على الرغم من تقدّم الحوارات بين القوى السياسية العراقية، وتحديداً “الإطار التنسيقي” و”التيار الصدري”، خلال الأيام الثلاثة الماضية، حول ملف تشكيل الحكومة، إلا أن الوصول إلى تفاهمات نهائية يبدو مبكراً.
وتسود حالة من “غياب الثقة” بين الطرفين، كما تؤكد مصادر سياسية متطابقة في بغداد والنجف لـ”العربي الجديد”، كاشفة أن “الإطار التنسيقي” اشترط، أمس السبت، على “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر الدخول في كتلة برلمانية واحدة لتشكيل “الكتلة الكبرى” في البرلمان، من القوى السياسية الشيعية حصراً، وبعدها سيتم بحث الموافقة على جعفر الصدر، والذي كان طرحه مقتدى الصدر، أو غيره، لتولي رئاسة الحكومة. يذكر أنّ جعفر الصدر، هو ابن عم مقتدى الصدر، ويشغل حالياً منصب السفير العراقي في لندن.
العراق… حراك سياسي متسارع
وشهد العراق، خلال الساعات الـ72 الماضية، حراكاً سياسياً متسارعاً لحل الأزمة السياسية التي لا تزال تضرب البلاد منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتسارع الحراك بعد اتصال الصدر برئيس “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، يوم الخميس الماضي، ليحرّك عجلة الحوارات من جديد.
كما اجتمع الصدر أمس السبت مع وفد من قادة “الإطار” ضم هادي العامري، وفالح الفياض، وأحمد الأسدي، رافقهم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم تحالف “السيادة” خميس الخنجر، في منطقة الحنانة بمحافظة النجف (جنوبي البلاد). ولم تكشف أي جهة عن تفاصيل الاجتماع، إلا أنّ الصدر جدد في تغريدة له عقب الاجتماع تمسّكه بحكومة “أغلبية وطنية”، قائلاً: “لا شرقية ولا غربية.. حكومة أغلبية وطنية”.
وفي السياق، قال مصدر سياسي مطلع لـ”العربي الجديد”، إن “عودة الحوارات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، تواجه انعدام العنصر الذي يمكن أن يضمن ترجمة تلك التفاهمات وإيفاء كل طرف بالتزاماته، وهذا العنصر هو حالة انعدام ثقة غير الجديدة التي تسود العلاقة بين الطرفين”.
وكشف المصدر أنّ “الإطار التنسيقي اشترط على مقتدى الصدر، الدخول في كتلة واحدة تحت قبة مجلس النواب، لغرض تسجيلها بشكل رسمي (الكتلة الكبرى) بعيداً عن التحالف الثلاثي الذي يضم الكتلة الصدرية وتحالف السيادة (بزعامة خميس الخنجر) والحزب الديمقراطي الكردستاني”.
وأوضح المصدر السياسي أن “شرط الإطار التنسيقي، جاء لعدم ثقة قوى الإطار في الاتفاقيات التي يمكن التوصل إليها، وهي تريد إلزام التيار بالدخول رسمياً معها في الكتلة الكبرى التي يحق لها تشكيل الحكومة، حتى لا ينفرد التيار الصدري بتقديم مرشح رئاسة الوزراء من دون الاتفاق مع قوى الإطار عليه”. وأضاف أنه “بدخول التيار الصدري في الكتلة الكبرى التي يمنحها الدستور تشكيل الحكومة إلى جانب القوى الأخرى، لن يتمكن من تقديم مرشح من خلاله فقط”.
مشاورات “الكتلة الكبرى” وتسمية رئيس الحكومة
وأشار المصدر السياسي إلى “قرب عقد حوارات مباشرة بين مقتدى الصدر وقادة الإطار التنسيقي، وتحديداً مع المالكي، من أجل حسم قضية دخول التيار والإطار في كتلة واحدة بعيداً عن التحالف الثلاثي أو بقاء التيار خارج الإطار، والاتفاق معه فقط على تسمية رئيس الحكومة الجديدة والتشكيلة الوزارية”.
وأكد القيادي في “ائتلاف دولة القانون” المنضوي ضمن “الإطار التنسيقي”، النائب محمد الصيهود، في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، أن “المفاوضات مستمرة مع التيار الصدري بشأن تسمية الكتلة الكبرى، وأن الاتفاق على شخص رئيس الوزراء المقبل سيكون بعد إعلان وتشكيل الكتلة الكبرى”.
