يراهن «الإطار التنسيقي» الشيعي على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر عدداً، قبل الشروع بمفاوضات اختيار رئيس الوزراء الجديد، وتأليف كابينته الوزارية، وفيما دعا زعيم التيار الصدري إلى المشاركة في هذا التوجّه، يخطط لاستقطاب الكتل السياسية (الكردية والسنّية) والمستقلين، المتحالفين ضمن «انقاذ وطن» والمضي بتشكيل حكومة «توافقية».
وتعرض الصدر وحلفاؤه الشهر الماضي، إلى ثلاثة إخفاقات في تحقيق النصاب القانوني لعقد جلسة تمرير مرشح رئيس الجمهورية ريبر أحمد عن الحزب الديمقراطي الكردستاني.
ورغم إن تحالف «انقاذ وطن» اقترب من تحقيق النصاب القانوني لجلسة 26 آذار/مارس الماضي، بجمع 202 نواب، غير إنه فقد تأييد «المستقلين» في الجلسة التالية (عٌقدت في 30 آذار/مارس الماضي) التي لم يحضرها سوى 150-160 نائباً، حسب مصادر أفادت أيضاً بمقاطع نواب حركة «امتداد» و«الجيل الجديد» المعارضة الجلسة.
ويصرّ الصدر على تشكيل حكومة «أغلبية وطنية» رافضاً «التوافق» مع القوى التي تعمل على تأليف حكومة «توافقية» وأبرزها «الإطار التنسيقي» الشيعي، الذي يضم قادة الفصائل الشيعية المسلحة المنضوية في «الحشد» بالإضافة إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وتحالف «عزم» السنّي.
ولم يتبق على انتهاء المدة القانونية والدستورية لتسمية رئيس جديد لجمهورية العراق، سوى ثلاثة أيام (6 نيسان/أبريل)، وسط استمرار «الأزمة السياسية» بين القوى الشيعية والكردية والسنّية.
وعلى هذا الأساس، تبنّى «الإطار التنسيقي» الشيعي مبادرة سياسية تهدف إلى حلّحلة الأوضاع المتأزمة في البلد المُثقل بالأزمات.
وتستند المبادرة إلى عقد حوارٍ مع جميع القوى السياسية والاتفاق على طريقة تشكيل الحكومة الجديدة.
ومن المستبعد أن ينضمّ الصدر إلى مبادرة «الإطار» ويضع يده بيد المختلفين معه في طريقة إدارة البلد في المرحلة المقبلة، لكن الأمر يبدو ممكنناً مع حلفاء الصدر والمستقلين، حسب مصدر مُطلع على سير المفاوضات في «الإطار».
وتأكيداً على ذلك، أعطى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الخميس الماضي، ما وصفه «الثلث المعطل» فرصة للتفاوض مع الكتل الأخرى لتشكيل حكومة أغلبية من دون الكتلة الصدرية.
وقال الصدر في «تغريدة» على «تويتر»: «لكي لا يبقى العراق بلا حكومة فتتردى الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية وغيرها، ها أنا أعطي (الثلث المعطل) فرصة للتفاوض مع جميع الكتل بلا استثناء لتشكيل حكومة أغلبية وطنية من دون الكتلة الصدرية، ومن أول يوم في شهر رمضان المبارك وإلى التاسع من شهر شوال المعظم».
ودعا الصدر الكتلة الصدرية إلى «عدم التدخل بذلك لا إيجابا ولا سلبا» مشدداً بالقول «بذلك فقد ابرأت ذمتي أمام الجميع».
وفي 30 آذار/مارس الماضي، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، رفض التوافق مع «الإطار التنسيقي» بشأن انتخاب رئيس البلاد وتشكيل حكومة جديدة بالعراق.
وقال في «تدوينة» حينها، «لن أتوافق معكم (الإطار التنسيقي) فالتوافق يعني نهاية البلد، لا للتوافق بكل أشكاله».
وأضاف: «ما تسمونه بالانسداد السياسي أهون من التوافق معكم وأفضل من اقتسام الكعكة، فلا خير في حكومة توافقية محاصصاتية».
وتساءل الصدر: «كيف ستتوافقون مع الكتل وأنتم تتطاولون ضد كل المكونات وكل الشركاء الذين تحاولون كسبهم؟».
وخاطب الشعب العراقي بالقول: «لن أعيدكم لمأساتكم السابقة، وذلك وعد غير مكذوب، فالوطن لن يخضع للتبعية والاحتلال والتطبيع والمحاصصة».
«تدوينة» الصدر جاءت ردّاً على إعلان زعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، إعداد مبادرة لمعالجة «الاختناق».
وذكر المالكي في «تغريدة» أيضاً، أن «الإطار التنسيقي والمتحالفين معه أكدوا قوة الثلث الضامن الذي ثبت (الاربعاء الماضي) بمنع عقد جلسة يعدها الإطار خطيرة».
وأضاف: «أعددنا ورقة مباردة لإيجاد حل لحالة الاختناق، بعدما تأكد أن التحالف الثلاثي لم يتقدم بمبادرة إيجاد حلول واقعية تضمن العملية السياسية من الانهيار».
وتابع: «اليوم وغدا يبدأ الحوار بين القوى المتحالفة لإنضاج المبادرة والانطلاق بها إلى باقي القوى والمكونات السياسية».
وعن كواليس اجتماع قادة ونواب الكتل السياسية المنضوية في «الإطار التنسيقي» بمنزل رئيس تحالف «الفتح» هادي العامري، الأربعاء الماضي، يقول المصدر لـ«القدس العربي» إنه «جرى الحديث عن امكانية إطلاق مبادرة يمكن أن ينطلق بها الإطار التنسيقي الشيعي إلى الأطراف الأخرى، بهدف حلحلة الأزمة وعدم انهيار العملية السياسية».
