مع الذكرى الحادية عشر للثورة: دعوة لعمل وطني جاد ومخلص

رأي الملتقى

أيام قليلة تفصلنا عن الذكرى الحادية عشر للثورة المجيدة في وسط مشهد دولي شديد التعقيد والضبابية، ومخاوف ومخاطر مما سيسفر عنه الغزو الروسي (البوتيني) لجمهورية أوكرانيا، الذي أصبح له الأولوية في الاهتمام العالمي، والحراك الدبلوماسي والسياسي، والتغطية الاعلامية، وارتباط العديد من الملفات الدولية بذلك ارتباطا وثيقاً، سلباً أو إيجاباً، ومنها القضية السورية، التي تعاني التهميش والإهمال، وتحولت، منذ أمد، لنقطة تقاطع مصالح متداخلة ومعقدة.

مع حلول الذكرى 11 للثورة التي شكلت حلمًا بالخلاص، من الاستبداد والفساد، يتحسر معظم السوريين على ما آلت إليه أوضاعهم جراء التخاذل الدولي، والاستثمار في معاناتهم، في مقابل ما يسمعونه ويشاهدونه من تعامل مع الحرب والعدوان الجاري على اوكرانيا، لجهة السرعة والحزم لمواجهته، والاستنفار الدولي لتطويقه وافشاله، من خلال العقوبات القاسية المفروضة على الطرف الروسي، وحتى التسهيلات المعطاة للاجئين الفارين من جحيم الحرب في قارة لا تزال تعيش كوابيس الحربين العالميتين، الأولى والثانية، وتشكل لها هاجسا وقلقا دائمين.

يتزامن ذلك مع الاحباط التام، للسوريين، من مختلف أطر المعارضة الرسمية وأشكالها، المرتهنة والعاجزة عن إصلاح ذاتها، وتصويب خطابها، في مقابل حالة إعاقة كاملة عن إيجاد حالة وطنية تكون قادرة على تجاوز عثرات العقد الماضي، وتشكل رافعة وطنية صادقة ومخلصة، وأمينة، على مطالب الثورة وأهدافها، وتستطيع استثمار ما لديها من أدوات، وأهمها وأقواها الإصرار الشعبي على رفض بقاء نظام الأسد واستمراره حاكما متحكما بمستقبل السوريين، رغم كل ما حل بهم، ويستنزفهم على مختلف الصعد، والذي بات مصيرهم ومصير وطنهم معه مهدداً بشتى أنواع المخاطر الآجلة والعاجلة.

حري بنا نحن السوريون بعد كل تلك السنوات العجاف أن نخلص ونهتدي الى خارطة طريق تخرجنا من مأزقنا الحالي بعد كل تلك التكلفة الباهظة التي قدمناها لأجل غدنا المأمول، ونحن من موقعنا الوطني دعونا، مراراً وتكراراً، لتجاوز حالة الدوران في الفراغ عبر السعي لتشكيل إطار وطني قادر على استعادة السوريين لثقتهم بأنفسهم أولا، يخرجهم من حالة التيه الوطني بدون آفاق واضحة ومعالم ظاهرة.

فالأزمة الاوكرانية الملتهبة تعيد الى أذهاننا ضرورة الاعتماد على ذواتنا أولاً، وأهمية وحدتنا الوطنية، وتماسك خطابنا الوطني، ومدخلنا لكل ذلك الاحساس والايمان والعمل بوحدة مصيرنا بعيدا عن كل الرهانات الخاسرة التي استنزفتنا وهزمتنا ذاتياً، ولكي لا تتحول ذكرى الثورة الى مناسبة باهتة تفقد وهجها وألقها، بمرور الأيام والسنوات، وتتحول الى مجرد طقس سنوي وسط الإحباطات والاخفاقات المتكررة والمتوالية، دون القدرة على إتخاذها ساعة للعمل والمراجعة والتقييم، فإننا نكرر دعوتنا الى تحويل المناسبة الى مبادرة عاجلة، كما أطلقنا من هذا الموقع قبل مدة وجيزة خطابا عاجلا بضرورة وحدتنا كسوريين قبل ضياع كل شيء…وطننا وأحلامنا ومستقبلنا.

في هذا الظرف الدولي الذي سيرتب متغيرات عديدة، قريبة وبعيدة، ربما سيكون لها انعكاسات ونتائج سيئة على قضيتنا، وعلى الأغلب ستغير موازين القوى العالمية، ولا نبالغ اذا قلنا أنها ستنتهي بولادة نظام عالمي جديد، لا نملك ترف التفكير والانتظار والترقب إن كنا حقا أوفياء لتلك اللحظة التاريخية التي سطر فيها أطفال درعا، حمزة الخطيب ورفاقه، بكل براءة وصدق وعفوية، كلماتهم التي اختصرت الكثير الكثير مما قيل ويقال.

في الأصل لم تكن الثورة السورية معزولة عن محيطها العربي والدولي، فهي أتت في سياق ربيع عربي لا يزال يتعثر ويسدد فواتير باهظة الثمن، وفي سياق دولي رفع شعارات حقوق الانسان وتعزيز الحريات الفردية والجماعية وحق تقرير مصير الشعوب، تنكر لها العالم في منطقتنا ومع قضايانا، ولعلها فرصة مناسبة ولحظة مواتية لانبثاق مؤسسة وطنية تدرك وتلم بحساسية الملفات العالمية، وتستطيع ربطها بما استجد من انتهاك صارخ لسيادة دولة مستقلة، من قبل دولة أخرى يشكل عدوانها على حق الشعوب واستقلالها سياسة ثابتة لها، لم يدركها العالم عند تدخلها واحتلالها وطننا بصلافة وغطرسة كاملتين، أو قبل ذلك في اعتداءات مشابهة وسافرة، دون أن يعني ذلك أن الأطراف والقوى الدولية الآخرى أكثر انصافاً وعدلاً وانحيازاً لنا، ولقضايا الشعوب المتطلعة الى الحرية والكرامة الانسانية والتقدم.

في السياق ذاته، وضمن فهمنا للغة العالم المتمثلة بمصالحه، أولا وأخيرا، علينا الكف عن الندب والنحيب لاستجرار عواطف العالم، لأن قيمه ومبادئه، غير قابلة للتصدير والتعميم، بالشكل والطريقة التي يقدمها البعض منا، مع ضرورة التنبه الى أن حالتنا السورية في سياقاتها وتطوراتها، وكيفية التعامل معها، مختلفة كليا عن سياق الحدث الاوكراني، الذي لا شك يشكل منعطفاً دولياً خطيراً، نعتقد أنه بنتائجه ربما لن تكون المنطقة وأزماتها، ونحن جزء منها، أحسن حالاً في مستقبلها عن واقعها الحالي، إن لم تشهد حالة نهوض حقيقي، وهو ما يؤكد ضرورة العمل الجاد وبوتيرة عالية لإنجاز البديل الوطني، التي لم تكن حمّى المؤتمرات التي انعقدت في الآونة الأخيرة بداية مشجعة للانطلاق والبدء في ما ندعوا إليه.

لنجعل من ذكرى الثورة انطلاقة جديدة تعيد الأمل لنا جميعا بقدرتنا على تجاوز هذا الواقع المركب والصعب، بالعمل وليس الأمنيات، بالقدرة على صنع فارق نوعي وليس الأحلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى