تلج الثورة السورية/ ثورة الحرية والكرامة عامها الثاني عشر، بعد أن أتمَّت عامها الحادي عشر هذا اليوم، وهي تعيش حالة من الاستنقاع والمراوحة في المكان، وتنخر في جسمها الطاهر العديد من الأمراض والقيح والصديد والصدأ الذي علا محياها. ولسان حال السوريين يقول: إننا مستمرون في ثورتنا حتى نصل إلى كنس الاحتلال الأسدي النازل عسفًا فوق رؤوس البلاد والعباد منذ أن خطف الوطن السوري المجرم الأكبر حافظ الأسد ولحق به من بعده الوريث غير الشرعي بشار الأسد.
تُتِم الثورة عامها الحادي عشر وهي تتابع سيرها ضمن الكثير من حالات المعاناة والترهل، والإعتداء عليها من القريب والبعيد، دون إدراك كنه المسألة وماهية التحرك المطلوب نحو مزيد من التجاوز وإنهاء حالات التغول على الثورة السورية، وصولًا إلى وضع وطني أكثر صحة وخالي من الأمراض، يعيد بناء مداميك الثورة كما كانت وكما أرادها الشعب السوري أواسط آذار/ مارس 2011.
ويبدو أن كل محاولات المعارضة الرسمية في إعادة الحراك والتحريك الشكلاني لن تجدي نفعًا، وهي تشارك شاءت أم أبت وعت ذلك أم لم تعيه، في عملية الاستنقاع المعاشة لدى كل السوريين. ولعل محاولات (الائتلاف الوطني) كمؤسسة معارضة رسمية تحريك الراكد عبر خطوات لا تثمن ولا تؤتي أي أُكل منها دعوة منظمة الأمم المتحدة لإعطاء مقعد سورية في الأمم المتحدة للائتلاف الوطني، وكأن الأمم المتحدة هي التي تمنح، وليست الدول الكبرى الفاعلة والمتخلية عن الشعب السوري منذ زمن، والتي لم يعد بالإمكان الإستناد إليها أو الإعتماد على تحركاتها غير الجدية. أو التوجه إلى الجامعة العربية وهي المنظمة العربية المترهلة والتي لم تحرك ساكنًا حتى الأن، وهي مابرحت غارقة في خلافاتها البينيةـ وعاجزة أومتعاجزة عن القيام بأي فعل حقيقي من أجل شعوب الأمة، أو في مواجهة سلطات التغول العربي، لأنها بالأساس كانت جزءً من هذا الموات العام والنظام الرسمي العربي البائس.
لكن وفي الواقع فإنه تجري الكثير من التحركات الوطنية السورية الشعبية والمستندة إلى بعض النخب التي لم تتلوث بعد بما تلوثت به قيادات المعارضة في معظمها. ويشار في هذا الصدد إلى أن المطلوب مازال مؤتمرًا وطنيًا سوريًا جامعًا يلتقي فيه الجميع من أجل إعادة الثورة إلى ساحاتها الأولى، ورسم خطوط عامة للثورة لايمكن لأحد أن يتراجع عنها / وأولها إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد يستوعب الجميع ويبني المسارات على أسس جديدة ومتينة، ومن ثم اللقاء الوطني الجامع على معطيات وطنية جامعة، تفك ارتباطاتها بأجندات لاوطنية سورية.
ويبقى السؤال ماثلًا أمام الجميع هل يمكن أن يتم هذا اللقاء الجامع الذي لايستثني أحدًا بدون الارتماء بأحضان الخارج، والمعتمد على الله أولًا وعلى الشعب السوري وإمكانياته الوطنية ليس إلا. وهو عمل شاق لاشك في ذلك ويفترض وجود عمل دؤوب وجهد متواصل لاينقطع، وإمكانية فكرية وسياسية وقوى حية لا ترتبط بالخارج، ولكن كيف؟ بينما كل الحالات قد وضعت بيضها في سلة الخارج، وهل بالإمكان فعل ذلك بينما تتداخل الخطوط وتتعثر الطرق وأهلوها، وتتكيء الأدوات المحركة على حوامل خارجية أكثر منها داخلية، من هنا فان المطللوب كثير والجهد لابد أن يكون كبيرًا لكن الامكانية للفعل في ذلك متواضعة حتى الآن وليس من ضوء في آخر النفق يقطع مع الماضي الصعب والأخطاء القاتلة، في وقت مازال فيه الشعب السوري غارقًا في مشاكله الداخلية والإقليمية والخارجية.
في ذكرى الثورة مازال الأمل موجودًا، ومازال الشعب في تصميمه على الدخول في أتون عمل وطني جامع، رغم كل الصعوبات وكل المعوقات، والتصورات التي ماانفكت تنتج الجديد والمتغيرات التي تحيق بواقع الثورة السورية ماثلة أمام الجميع، في وقت يدرك فيه الجميع أن التخلي والاستنقاع في الوضع السوري هو سيد الموقف ـ ولايمكن الحديث عن تغيرات كبرى في القضية السورية بينما لامؤشرات واضحة في هذا الاتجاه أو مايتساوق معه، أو يقترب من مساراته ومنعرجاته الجدية ذات المصداقية، ومازال استشراف المستقبل تحيط به الكثير من حالات العثار الكبير ويتحمل مسؤوليتها أولًا كامل الطيف السياسي والعسكري للمعارضة السورية التي استغرقت في الكثير من المخاضات التي لم تنتج إلا ماهو أسوأ من السابق.
المصدر: اشراق