وأضاف: «على الطرف الآخر أن يبادر أيضاً. الأمر لا يتعلق بالإطار التنسيقي الشيعي وحدّه» موضحاً إن «المبادرة ستُطرح على الرأي العام أيضاً، بالإضافة إلى الأطراف السياسية، وسينتظر الإطار المواقف التي ستستجيب لها بعض الأطراف دون أخرى حتماً».
وبشأن أبرز بنود المبادرة، يؤكد المصدر إن «أهم بنود المبادرة هو الجلوس إلى طاولة الحوار والتوصل إلى توافق يُرضي جميع الأطراف، من دون أن يكون هناك طرف متزمّت ومصرّ على إبعاد الإطار التنسيقي».
وأوضح إن «المبادرة تستهدف أيضاً التحالف الثلاثي (يضم الصدر وحزب بارزاني والحلبوسي والخنجر) وعددا من المستقلين» مرجّحاً أن «تلاقي المبادرة ترحيباً خصوصاً من الأطراف التي لا ترغب في أن تكون جزءاً سواء من الإطار التنسيقي أو التحالف الثلاثي، ويتفقون على إيجاد حل يخدم المصلحة العامة».
في السياق ذاته، يقول المحلل السياسي العراقي، الدكتور حيدر البرزنجي، لـ«القدس العربي» إن «الإطار التنسيقي يرى إن من الضروري أن يكون التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، جزءاً من العملية السياسية. هم لديهم مقاعد عديدة في البرلمان (75 مقعداً) ومن غير الممكن إقصائهم».
وعن رفض الصدريين وضع يدهم بيد «الإطار التنسيقي» وحلفائه، يرى البرزنجي إن «بإمكانهم الذهاب إلى المعارضة الإيجابية الحقيقية وليس السلبية التي تهدف إلى تسقيط الحكومة من خلال الاستجوابات وغيرها».
رفض الصدر المُعلن لمبادرة «الإطار» لم يُترجم بموقف مماثل لدى الكتل المتحالفة معه من الأكراد والسنّة.
ويضيف البرزنجي: «بقية الأطراف في التحالف الثلاثي (الديمقراطي والسيادة) لم يعلنوا عدم رغبتهم في المشاركة بالمبادرة. إذا اختار الصدر الذهاب إلى المعارضة فيمكنه المضي بذلك» في إشارة إلى إمكانية انضمام «حلفاء الصدر» إلى المبادرة.
ووفقاً للمحلل السياسي العراقي فإن «الأمور ذاهبة نحو الحلحلة قبل يوم 6 نيسان/أبريل الجاري، رغم إن المؤشرات حتى الآن تفيد بأن الأمور لن تكون أفضل من الجلسات الماضية» معتبراً في الوقت عيّنه بأن خيار «حلّ البرلمان صعب، بكونه يحتاج أيضاً إلى ثُلثي أعضاء مجلس النواب».
وليلة الجمعة، أصدر «الإطار التنسيقي» بيانا بشأن «الانسداد السياسي» الحاصل في عملية انتخاب رئيس الجمهورية.
وقال الإطار في بيان صحافي، انه «انطلاقا من المسؤولية الشرعية والوطنية والأخلاقية الملقاة على عاتقه، ما زال الإطار التنسيقي مستعدا للحوار الجاد والبناء مع جميع الكتل والمستقلين للخروج من حالة الانسداد السياسي، كما تدعوا قوى الإطار جميع المخلصين إلى تحمل المسؤولية وعدم الإصرار على معادلة كسر الإرادات التي من شأنها ان تزيد المشهد تعقيدا بدون جدوى والمتضرر الوحيد منها هو الشعب العراقي».
وأضاف انه «يعلن عن رؤيته لمعالجة الانسداد السياسي والتي ترتكز على عدة أسس نوردها أدناه وسيقدم الإطار تفاصيلها في حواراته مع القوى السياسية».
وشددت رؤية الإطار على أهمية «الالتزام بالمدد الدستورية وتسجيل الكتلة الأكثر عددا من الطرفين لضمان حق المكون واكتمال الاستحقاق الوطني للمكونات الأخرى بالرئاسات الثلاث، ضمن رؤية موحدة يشترك فيها الإطار والمتحالفون معه والكتلة الصدرية والمتحالفون معها».
وأشار البيان إلى إنه «بعد إعلان الكتلة الأكثر عددا يتم الاتفاق على المرشح لمنصب رئيس الوزراء، وفق الشروط والمعايير المطلوبة كالكفاءة والنزاهة والاستقلالية، ويكون ذلك عبر لجنة مشتركة من الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية».
وأكد «الإطار» الشيعي ضرورة «الاتفاق على البرنامج الحكومي ضمن سقف زمني محدد يتم الاتفاق عليه، ويشترك في إدارة تنفيذه من يرغب من الكتل الفائزة التي تلتزم بالبرنامج ويتم ترشيح المؤهلين لإدارة البلاد على ان يمتازوا بالكفاءة والنزاهة والاختصاص».
ولفت إلى أن «تتولى المعارضة داخل مجلس النواب مراقبة الحكومة ومحاسبتها على أخطائها وتجاوزاتها ويتم تمكين المعارضة من القيام بعملها بصورة صحيحة وحمايتها وفق القانون».
وختم البيان: «نكرر نداءنا لاخواننا الذين رفضوا دعواتنا المتكررة للتعاون على البر والتقوى ونحضهم لوضع مصلحة الوطن والمواطنين فوق المصالح الحزبية والكتلوية».
المصدر: «القدس العربي»