حول إصلاح نظام التعليم في سورية

د- عبدالله تركماني

يعتبر قطاع التعليم حجر الأساس في بناء قوة أية دولة، لأنه يوفر الكفاءات القادرة على تسيير المؤسسات الحديثة، من خلال فلسفة متكاملة لمنظومة التعليم.

وفي سورية قطاع التعليم توسع توسعاً كبيراً إلا أنه كان كمياً على حساب النوع، وقد نتج عنه انخفاض وتدنّي في مستوى الكفاءات. مما يطرح مجموعة أسئلة: ما هي سياسات التعليم في سورية؟ وما هي الآليات وطرائق التفكير المعتمدة في قطاع التعليم؟ وهل تتناسب هذه الآليات مع التحديات التي يجب التعاطي المجدي معها؟ وما هي سياسات التعليم التي يجب الأخذ بها في مرحلة الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية؟

واقع المنظومة التعليمية السورية وأهم سلبياتها

تبدو سياسات التعليم في سورية متخلفة جداً عن متطلبات العصر، إذ ثمة تأخر لمناهج التعليم عن تطورات العصر وتقنياته، وضعف المتطلبات الأساسية لإنجاح العملية التربوية. ثم أنّ طريقة توظيف الأساتذة في الجامعة غير عقلانية، ولا تعتمد على أسس ومعايير علمية، ولا يتم قبول الأساتذة حسب بحوثهم المنشورة وشهاداتهم وقدراتهم العلمية، وإنما هناك محل للمحاباة والمحسوبية وتسييس التعليم. كما أنّ سياسة الاستيعاب الجامعي، وطريقة إجبار معظم الطلاب على دراسة الفروع التي لا يرغبونها، ومنح بعض الطلاب امتيازات معينة لأسباب سياسية قد انعكس سلبياً على العملية التربوية والتعليمية. إضافة إلى أنّ الجامعات السورية لا ترتبط بعقود شراكة بحث علمي مع جامعات مرموقة. وأخيراً فإنّ القسر السياسي والسلطوي زاد من تعميق أزمة المنظومة التربوية، حيث بدأ منذ سنة 1963  التلقين السياسي المنظم  لمفاهيم حزب البعث وسلطته المستبدة، واستُبعدت  كل الفعاليات التعليمية التي لا تتلاقى مع الحاجيات السلطوية أو تتناقض معها.

وهكذا، فإنّ العديد من الدراسات أكدت وجود فجوة كبيرة بين منظومتي التعليم وسوق العمل في سورية.

أهم السياسات التعليمية التي يجب الأخذ بها في المستقبل

إعادة النظر في سياسات التربية والتعليم المبنية على التلقين والكم وليس الكيف، إذ إنّ العصر الذي نعيشه هو عصر ” اقتصاد ومجتمع المعرفة ” القائمين على الاستثمار المكثف برأس المال البشري الذي يشكل التعليم محور عملية بناء قدراتهما. وحتى نستطيع الدخول إلى هذا العصر لابدَّ لنا من الاهتمام بالتعليم وتحسين نوعيته، خاصة في مجال العلوم الحديثة (التقانة والحاسوب والإلكترونيات واللغات الأجنبية، والتربية المواطنية، وإنشاء مقاعد في الجامعات تهتم بالقضايا الفكرية والسياسية والقانونية التي يطرحها موضوع حقوق الإنسان). وذلك بدءاً من المرحلة الابتدائية مروراً بمرحلة التعليم الأساسي والثانوي وصولاً إلى التعليم الجامعي والعالي، وربط ذلك بسوق العمل وبما يتناسب مع متطلبات التنمية الشاملة.

ومن وجهة نظر شاملة، يقع على عاتق السياسة التعليمية الموازنة بين الطلب والعرض على التعليم وتقليل الاختلالات بينهما إلى الحدود الدنيا، وهذا ما يعبر عنه في أدبيات ” اقتصاد التعليم ” بمواءمة مخرجات العملية التعليمية لمتطلبات سوق العمل، دون أن تهمل تلك الأدبيات الأخذ بعين الاعتبار كلفة التعليم والعوائد المتوقعة منه، وكذلك الحق في التعليم الأساسي، إضافة إلى الأبعاد الاجتماعية والنفسية للعملية التعليمية.

إننا نرى أنّ إصلاح النظام التعليمي هو جزء من عملية شاملة يتم من خلالها إصلاح النظام التربوي بما يناسب إطلاق المواهب و تحرير المواطن السوري، عن طريق الاستعانة بالمناهج والوسائل الحديثة، في مختلف مراحل العملية التعليمية، والتي تعزز المحاكمات العقلية والحس النقدي و التساؤل الدائم، ولا يمكن لكل ذلك أن يثمر إلا في جو من إطلاق الحريات الفكرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وفي بيئة اقتصادية واجتماعية منعشة للطاقات الخلاقة السورية.

إنّ بلورة الرؤى الصحيحة وتحسين السبل العملية المفضية إلى تنشئة عصرية يتطلبان – بداية – الانطلاق من التلازم العضوي بين التربوي والاجتماعي والسياسي في المناهج الدراسية، بما يؤدي إلى اعتبارها ” تنشئة عمل ” أكثر مما هي ” تنشئة نظر “. وبإشاعة هذه الطريقة في التنشئة يزداد الوعي العام بأهمية الحوار، بوصفه وسيلة لمحاولة التوصل إلى الأحكام الرشيدة.

وفي سياق ذلك يجدر بنا أن ننظر للتعليم كهدف ومنهاج ووسائل، باعتباره الأساس في تنمية الرأسمال البشري. إذ ليس من شك في أنّ مستقبل سورية سيكون أكثر إشراقاً وأبعث على الأمل كلما ارتقى مستوى التعليم، ويندرج هذا الجهد ضمن إطار محاولة توسيع خيارات المواطن السوري، خاصة الحصول على المعرفة وضمان مستوى معيشي لائق، من خلال الأبعاد الثلاثة التالية:

(1)        – تكوين القدرات البشرية، من خلال تحسين المستوى المعرفي وتجويد المهارات الفردية والجماعية.

(2)        – استخدام السوريين لهذه القدرات للمساهمة في الأنشطة الإنتاجية والإبداعية والثقافية والاجتماعية والسياسية.

(3)        – استخدام مستوى الرفاه البشري الذي يمكن أن نبلغه لإثراء القدرات المعرفية للسوريين.

ومن هنا تبرز أهمية التعليم المتمركز حول المشكلات والتحديات، والقدرة على الوصول إلى مستويات عليا من التفكير السليم، وترسيخ المفاهيم النسبية مما يوفر فرصاً لممارسة تغيير النظرة إلى القضايا تبعا لمجرى تطورها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى