تحتجز السلطات اللبنانية المئات من معتقلي الرأي السوريين داخل سجونها، لا سيما سجن “رومية” الذي ذاع صيته خلال الأعوام القليلة الماضية، بعد تفشي الفساد داخله وانعدام أدنى مقومات حقوق الإنسان فيه.
صحافيون وناشطون على رأس القائمة
كشفت مصادر من داخل سجن رومية لموقع تلفزيون سوريا عن وجود نحو 300 معتقل سوري ينتمون إلى فئة “معتقلي الرأي”، وينقسمون بين صحافيين وناشطين حقوقيين وسياسيين.
وأكّد عدد من معتقلي الرأي السوريين في سجن رومية أن العدد المذكور لا يشمل السوريين المتهمين بجرائم أخرى.
وبيّنت الشهادات أن السلطات اللبنانية تدرج معظم المحكومين والموقوفين تحت بند “معتقلي الرأي” ضمن ملفات الإرهاب بحسب المواد 5 و6 و73 من القانون اللبناني.
وكشف الدكتور في القانون الدولي، المحامي طارق شندب، أن هناك عددا كبيرا من الناشطين الإعلامين المساندين للثورة السورية في سجن رومية، مشيراً إلى أن هؤلاء “متهمون بالإرهاب ظلماً من قبل النيابة العامة العسكرية”.
ولفت شندب، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى أن مدة محكومية هؤلاء تتراوح بين سنة على الأقل، وقد تصل إلى المؤبد.
وأسف شندب من استمرار هذه المسألة بسبب ما سماه “سقوط المنظمات الدولية” من جهة، وعدم معاقبة من أساء استخدام القانون وأدخل السياسة في القضاء من جهة أخرى.
استدعاءات بالجملة
في الثامن من نيسان 2017، وخلال توجهه للأمن العام اللبناني للتبليغ عن تعرضه للسلب، احتجز المصور الصحفي السوري فادي سوني في مكتب الأمن العام بذريعة أنه مطلوب أمنياً. تهمة سوني الوحيدة أنه كان يعمل في مركز إعلامي في مدينة القصير آنذاك.
سئل سوني عن عدد من الإعلاميين الذين كانوا يعملون معه في المركز، إلا أن جوابه بأن معظمهم “استشهدوا” لم يعجب المحقق، فرد بدوره على سوني: “قصدك فطسوا”.
يقول سوني لموقع تلفزيون سوريا: “اضطررت أن أعترف بجرائم لم أقترفها تحت التعذيب. كانت هذه الطريقة الوحيدة للتخلص من ركلات المحققين على كل أنحاء جسدي”.
وفي أيار من عام 2018، اقتحم أربعة شبان بلباس مدني، تبين لاحقاً أنهم من مخابرات الجيش اللبناني، خيمة الصحافي عبد الحفيظ الجولاني في مخيم “الوفاء”، واعتقلوه إلى جهة مجهولة، دون تبيان الدوافع، ثم حوّلوه لسجن وزارة الدفاع قبل إخلاء سبيله ببضعة أيام.
وفي شهر كانون الثاني من العام الماضي، أوقف الأمن اللبناني مراسل تلفزيون سوريا في لبنان أحمد القصير ثم أطلق سراحه بعد 13 ساعة، علماً أن القصير أوقف عدة مرات قبلها.
الانتهاكات التي تحصل بحق المعتقلين غالباً ما تتم في الفروع الأمنية، ومنها معلومات الأمن العام اللبناني، ووزارة الدفاع اللبنانية، وشعبة المعلومات، وهو ما أكّده سوريون أخلي سبيلهم حديثاً من سجن رومية.
انتهاكات وواقع طبي متردٍ
وصف أحمد (مستعار) وهو أحد معتقلي الرأي السوريين الواقع الطبي والظروف الصحية للمعتقلين في سجن رومية بـ “السيئة للغاية”.
واعتبر، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن غياب الطبابة والإهمال الصحي لحالة المعتقلين من أبرز المشكلات التي تواجههم داخل السجن، مضيفاً أن تخلي الدولة عن علاج المرضى بشكل مجاني زاد من معاناتهم، في ظل عجز الأهالي عن دفع ثمن أدوية أبنائهم.
وأشار الشاب إلى أن مرض الجرب منتشر بشكل كبير في السجن، إلى جانب تلوث المياه، إضافة إلى اكتظاظ الغرف بالمعتقلين.
وحصل تلفزيون سوريا على صور حصرية من داخل سجن رومية تظهر تردي الظروف الصحية التي تحيط بالمعتقلين.
وتجدر الإشارة إلى أن سجن رومية المركزي سجل سبع حالات وفاة منذ بداية العام 2022 بسبب غياب الرعاية الصحية عن المساجين من جهة، وإضراب عدد كبير منهم عن الطعام من جهة أخرى، نظراً لاختلاف السياسيين اللبنانيين على إقرار قانون العفو العام، وعدم وجود محاكمات، إلى جانب الظروف الصحية السيئة التي تحيط بالسجن.
حرية الصحافة في القانون اللبناني
تكفل المادة 13 من الفصل الثاني في الدستور اللبناني حرية الرأي والتعبير، وتنص على كفالةِ حريةِ إبداء الرأي قولاً وكتابةً، وحريةِ الطباعة، وحريةِ الاجتماع، وحريةِ تأليف الجمعيات، كما تكفل حرية إبداء الرأي (ضمن دائرة القانون)، والمادة 19 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” الذي صدّق عليه لبنان في 1972.
وفي عام 2006، استحدث لبنان ما يعرف بـ “مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية”، الذي يقوم بملاحقة قضايا القدح والذم التي تصدر من مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يحولها إلى قاض منفرد أو إلى المحاكم المختصة بالقدح والذم، إلا أن المكتب عمد إلى استدعاء الصحافيين والناشطين والمدونين في مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى خلفية عمل المكتب، أصدرت منظمة “Human Rights Watch”، تقريراً عام 2019، قالت فيه إن المكتب حقّق في أكثر من 3500 قضية تتعلق بالتحقير والقدح والذم بين الفترة الممتدة من كانون الثاني 2015 أيار 2019.
وجاء في تقرير للمنظمة عينها، صدر في شهر أيار من العام الماضي، أن حرية التعبير والتأثير على الحريات الإعلامية في لبنان تدهورت في العامين الماضيين إلى درجة دفعتها، أي المنظمة، إلى جانب 13 منظمة لبنانية ودولية أخرى إلى إنشاء تحالف جديد للاتحاد بوجه محاولات السلطات زيادة القمع.
لبنان في المرتبة 107 لحرية الصحافة
وصنفت منظمة “مراسلون بلا حدود” لبنان في المرتبة 107 من أصل 180 لجهة حرية الصحافة عام 2021، ليسجل البلد الذي كان يعتبر نموذجاً في حرية التعبير تراجعاً بلغ خمس مراتب، إذ كان يحتل المرتبة 102 عام 2020.
وقالت المنظمة في تقريرها السنوي: “إذا كان وضع الصحفيين في لبنان (107، -5) قد شكل نموذجاً يُحتذى به في المنطقة على مدى عدة سنوات، فإن الواقع قد تغير بشكل كبير اليوم، حيث أضحت ممارسة النشاط الصحفي بحرية أمراً ينطوي على خطورة شديدة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بكشف فضائح الفساد”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا