العلاقة الكردية العربية في المجتمع السوري الغالب والمغلوب

علاء ال رشي  

بعد مدة من الاشتغال على ملف المصالحة الكردية العربية داخل المجتمع السوري وإطلاق الرابطة العربية الكردية، وكذلك عقد ندوات ومؤتمرات وورش، تبين لي أن الأمر عسير جدًّا وهو أعقد من مواجهة النظام البعثي وذلك يعود لاختلاط الرؤية وحجم التشويه والتحريف الموجودتين في البيئتين العربية والكردية؛ في سوريا.

بلا شك أن القطيعة الشعورية والوجودية شبه التامة بين العربي والكردي في سوريا لا يمكن تجاهلها،  وهي بلا شك تخدم النظام بل ربما تمنع مواجهة النظام كما يجب.

هناك تحفز بيني للمواجهة واستباحة دم الطرف الآخر؛ وإذا كان الحديث عن النظام وعن الثورة يُعَدُّ تفاعلًا آنيًّا مع حوادث الزَّمن الحاضر، واستجابةً ضروريَّة لما يطلبه الواقع الرَّاهن، فإن الحديث عن ضرورة المصالحة الكردية العربية يرسم لنا السُّبل الكفيلة بصدِّ التطرُّف ومكافحة الإرهاب؛ وعصمة الدم السوري من الهدر وبذا يصبح الحديث حول «التَّعايُش السلمي بين المكونين الكبيرين العربي والكردي» استشرافًا لمستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا لسوريا.

ولا بد أن يُبنى هذا السلم الأهلي على أساس رفض عقلية المناكفة والتسيد على الطرف المقابل والاحترام المتبادل، وصون الحقوق، والصِّدق في المعاملة، تمهيدًا لبناء الثِّقة ونشر ثقافة التَّعايُش السلمي التي تعتمد على تعزيز القيم والقضايا المشتركة، ونبذ التطرُّف، ومحاربة الإرهاب، وعدم الإقصاء، وتشجيع الحوار البنَّاء، واعتماد التَّفاهم سبيلًا لحلِّ المشكلات. والحكمة في إدارة التَّلاقي تقضي بوجود قانون يحقِّق العدل والمساواة، ويضمن الحقوق، ويمكّن من رعاية المصالح وتأمين السلم لكلِّ الأطراف، بما يحقِّق التَّلاحم الدّاخلي والوئام المجتمعي.

وإذا كان الملف العربي الكردي ضرورة من ضرورات استقرار الأمن والأمان في المجتمع السوري، فإن العمل على ترسيخ قيمة الحوار، من خلال نشر مفاهيم العدل والقانون، وتفعيل الإعلام لخدمة هذا المنطق التوافقي التصالحي يعد عملًا وطنيًّا.

ومن هذا المنطلق، يغدو التَّمسُّك بمبادئ التَّعايُش السِّلمي بين المكونين العربي والكردي شرطًا ضروريًّا لبناء علاقات طيِّبة داخل المجتمع السوري، وإقامة تفاهم بنَّاء وتعاون مثمر يسهمان- بكلِّ إيجابيَّة- في تماسك سوريا، واستقرارها وتنميتها.

لماذا انصرف المعارضون السوريون عن الملف الكردي العربي؟!

وعلى الرغم من أهمية الكرد سياسيًّا وعسكريًّا في الخارطة السورية ودورهم الفاعل في الشمال إلا أنه ما زال يسيطر على المعارضين من الطرف العربي حالتان:

الحالة الأولى: التخوين، والاتهام للكرد، وذلك لإملاء الممول؛ وحسب مزاج الدول المشغلة لهذا المعارض، وهذا الصنف من المعارضين لا يقبل أي نقاش ولا حوار، وذلك لأنه مسلوب الإرادة ويمكن أيضًا وضع من تحزب وقاتل تحت فصائل عسكرية ممولة من دول الجوار.

الحالة الثانية: التجاهل والنأي عن هذا الملف بأكمله بحجة أن الكرد (يخبصون)، وأن (دولة المواطنة هي الحل) وأن شعار (أنا سوري وبس) يكفي؛ هؤلاء بصراحة من أسميهم (بدراويش سوريا)؛ ذلك أن التبسيط المخل لحل مشكلة معقدة يزيد الطين بلة فالتخفيض من التخبيص لا يكون فقط بتوصيف حالة الكرد بأنهم من المخبصين وحصرها بهم فقط بل بالبحث عن جذور ذلك التخبيص وعلاجه؛ وشعار (أنا سوري) لا يقال في زمن التشرذمات وفقدان الثقة بين كل أبناء البلد الواحد؛ بل ينبغي أن نرفع من قدر التحدث بوضوح لكل مكون عن هويته وثقافته وتطلعاته شريطة الالتزام بالقانون العادل وعدم استباحة دم أي طرف آخر؛ ومن ثم إذا التزم الجميع وشاعت الثقة بهذا المطلب انتقلنا الى دولة المواطنة.

ما زال الكثير من المعارضين يتحدثون بنفس قومي ويكتبون ما يطلبه الجمهور وينفذون إرادة المتحكم؛ والبعض يسعى لكسب إعجاب على منشور على صفحات «فيسبوك» ولا يهمه حفظ دم السوريين.

وأكثر المعارضين توحشًا هو من استبدل حل مشكلة العرب والكرد داخل سوريا بالحديث عن الطهارة والطلاق والفكاهة وأخبار عن موزمبيق والفنانين والأحاديث العامة ذات المنطق الشمولي فهو يريد الحرية لكن كيف لا يعلن ولمن لا يعلن وتطبيقات الحرية عنده لا تختلف عن تطبيقات النظام الذي ثار عليه؛ ومن المعارضين من رأى أن التحدث عن الغرب وشتمه وعن النظام أفضل وأريح بالًا من الامساك بملف شائك قد يفقده الإعجاب على «فيسبوك»، أو الراتب الشهري، أو العلاقات في المؤتمرات، أو المناصب السياسية المتوقعة.

نريد مصالحة نريد الإنصاف نريد سوريا تكبر بالعربي والكردي وليس بتصغير أي أخ لأخيه، نريد سوريا لا غالب فيها إلا الشعب ولا مغلوب إلا النظام المجرم.

المصدر: ساسة بوست

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى