نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تقريراً ترجمته بروكار برس، يلقي الضوء على تفاصيل جديدة في قضية ضابط الاستخبارات المنشق عن النظام السوري، والذي سيمثل أمام القضاء الألماني خلال أيام قليلة، بعد توجيه تهم له بارتكاب جرائم وانتهاكات بحق عدد من المعتقلين السوريين أثناء فترة وجوده في منصبه، وجاء في التقرير:
أعلنت محكمة ألمانية أن جلسات محاكمة مسؤول سوري تجري هذا الأسبوع بتهمة ارتكاب جرائم حرب، في حين يستند المدعى عليه في دفاعه عن نفسه على فريق من المعارضة التي ساعدته على الانشقاق، ولا يرغبون بمحاكمته.
بعد عام ونصف العام من اندلاع الثورة السورية، وتحديدا في أيلول 2012، اتخذت المعارضة السورية قراراً بمساعدة مسؤولي نظام الأسد على الانشقاق وتسهيل سفرهم لخارج البلاد، على أمل تسريع سقوط النظام. وكان أحد هؤلاء المسؤولين هو أنور رسلان، الذي ترأس قسم التحقيق في الفرع 251، السيئ السمعة في شارع بغداد (فرع الخطيب).
وفرع “الخطيب” يعتبر واحداً من أكثر العناوين التي تثير الخوف والذعر في نفوس السوريين، تبلغ طاقته الاستيعابية نحو مئة معتقل، ولكن مع استمرار الاحتجاجات وصل عدد السجناء إلى أربعة أضعاف طاقته، حيث أصبح المبنى محشوا بسجناء سياسيين تعرضوا للضرب دون وعي، وصعقوا بالكهرباء، وتم رفعهم وأيدهم خلف ظهرهم (الشَبح) كل ذلك كان تحت إدارة رسلان.
تواصل رسلان مع المعارضة وأبلغهم عن رغبته في الانشقاق في عام 2013، ونظراً لأهمية رسلان والمنصب الحساس الذي يشغله، دفع ذلك المعارضة للمخاطرة وإرسال أحد عناصرهم للتظاهر بأنه سائق رسلان ومرافقته داخل دمشق، ونقله إلى الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة. ومن ثم تهريبه إلى الأردن ليلتحق في صفوف المعارضة.
خلال تواجده في الأردن لفت رسلان أنظار قادة المعارضة مما حدا بهم لترشيحه عام 2014 ليكون أحد الأعضاء الممثلين لوفدهم الذاهب إلى جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة.
الدور الجديد لرسلان في المعارضة جعل البعض ينسى غرف التعذيب التي أشرف عليها في الفرع 251، وصراخ الآلاف من الأشخاص الذين تم الزج بهم هناك.
وتمكن رسلان من السفر إلى ألمانيا في صيف 2014 لطلب اللجوء والاستقرار مع عائلته في شمال شرق برلين، وبدأ حياة جديدة وكأن شيء لم يكن، لكن يد العدالة طالته في شباط 2019، عندما ألقت الشرطة الألمانية القبض عليه.
وجهت المحكمة تهماً لرسلان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبذلك سيكون أول مسؤول في النظام يخضع للمحاكمة، وتفيد لائحة اتهام المدعي العام الألماني أنه خلال نيسان 2011 وأيلول 2012، بينما كان رسلان مسؤولاً عن الفرع 251، تم تعذيب 4000 شخص على الأقل هناك، وتوفي 59 نتيجة لذلك، وتم اغتصاب شخص واحد على الأقل والاعتداء عليه جنسياً.
ورغم أن المتهم مواطن سوري، فإنه سيحاكم بموجب مبدأ العدالة الدولية الذي يسمح لدولة أجنبية بمقاضاة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، حيث تجري المحكمة الإقليمية العليا لكوبلينتس (من المستحيل مقاضاة مسؤولي الأسد في المحكمة الجنائية الدولية، بسبب حق النقض الذي تتمتع به الصين وروسيا). على الرغم من إغلاق الدوائر الرسمية في ألمانيا بسبب فيروس كورونا، إلا أنه من المتوقع أن تستمر المحاكمة في موعدها المقرر في 23 نيسان.
وأحدثت قضية رسلان انقساماً بين صفوف المعارضة السورية. بعض أولئك الذين تعرضوا للتعذيب يستعدون لمواجهته في قاعة المحكمة، في المقابل يوجد فريق آخر من أقطاب المعارضة يجد نفسه في موقف صعب، حيث تم التعامل مع رسلان في مرحلة ما رسمياً خلال انشقاقه، وبالرغم من أن هذا الفريق يتوق لرؤية العدالة لكنهم يريدون تجنب أن يلطخ سمعتهم الارتباط مع رسلان.
ورغبة من هذا الفريق الذي يخاف التلطخ بالتعامل مع رسلان، ساق أعضاء المعارضة حججاً مختلفة، فالبعض رأى أن انشقاقه يجب أن يخفف من إدانته في الجرائم السابقة، وأن محاكمته ستدفع مسؤولي نظام الأسد للتفكير ملياً قبل الإقدام على خطوة الانشقاق.
كما تحدثت “فورين بوليسي” إلى ضابط منشق آخر فضل عدم الكشف عن هويته، عمل ضمن صفوف المخابرات السورية، دافع عن رسلان بشكل كامل، وقال: “كان قراره بالهروب شجاعاً، مع مراعاة رتبته وطبيعة عمله الحساسة”، “لو تم القبض عليه، لكان قد قتل هو وعائلته، وكذلك أقاربهم، بدم بارد”.
وفي الجانب الآخر، يحاول الفريق الثاني إلقاء الذنب على رسلان من خلال تضخيم الشكوك حول صدق انتمائه إلى المعارضة. يزعم البعض أنه يستحق العقاب لأنه كان عميلاً مزدوجاً ظل على اتصال مع أجهزة المخابرات السورية حتى بعد انشقاقه (دون تقديم أي دليل دامغ).
وصرح وائل الخالد، وهو ناشط معارض بارز ساعد رسلان على الانشقاق، لـ “فورين بوليسي”: “أن رسلان أبرم صفقة مع المعارضة، ووافق على تسليم ملفات أكثر من 20 ألف معتقل، بمعلومات عما حدث لهم، مقابل تسهيل انشقاقه، لكنه لم يشارك أي شيء جوهري”.
وأكد الخالد أن رسلان عندما كان خارج سوريا، كان مهتماً بالانتقال إلى ألمانيا أكثر من مساعدة المعارضة، وتلقى دعوة من قطر، لكنه أراد الانتقال إلى ألمانيا.
ويضيف خالد بأن المعارضة تمكنت من استصدار جواز سفر سوري لرسلان وذلك برشوة مسؤولي النظام، لكن حتى ذلك الحين لم يسلمهم الوثائق الموعودة.
“رغم إصرار المعارضة على استلام تلك الملفات التي وعد بها رسلان، إلا أنه كان يماطل وكانت حجته أنه سيسلم الملفات إلى الأمم المتحدة أو وكالة المخابرات المركزية. كنت أعلم أنه يخدعنا” يختم الخالد.
قاطعت “فورين بوليسي” شهادات ما لا يقل عن خمسة من كبار قادة المعارضة في ذلك الوقت، وجميعهم أكدوا أنهم لم يتلقوا أي ملفات حساسة من رسلان.
المصدر: بروكار برس