خطيب بدلة كاتب سوري، روايته أبو دياب يتكلم في الافراح أول عمل أقرأه له. تبدأ الرواية بتوضيحات اعتبرها الكاتب مفتاحية في قراءة الرواية وتفهّمها. انه يكتب في لغة خليط بين العامية والفصحى، حسب لهجة اهل ادلب حيث مسرح الرواية وأحداثها. وأن الرواية تتعامل مع واقع المشاعر والألفاظ والسلوكيات الجنسية لجميع شخصياتها بصراحة مطلقة تصل لمستوى الاباحية. كما انها تحاول ان تكون سجلا لواقع الثورة السورية في ادلب وجوارها خلال السنوات الأولى للثورة، من وجهة نظر الكاتب طبعا.
تبدأ الرواية من عائلة ادلبية مكونة من الام وابنها نذير أبو دياب المستقرين في بيتهم في احد احياء ادلب كما لها ولدين آخرين متزوجين و مستقرين مع عائلتهما واولادهما في إدلب أيضا. ولها ابنة وحيدة متزوجة ومستقرة في دمشق مع زوجها عنصر المخابرات، أما الزوج فقد توفي في وقت سابق.
تبدأ المظاهرات المنادية بالحرية وإسقاط النظام في إدلب، يشارك بها اعداد متزايدة من الشباب، وتتوسع التظاهرات، ويبدأ النظام عبر اجهزته الامنية بمواجهة المتظاهرين عنفيا بعناصر المخابرات والشبيحة من البعثيين والانتهازيين.
ابو دياب الابن الأكبر للعائلة لم يتزوج يحب النحت و يمارسه هواية في المنزل، إنسان منطلق يتوسع في التعبير عن حاله وعن ما يعيشه وما يفكر فيه. عندما بدأت المظاهرات وجد نفسه ملتحقا بها، فلكل إنسان سوري أسبابه الخاصة المباشرة ليكون مع الثورة، المظلومية المجتمعية التي عممها النظام على كل الناس عمرها عشرات السنين، والناس خرجوا متحدين النظام رغم معرفتهم بطشه وظلمه الذي اختبروه في ثمانينات القرن الماضي، تجاوزوا حاجز الصمت والخوف وخرجوا، لكن حسابات النظام مختلفة، لقد واجه المظاهرات باعلى درجات العنف واعتقل الكثير من الناشطين وكان بينهم أبو دياب حيث أخذوهم الى السجن المركزي في ادلب، حققوا معهم متهمين إياهم بالإرهاب والعلاقة مع دول خارجية وأنهم يتلقون المال ليخرجوا في المظاهرات. واجه ابو دياب محققيه بشجاعة نادرة، استمر احتجازه والآخرين لما يزيد عن مئة يوم وافرج عنه. في هذه الاثناء بحثت عنه أمه في كل الأجهزة الأمنية ولا جواب. أمه التي كانت على علاقة غرامية جنسية مع أحدهم يعتبر من قادة المعارضين وداعم الشباب ومطالبهم العادلة. اما احد اخوته فقد كان يعمل مخبرا لصالح أحد الفروع الأمنية، حاول ان يساعد بالافراج عن أخيه. أما أخاه الآخر فقد كان له مشكلة أخرى مختلفة وهي أن هناك علاقة غرامية جنسية بين زوجته وصديق له. وعندما كشف الأمر عجز عن أي تصرف، حيث غادر الصديق وعائلته البلدة نهائيا. وأعاد زوجته للبيت حفاظا على اولاده ولانه يحبها ولأنه لم يتأكد انها خانته فعلا. والاخت في دمشق أصبحت منبوذة فزوجها مخابرات وشبيح ويسيء للمتظاهرين. كما كان في البلدة خالة أبو دياب التي لديها ثلاثة أولاد. و زوجها قريب من أجواء الإخوان المسلمين. في بداية الأحداث اخذ اولاده الى قريته وضع أولاده عند أخيه خوفا عليهم من التورط في التظاهر وما يستتبعه. لكن تطور الأحداث بعد ذلك وانتقال النظام للعنف وتحول مجموعات من الثوار للعمل المسلح ضد النظام، وتحول الكثير من العصابات والشبيحة للخطف وطلب الفدية سواء برعاية الأجهزة الأمنية ام لمصالح شخصية، كما ظهرت مع تتالي الأحداث بدايات مجموعات إسلامية مقاتلة كان تتويجها ولادة داعش التي انتشرت في القرى حول إدلب ثم تمددت داخلها بعدما انحسرت قوة النظام وضعفت، أصبح أولاد خالة ابو دياب مع داعش وعمهم اصبح اميرا بينهم. حاولت الخالة الذهاب إلى القرية لاسترداد اولادها. لكنها خُطفت من داعش على الطريق، وبقيت فترة تذوقت جميع أنواع الإذلال وانتهاك انسانيتها، أعادها أخا زوجها للبلد مع ولديها الصغيرين اما ابنها الأكبر فقد قتل في احدى معارك مواجهة داعش مع النظام أو مع فصيل معادي ؟!!. اختلط الحابل بالنابل ولم يعد الإنسان أمين على نفسه وحياته. النظام والمجموعات المسلحة وعصابات الخطف والتشبيح، كلهم متسلطين على رقاب الناس ولم يعرف الناس ماذا يفعلون، هل يهربون من البلد أم يبقوا حيث هم ينتظرون مصيرا سيئا يجهلونه.
