بعد احتلال العراق عام 2003 أصدرت السلطة المؤقتة في بغداد بقيادة الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر قانون «هيئة اجتثاث البعث» بتبني ورغبة من بعض رموز قوى المعارضة في ذلك الوقت ، أبرزهم الدكتور احمد الجلبي ، وبتنسيق اسرائيلي وتوافق اقليمي سعى لإبعاد رموز الدولة السابقة عن السلطة الجديدة ومركز القرار ، متجاهلين تجربة المجتمعات التي سبقتهم في التغيير والمصالحة كما حصل في جنوب أفريقيا والجارة ايران ، مما خلق حالة من الفوضى الإدارية في المؤسسات الحكومية ، ودفع بالارهاب ليمزق المجتمع الى اشلاء .
وقد حرف عمل هذه الهيئة وابعدت عن مسارها الذي وجد من أجلها ، بعد أن إستغلتها الاحزاب الحاكمة أبشع استغلال في تصفية خصومها من السياسيين ، حتى أصبحت معوقا للعملية السياسية في مرحلة لاحقة ، مما دفع هذه الاحزاب لإعادة النظر بقانون الهيئة واداء عملها من خلال جلسات البرلمان .
وبغض النظر عن السلبيات الكثيرة التي شابت بقاء هذه الهيئة ، ورغم اختلاف ٱراء الاحزاب الحاكمة فيما بينها على مسارها وعملها ، لكنهم توافقوا على إبقائها وتغيير جزء من قوانينها بما فيها الإسم ، حيث سميت «هيئة المساءلة والعدالة» كي تكون الفيصل في تقييم مرشحي مناصب الدولة وعلاقتهم بالمؤسسات التابعة للنظام السابق .
وبالرغم من اختلافنا بالرأي مع النظام السابق في ذلك الوقت والتحاقنا بالمعارضة العراقية منذ عام 1979 ، إلا أننا نرى أنهم قد بنوا مؤسسات الدولة وما زالت قائمة وتستخدم لغاية الآن ، بغض النظر عن الحروب العبثية الخاطئة التي حصلت في ذلك الوقت ، حيث أن من تسلم السلطة في البلاد من بعدهم وحكم لأكثر من نصف عمر حكمهم لم يقدم من الاعمار والبناء ما نسبته 10 ٪ مما بنته السلطة السابقة ، وعلينا أن نكون رجالا صادقين ونعترف لهم بهذا .
المهم أن أولئك الذين حكموا سابقا بسلبياتهم وايجابياتهم انتهت مرحلتهم وأصبحوا من الماضي ، منهم من توفاه الله سبحانه وتعالى ، ومنهم شاخ وطعن في السن وأخذت منه الأمراض ولم يعد لهم طموحا في الحكم ، إلا القلة الانتهازية من الباحثين عن المنافع الشخصية والمشاركين في السلطة الحالية ، وبذلك أصبحت هذه المسميات عبارة عن وهم خلقته مخيلة قادة السلطة الجدد هدفهم ابتزاز المجتمع .
وعودا إلى ذي بدء ومن أجل الاستفادة من هكذا مؤسسات وهيئات بشكل ايجابي علينا النظر في تحديث قوانينها لتشمل منع ذوي السمعة السيئة والجرائم الجنائية والإرهابية ومن له ارتباطات دولية مشبوهة وموثقة ، أو دعاة الانفصالية التي تهدد وحدة البلاد واستقرارها ، سيما والعملية السياسية مقبلة على اختيار من يشغل مناصب الدولة العليا التنفيذية والإدارية ، وحتى نضمن سلامة الوطن من خلال وضع قوانين منصفة لإختيار قياديين يتحملون عبأ المرحلة لكي نتبعد عن الأجندات والمشاريع التي تطرح هنا وهناك في جنوب البلاد أو غربه أو شماله ، فالشعب لا يريد مسؤولا في الجنوب يزايد الناس على وطنيتهم ، ويطالب باستقلال البصرة أو الناصرية مثلاً ، على غرار إمارات النفط الخليجية ، مفرطا بوحدة الوطن ، ومستغلا فشل السلطة الحالية ، وكذلك دعاة المشاريع الانفصالية في المناطق الشمالية والغربية التي تصاعدت وتيرتها في الوقت الحاضر ، حتى اصبحوا يتبرؤون من كونهم مواطنين عراقيين ، ووضع قوانين صارمة تلاحق وتحاسب اي انفصالي مهما كان موقعه القيادي ، حتى لو تم إبعاد الكثير من الأسماء البارزة التي تهدد وحدة البلاد ، ويمكننا الاستفادة ممن لديهم نسبة من الوطنية ، وكذلك الاعتماد على جيل الشباب الواعي الذي عانى الأمرين ، لمعالجة جروح الوطن وإعادة بناءه وإعماره ، وإنطلاقه من جديد ليلتحق بصفوف الأمم والشعوب المتطورة ، ولنا إسوة بمن سبقونا في هذا المضمار .