وبيّن الصيهود أنّ “الجمود انكسر بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، وهناك حوارات ومفاوضات مكثفة تجري بين الطرفين”، لافتاً إلى أن “الوصول إلى حلول نهائية يتطلب مزيداً من الوقت من أجل إكمال التفاوض والحوار، حتى لا تكون هناك عوائق في وجه عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة”.
أما القيادي في تحالف “الفتح” عائد الهلالي، فقال لـ”العربي الجديد”، إن “الحوار والتفاوض يتركزان حالياً بين التيار الصدري والإطار التنسيقي حول تشكيل الكتلة الكبرى بين الطرفين في الأيام المقبلة”. وبيّن الهلالي أن “الإطار التنسيقي مصّر وعازم على تشكيل كتلة أكبر مع التيار الصدري، لتكون هذه الكتلة هي المكلفة بمهام اختيار رئيس الوزراء ومجمل عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة مع باقي القوى السياسية الأخرى السنية والكردية”.
وأكد الهلالي أنّ “استكمال الحوار والتفاوض والاتفاق حول تشكيل الكتلة الكبرى داخل البرلمان العراقي، يحتاج إلى المزيد من الوقت، وقد تشهد الأيام المقبلة إعلان هذا الاتفاق، وتدخل هذه الكتلة بشكل رسمي في جلسة البرلمان المقبلة”.
ولفت إلى أنّ “الإطار التنسيقي لديه مرشحون لرئاسة الوزراء سيجري التفاوض بشأنها مع التيار الصدري، لكن نعتقد أن جعفر الصدر هو الأوفر حظاً، كونه يعتبر مرشح تسوية وليس هناك اعتراض عليه من قبل قوى الإطار التنسيقي، لكن حسم هذا الملف يكون بعد حسم ملف تشكيل الكتلة الكبرى”.
وتعد الحوارات بين الطرفين محاولة لإنهاء الانسداد الذي ضرب المشهد السياسي في العراق خلال الأسابيع الماضية. وشهدت البلاد جموداً في الحوارات بسبب إصرار التحالف الثلاثي الذي يقوده الصدر (الذي تصدرت كتلته نتائج الانتخابات البرلمانية) على تشكيل حكومة أغلبية وطنية. لكن هذا التحالف لم يتمكن من ذلك، لأن تشكيل الحكومة يجب أن يكون مسبوقاً بالتصويت على رئيس الجمهورية، وهو ما لم يتم بسبب إخفاق التحالف الثلاثي في تحقيق نصاب أغلبية الثلثين الذي يشترطه الدستور في الجلسة الأولى للبرلمان.
وقال عضو تحالف “السيادة” أمجد الدايني، لـ”العربي الجديد”، إن تحالفه يرحب بالتفاهمات بين القوى السياسية، موضحاً أن “التقارب بين التيار الصدري والإطار التنسيقي لا يؤثر على التحالف الثلاثي إطلاقاً، بل سوف يعجل بعملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة”. وأضاف: “ليس لدينا أي اعتراض أو تحفّظ حول ترشيح جعفر الصدر لرئاسة الحكومة الجديد، بل ندعم هذا الترشيح، كونه جاء من قبل الأغلبية الشيعية”.
ويأتي هذا الحراك السياسي بعد فتور دام أسابيع، لحل الأزمة، بينما تؤكد مصادر في النجف وبغداد، أنه جاء بتدخل رجال دين بارزين في العراق وشخصية مهمة في طهران، من دون أن تسمّها.
ويسود التوتر المشهد السياسي العراقي منذ الأيام الأولى التي أعقبت إجراء الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر الماضي، وما نتج عنها من تصدّر “التيار الصدري” نتائجها على حساب الأحزاب والكتل السياسية الحليفة لإيران، والمنضوية ضمن “الإطار التنسيقي”، ورغبة الصدر في تشكيل حكومة أغلبية وفرض شروط على تشكيل الحكومة، من بينها استبعاد قوى معينة منها، أبرزها تحالف المالكي، وهو ما ترفضه قوى أخرى منضوية في “الإطار”.
المصدر: العربي الجديد