استمرت علاقة الام الجنسية مع حبيبها رغم كل الظروف وابو دياب عاد للتظاهر ثانية واعتقل مجددا، عندما ذهب للحصول من الأمن على ورقة تسوية وضع. اخوه المخبر ترقى في عمله فقد أصبح وسيطا بين الامن الذين يخطف الموسرين يفاوضهم على إطلاق سراحهم وأن يدفعوا مبلغا كبيرا ويعطيه للمسؤول الأمني. خطة بالاتفاق مع الأمن على اخراج والدته واخوه ابو دياب و اخوه الاخر وزوجته وعائلته اخوه المخبر على اخراجهم الى تركيا القريبة من إدلب، كما انشق زوج اختهم والتحق بهم الى الريحانية مع عائلته. كذلك فعل عشيق الوالدة وكثير من اهل ادلب هربوا باتجاه تركيا او بلدات اقل اضطراب. باع الكثير من أهل البلد أملاكهم وهربوا محافظين على حياتهم لا أكثر.
تنتهي الرواية وقد استقر الجميع في بلدة الريحانية التركية وهم أمام حياة جديدة لا يعرفون كيف يتصرفون.
في التعقيب على الرواية نقول:
لم تكن موفقة الرواية في الخلط بين العامية والفصحى رغم كون ذلك ممكنا من حيث المبدأ، لكن اللغة الجنسية المسفة والاباجية لدرجة مقيتة تجعل إحساس القارئ بأنه أمام لغة شوارع مسفّة وليس أمام رواية ادبية تريد ان تقدم شهادتها عن انطلاقة الثورة السورية في مدينة ادلب وجوارها.
كما أن الرواية متورطة باتهام جماعي مجتمعي للناس في ادلب، الكل ساقط اخلاقيا الأم وعشيقها أحد قادة الناشطين السلميين. الابن الآخر وكونه مخبر، زوجة الابن الثالث التي تخون زوجها، هذه الزوجة التي تراود أبو دياب اخا زوجها عن نفسه حتى في الريحانية ورغم اللجوء. الجار الذي جهز وكرا بجوار بيته ليصطاد النساء ويحضرهنّ لممارسة الجنس الحرام. لا أحد ذكرا او انثى الا وفيه وصمة استعداد للخيانة الجنسية واستباحة اعراض الاخرين…
هذا كثير وهذا مؤلم…
كنا ننتظر في رواية طويلة نسبيا ان تتحدث عن الأسباب المشروعة لثورة الشعب السوري، وكنا ننتظر بيانا مفصلا عن واقع النظام الذي خبر الشعب ظلمه منذ عقود، لم يكن كافيا التحدث عن الأجهزة الأمنية وإساءتها ولا عن أحداث الثمانينات…
أختم بالقول إن اللغة الجنسية الاباحية مع العامية مع السخرية المرّة بهتت موضوع الثورة وحولتها الى حكاية مملة وغير مقنعة، لأنها أساءت للثورة من حيث أرادت أن تخدمها وتنورها…
النظام الذي قتل ما يزيد عن المليون انسان وجرح واعاق مثلهم وشرد نصف الشعب السوري خارجا وداخلا. ودمر ما يزيد عن نصف سوريا، وأعادها للخلف عشرات السنين، وجعلها ضحية احتلال امريكي روسي إيراني مع المرتزقة الطائفيين، إضافة لسيطرة حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري ال ب ي د على الشمال الشرقي والشرق السوري برعاية امريكية ووفق توجه انفصالي صريح. هذا غير التقسيم الواقعي وعيش اغلب اهلنا في الداخل ما دون حد الجوع وليس الفقر.
الشعب الذي خرج مطالبا بإسقاط النظام و الحرية والكرامة والعدالة وبناء الدولة الديمقراطية والحياة الافضل…
وضحى بكل شيء من أجل ذلك…يستحق تحقيق مطالبه…