آفاق الحل السياسي في أوكرانيا

معقل زهور عدي

على أبواب كييف يقف بوتين على مفترق طرق , فخلال الأسابيع الماضية ومنذ أمر الرئيس بوتين قواته بالتحرك نحو أوكرانيا في الرابع والعشرين من الشهر الماضي أصبح واضحاً أن أوكرانيا الأوربية والمدعومة بقوة من الغرب ليست اللقمة السهلة كما كان الحال عليه في الشيشان أو جورجيا أو سورية أو القرم أو كازاكستان , وأن المراهنة على انهيار الجيش الأوكراني , والحكومة الأوكرانية , وابتعاد الشعب الأوكراني عن طريق الدبابات الروسية حتى لو قاومت بعض الجيوب اليائسة لساعات محدودة كانت مراهنة خاطئة تماما لاشك أن بوتين كان يستحضر في خياله المشدود للدولة السوفياتية التدخل العسكري السوفييتي في تشيكوسلوفاكيا حين اقتحمت الدبابات السوفييتية براغ عام 1968 للقضاء على ما سمي بربيع براغ , حين حاول الحزب الشيوعي الحاكم بقيادة دوبتشك إدخال إصلاحات ديمقراطية لكنها كانت في نظر موسكو مؤامرة إمبريالية . وفي سعيها لإعادة الإبن الضال إلى الحضن السوفييتي وجهت موسكو وحلفاؤها التقليديون حوالي مئتين وخمسين ألف جندي وآلاف الدبابات نحو براغ ورغم المظاهرات السلمية الواسعة وسقوط مئات القتلى والجرحى معظمهم من المدنيين فقد استغرق الأمر أقل من يومين لتصل الدبابات الروسية إلى مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في براغ وخلال مدة قصيرة رجعت براغ إلى النموذج السوفييتي وبقيت تدور في فلك موسكو حتى العام 1989 حين حدثت الثورة المخملية وانهار النظام بصورة نهائية . لكن ماحدث في أوكرانيا كان أمرا مختلفا بالكلية , وبعد حوالي عشرين يوماً , لم نعد نعرف أين توقفت أرتال آلاف الدبابات الروسية المهاجمة ولماذا تسير ببطء السلحفاة , كما أن خسائر الجيش الروسي فاقت كل التوقعات , ولايمكن لآلة الدعاية الروسية أن تقنعنا أن كل الصور والفيديوهات التي ترصد تدمير الآليات العسكرية الروسية والطائرات صنعت في ستوديوهات هوليود, كما أن تقارير المراسلين على جبهات القتال لايمكن إهمالها أو تكذيبها بسهولة . وحسب اللواء فايز الدويري فإن القوات الأوكرانية اختارت سحب الجيش الروسي نحو المدن , فإذا كان رأيه صائبا وهو يبدو كذلك فإن القتال الأصعب والأكثر شراسة ودموية مازال ينتظر الجيش الروسي . تحدث الرئيس بايدن قبل الحرب عن ” عقوبات قاسية ” سيتم فرضها على روسيا حال غزوها أوكرانيا , لكن العقوبات التي فرضت حتى الآن جاءت أعلى من التوقعات وبقاؤها سيعني حصاراً اقتصادياً خانقاً لاقتصاد نسج خلال السنوات الماضية علاقات وثيقة مع الغرب , وفضلت نخبه المالية باستمرار ضخ ثرواته نحو البنوك الغربية . ويكفي للدلالة على هشاشة ذلك الاقتصاد أن جميع شركات الطيران المدني الداخلية مملوكة لشركات أجنبية ستتوقف الآن عن الخدمة . وعندما يقول الغرب إن الحرب الحالية ليست حرب روسيا بل حرب بوتين فهو يعني أن أن طبقة رجال الأعمال التي يستند إليها بوتين لاتنظر للحرب بعين الرضى وهي ستعاني من العقوبات أكثر مما تحتمل . شوهت الحرب صورة روسيا كما لم تشوه من قبل , وأحدثت نوعاً من التطابق مع بدايات الحرب العالمية الثانية منذرة البشرية بدخول حرب عالمية ثالثة , ومع وجود القوى النووية فقد تصبح حرب إبادة للجنس البشري . الآن بينما يقف الجيش الروسي على أبواب كييف , وبعد أن توضح تماما أن الأوكرانيين سيقاومون حتى آخر طلقة , بالتالي فسيجد بوتين أنه مضطر لدخول أنقاض عاصمة قد دمرها حتى الأرض , فهل يتحمل مسؤولية كهذه ؟ وفي حال تدمير كييف وانسحاب الجيش الأوكراني نحو الغرب فهل هو مستعد لحرب طويلة الأمد يدعمها الغرب بقوة ؟ لكن ماهو الخيار الآخر لدى بوتين ؟ ربما يكون التوصل إلى حل وسط مع الحكومة الأوكرانية , ولاشك أنه يطمع أن دولا أوربية ستساند مثل ذلك الحل الذي يمكن أن تكون عناوينه كالتالي : الإعتراف بالحكومة الحالية بدل السعي لإسقاطها , الموافقة على سحب الجيش الروسي من اوكرانيا , ايجاد حل توفيقي للجمهوريتين في دونباس , الحصول على تعهد من الحكومة الاوكرانية بعدم الانضمام للناتو . مثل ذلك الحل يمكن أن يكون مخرجا لبوتين لكنه لن يلغي العقوبات الاقتصادية على روسيا مباشرة , وهو وإن كان سيجنب بوتين الأسوأ لكن روسيا لن تخرج منه منتصرة , مثلما أن الغرب لن يخرج منتصرا أيضا . لكن البشرية ستتنفس الصعداء .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى