“الشعب يريد إسقاط النظام” لعلّه أحد أكثر الشعارات رواجاً وهتافاً، هتفت به حناجر الثائرين من تونس إلى سورية مروراً بمصر وليبيا واليمن والسودان، وحملت لافتاته سواعدهم، مثّل هذا الشعار توق حامليه لإسقاط كل ما يمثّله هذا النظام من فساد، واستبداد، وقبضة أمنية تدخلت في كافة مناحي الحياة، وكان رسالة مؤلفة من أربع كلمات لخصت فقدان الأمل من نظام عصيٍّ على أي إصلاح، وبسبب تركيبة النظام الأمنية لم يفهم أن التغيير هو سنّة الحياة، وأن على مؤسسات الدولة أن تتفاعل إيجابياً وتستجيب للتغيير وتنفتح على المطالب المحقّة، بل اعتبر أن هذا الشعار يشكل تحدياً وجوديا له فدافع عن سلطته بكل عنف ووحشية مستخدماً ليس ترسانته العسكرية فحسب بل حتى أحدث ما توصلت اليه التكنولوجيا العسكرية الروسية، فجعل من سورية حقلاً لتجريب كافة صنوف الاسلحة التقليدية وحتى الكيماوية، بل ومرتعاً لعربدة ميلشيات الحقد الطائفي.
واليوم وبعد مرور 11 عاماً على رفع هذا الشعار، هل ما زال الشعب يريد اسقاط النظام؟ وهل سقوط النظام هو المحطة الأخيرة في هذه الثورة؟
أدعي أن الغالبية من الشعب- إن لم أقل الغالبية العظمى- تتمنى سقوط هذا النظام، فأكثر من نصف الشعب مهجّر قسرياً عن أرضه ووطنه بسبب هذه الحرب المجنونة، أما البقية الباقية فترزح تحت سطوته تنتظر طوابير الخبز والوقود وترى مظاهر البذخ المفرط في حفلات أبناء المسؤولين، وكلاهما سواء المهجرين قسراً أو المقيمين قسراً- إذا جاز التعبير- لديهم معتقلين أو مختفين أو مصابين أو شهداء حتى لا يكاد يخلو بيت من أحد أركان رباعية الألم هذه، لذلك يحلمون بيوم يرحل فيه هذا النظام وينتهي هذا الكابوس.
وإذا كان مطلب إسقاط النظام شرطاً لازماً لانتصار الثورة وتحقيق مطالبها، فهو بالتأكيد غير كافي- على حد تعبير الرياضيين في لزوم الشرط مع عدم كفايته- لأنه لا معنى لسقوط النظام وبقاء أشباهه في المناطق التي خرجت عن سيطرته، ففساد البعض يحاكي فساد أجهزه النظام وأزلامه، ومعتقلاتهم وإن كانت لم تبلغ بعد وحشية النظام وإجرامه، لكن ربما منعهم من ذلك قلة إمكانياتهم مقارنة مع إمكانياته، كما أنه لا معنى لسقوط النظام وبقاء فكره الإقصائي في تعاملنا مع بعضنا، بل مزروعاً في ثقافتنا وفي تعاملنا مع الآخر المختلف عنا فكرياً أو إثنياً أو حتى دينياً، بل لا معنى لسقوطه وكلٌ منا يتخيل نفسه القائد للمجتمع والثورة.
قد يكون سقوط النظام وأشباهه هو المحطة الأولى في مشوار الثورة، وكما كانت هذه المحطة وحتى الآن على الأقل مليئة بالشهداء والدمار، كذلك المحطات التي تليه مليئة بالمصاعب والتحديات، وقد يكون البدء بالنقد الذاتي إضافة لحوارات مسؤولة وواعيه بين جميع التيارات على قاعدة وطن سوري موحد حر غير تابع لأي أحد يتسع لجميع أبنائه تؤسس لخارطة طريق نحو عقد اجتماعي جديد هو ما نحتاج إليه في هذه المرحلة.
بالحوار بين الجميع، مع الاحترام التام لكل الآراء والأفكار، والبنّاء على مخرجاته، فقط نستطيع أن نسرّع الخطى نحو سورية التي نريد، وبقبول الأخر والاعتراف بحقه في الوجود، نستطيع أن نرمم ما تهتك من النسيج الاجتماعي، وبالابتعاد عن فوبيا الأكثرية القومية أو المذهبية التي تبتلع الأقليات- التي تغذيها أقلام مأجورة ومراكز بحث ليست بريئة- نستطيع أن نحيا في وطن يتسع للجميع.
المصدر: موقع ” الحرية أولاً “