عندما تنتج دولة الامارات أخبارها الرسمية وتكتب عناوينها الرئيسية وتستقبل ضيوفها في مرآب السيارات، فإنها لا تخرق البرتوكول، بقدر ما تُجهد التحليل المرتجى لأسلوبها الخاص في صنع السياسة، وفي تحديد الموقف.. من رئيس الدولة السورية ونظامها، الذي يفترض أنها تدعمه، وتود إعادة تأهيله بأي ثمن، جرياً على عادتها في إحتضان الطغاة العرب وإستيعابهم.
الصورة الموزعة عن اللقاء الذي جمع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والرئيس السوري بشار الاسد، قبل يومين، في ركن جانبي من أحد مرائب السيارات المكشوفة، مثيرة فعلا، يمكن أن تشهد على الكثير من المودة والإلفة ورفع التكليف، مثلما يمكن أن تعبر عن تعمد خفض الاحترام والتقدير، أو ربما عن مسافة طارئة، مستحدثة، بين الرجلين والبلدين، اللذين تثير تقلباتهما السياسية الحيرة والشك دائماً.
الصورة تشهد على أن السياسات التي ترسم أو تناقش في مرائب السيارات، تزيد الارباك، لكنها لا تستدعي الاستغراب، ولا تتطلب السؤال عما إذا كانت الامارات في طور التراجع عن ذلك المسار السوري الغريب، الذي يزعم إستعادة سوريا الاسد الى الحضن العربي، على الرغم من أنها أهم قاعدة عسكرية وسياسية إيرانية خارج حدود إيران، حتى جاز القول أن قلب العروبة النابض هو اليوم قلب الفارسية الزاخر.
ثمة حاجة الى المزيد من التدقيق في أن الامارات، في مسارها هذا، ترغب بشراء النظام من التاجر الايراني الماهر، أو هي تود مضاربة ذاك التاجر وإنتزاع سوريا من براثنه، وهو ما لم تستطعه دول كبرى، مثل أميركا سابقا، وأوروبا لاحقا، وروسيا أخيراً، التي خرجت، أو هي طريقها الى الخروج من سوريا، مع أن الثمن الذي كان النظام يطلبه لا يتعدى الخمسة مليارات دولار، تنفقها طهران سنويا لحمايته وإبقائه في السلطة.
هو مجرد خبط عشواء إماراتي، سجل في الكثير من المسارات العربية المشابهة، لكنها لا تسمح، كما هو شائع، وغير ثابت ، بالكلام عن جفاء بين أبو ظبي وبين واشنطن، وودّ مستجد مع موسكو. فهذه المستوى من المناورة لا يتاح إلا لدول مثل إسرائيل، التي تعرف جيداً قدرتها المحدودة على التأثير أو على التعطيل في المفاوضات الاميركية مع إيران حول الاتفاق النووي..وعجرها التام عن تخطي الهامش المحدد لها من قبل الاميركيين أنفسهم.
لكن الوجه الآخر لذلك المسار ، هو ما يتصل بسوريا الاسد، التي توجهت بتواضع شديد، الى أبو ظبي، لكي تطلب، حسبما تردد، عوناً غذائياً فورياً، من القمح والرز والزيوت والسكر، التي لا يكفي مخزونها لأكثر من ثلاثة أشهر، بعدها تحل المجاعة الفعلية على الملايين من السوريين. أما التوقف في دبي، فكان غرضه، حسبما قيل، الاطمئنان الى ودائع النظام واستثماراته وحركة أمواله وموجوداته الخاصة في بنوك تلك الامارة.
صورة المرآب ليست دليلاً كافياً على أن الرد الاماراتي على مطالب الاسد ومتطلبات سوريا كان سلبياً. المسار المتعرج لكلا الرجلين والبلدين، يتيح الاستنتاج أن اي تجارة، لاسيما السياسية منها، تحتمل الكثير من المفاوضات والمساومات قبل التوصل الى صفقة الشراء والبيع.. مع أن الوقت غير مناسب لأي صفقات يمكن ان تعقدها دمشق وابو ظبي، قبل ان يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في مفاوضات جنيف، وقبل أن يستقر حجم صادرات النفط الاماراتية على معيار أميركي واضح ومحدد.
وحتى ذلك الحين، يمكن ان تغضب أميركا من الامارات، وأن تفرح إيران وروسيا بأي تحديث للمسار الاماراتي السوري القديم…حتى ولو ضاع اللقاء الأخير في أبو ظبي في زحمة السيارات المركونة في المرآب. المهم أن يستمر الزعم بأن ثمة صناع سياسات يصطنعون لأنفسهم دوراً ، ويحددون موقفاً.. ولو في التوقيت العالمي غير الملائم.
المصدر: المدن