضيه، كما ولن يقبل بالاعتداء على دول الجوار الشقيقة والصديقة، علماً أننا ممن يحبذ تقوية العلاقات المشتركة والمتوازنة مع دول الجوار كافة عبر الطرق الدبلوماسية”، وأردف أن أنقرة “قصفت الأراضي العراقية بغير حق وبلا حجة، وإن كان هناك خطر يدهمها من الأراضي العراقية فعليها التنسيق مع الحكومة العراقية لإنهاء الخطر”.

على صعيد الموقف الكردي، شدد رئيس كتلة “الاتحاد الوطني الكردستاني” في البرلمان العراقي هريم كمال أغا على أن “العملية التركية انتهاك صارخ لسيادة العراق”، داعياً أنقرة إلى “حل القضية الكردية عبر الحوار وبالطرق الديمقراطية، لأن لغة السلاح ثبت أنها تعمق الأزمات، ولم ينتج منها إراقة الدماء وخسائر اقتصادية فقط، بل حولت القضية الكردية من قضية تركية داخلية إلى قضية أوروبية ودولية”، وزاد أن “أنقرة إذا كانت تتصور أنها تستطيع إنهاء القضية الكردية بقوة السلاح فهي مخطئة، ولتأخذ العبرة من التجربة المماثلة في العراق التي لم تستطع حملات الإبادة والأسلحة الكيماوية محوها”.

انقسام كردي- كردي

وبادلت وسائل إعلام الحزبين الحاكمين في الإقليم “الديمقراطي” و”الاتحاد” الاتهامات حول الموقف من العملية العسكرية التركية، إذ ربط الموقع الرسمي لحزب “الاتحاد” بين اللقاء الذي جمع أخيراً بين مسرور بارزاني وأردوغان والحملة العسكرية التركية، مشيراً إلى أن حزب بارزاني “أرسل قوة كبيرة إلى منطقة شيلادزي”، وقال إن وزارة الدفاع التركية “أكدت أن عمليتها تجري بدعم من الأصدقاء”.

من جهته تناول موقع “باس نيوز” المقرب من مسرور ادعاءات لمراقبين تفيد بأن حزب “الاتحاد يدعم العملية التركية”، ونقل عن المحلل السياسي بلند شواني قوله إن “هناك معلومات موثوقة بأن الطرف التركي أجرى قبل شنه العملية العسكرية عدة اتفاقات، أغلبها كانت مع حزب الاتحاد”، كاشفاً عن أن “نائب رئيس هيئة الأركان التركية كان أبرم اتفاقاً في السليمانية مع حزب الاتحاد في فبراير (شباط) عام 2008، بعدها شنت أنقرة العديد من الهجمات على حزب العمال، ناهيك باتفاق أبرمه رئيس الجمهورية برهم صالح مع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو عام 2018 لمواجهة الجماعات الإرهابية والمقصود بها حزب العمال، وكذلك اتفاق آخر أبرم في العام نفسه لكبح تحركات حزب العمال مقابل فتح الأجواء التركية أمام الرحلات المقبلة من مطار السليمانية”، ولم يستبعد الموقع أن “يكون الاتحاد مساهماً في محاصرة حزب العمال مقابل تصدير الغاز من الحقول الواقعة ضمن نفوذه إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، في حين يظهر الحزب عبر الإعلام أنه معارض للحملة التركية”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى