سؤال خامرني وأنا أشاهد جملة من المخلوقات البديعة التي تسر الناظر وتسرح هموم المكلوم الحائر، في زيارة لحديقة الحيوان شاهدنا زهو الطاووس في انتفاشة بديعة، وشموخ الغزال بتشعبات قرون فارعة، وكذا البط والأوز والحمائم، قلت في نفسي بعد أن خامرتني جذبة صوفيّة اقشعر لها بدني: “يا سبحان الله!!”، ثم ما لبثت أن رددت بما أجاده لبيد بن ربيعة:
فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَهُ
أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ؟
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ
تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ
وَتَسكينَةٍ أَبَدًا شاهِدُ
ثم تساءلت في نفسي لأولئك المشدوهين من سحر المرأة حتى أخذت منهم حالة السكر كل مأخذ: “هل استأثرت النساء بالحسن؟، أم أنّ الجمال يزيد وينقص؟!”، لعل البجعة البيضاء السابحة تحت أشعة الشمس
أشد رقة من العذراء العفيفة، فلماذا نحجر الجمال في أظافر حسناء؟، والله له (في كل شيء آية)، حتى إذا رمقنا الغراب في فحامة ألوانه نرى أن وراء سواده جمالًا يُشَبه به سواد شعر الغيداء الطروب، أما إذا وقفنا أمام الخيل المعقود في نواصيها الخير، فإننا سنستدعي صورة سليمان الأسطورية إذ طف مسحًا بالسوق والأعناق قتلًا أو إعجابًا وحبًّا على إختلاف ما ورد في الأثر.
يا ترى هل يستحق منا الخالق اقتراف المعصية لمجرد حسن باهر في إمرأة وضحاء؟، أم أنّ هذا الحسن يقود للمحسن؟!،. صدقتْ حكمة المتنبي إذ يقول:
ووضعُ الندى في موضعِ السيفِ بالعلا مُضِرٌّ كوضعِ السيف في موضع الندى
الأصل في عبادة التأمل واردة، في قوله: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا)، فلنتأمل بعيون الشافعي الذي يرى الحقيقة في ورقة التوت تخرج حريرًا إذا أكلها القز، وعسلًا إذا أكلها النحل، ومسكًا إذا أكلها الظبي، فسبحان من وحد الأصل وعدد المخرج.
هناك موجة فيض ملأت الكون، لكننا لانزال منبهرين بأفانين الحديقة، وقد شغلتنا عن الولوج لستطعام موائد الضيف الكريم، شربة الخمر تسكر، والمرأة إذا أبدعت في الافتتان تخامر العقول عن الهداية، ولهذا يلج السؤال: هل عظمة الخالق التي أبصرها (لبيد) أقوى أثرًا؟، أم الآثار أقوى إبهارًا من المؤثر؟
حدود إدراكنا ما تحت سقف السماء، بل تزحف مثل الزواحف على أديم الأرض، ونغفل عن عالم الأنوار والملكوت الذي أبصره خليل الرحمن إبراهيم، فمتى يكون بصرنا حديدًا لنبصر هالة الجمال؟، الجمال في المرأة يذبل ويشيخ لكن الخالق جماله بلاحد، وهذا ما كشفه يوسف لزليخة حين أدركها الهرم، فعادت بعد الشيخوخة إلى ريعان الشباب، بلاشك إنّ الإعجاز لمن يكن في كف يوسف بالمحض، إنما بقوة الخالق وإرادته، فهل سندرك الجمال الذي وضعه في راحة يوسف المباركة؟، هل نستطيع إبصار الجمال لو أطلت علينا من السماء حورية الجنّة؟
هذه الكلمة دعوة لإكتشاف الجمال في سائر هذا الكون الفسيح، لعلنا نستيقظ على إدراك خالق الجمال، فنتعلق به عوضًا عن تعلقنا بمن لم يملك إلا النزر القليل، وإن كان هذا القليل من الجمال قاتل ومبهر ويشفي الصدور.