سورية والحرب على أوكرانيا.. المنافع والأضرار

ضياء عودة

منذ اليوم الأول للغزو الروسي لأوكرانيا، وقبل ذلك بأسابيع، كان الملف السوري حاضراً بصورة مباشرة وغير مباشرة، وفي الوقت الذي ناورت فيه موسكو جواً وبحراً انطلاقا من قاعدة حميميم بريف مدينة اللاذقية، أطلق النظام السوري مواقف دعم سياسية وإعلامية لحليفه الروسي، وصلت في آخر مراحلها الاثنين إلى الجانب الاقتصادي.

وعدا عن ذلك تجلّت حالة الربط بين الملفين بسلسلة تقارير نشرتها صحف ووسائل إعلام غربية، بينها “واشنطن بوست”، إذ استذكرت الأيام الأولى للتدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 والقواسم المشتركة التي تجمعه مع غزو أوكرانيا في 2022.

ومع دخول الغزو يومه الخامس، لا تلوح في الأفق أي بوادر تهدئة، وسط مؤشرات على ضربات “قوية” تلقتها موسكو، على الصعيدين السياسي والعسكري، والاقتصادي أيضا، مع افتتاح أسواق الاثنين على تهاوٍ قياسي لقيمة الروبل الروسي أمام الدولار الأميركي.

ويرى مراقبون وخبراء أن “ما بعد غزو أوكرانيا لن يكون كما قبله”، وهو أيضا ما تؤكده بيانات الدول الغربية ومسؤولي الإدارة الأميركية، فيما يشير محللون سوريون إلى انعكاسات “نفع وضرر” قد تتضح ملامحها على أرض الواقع في سوريا، سواء فشلت الأهداف الروسية أم لم تفشل.

“ربط واستثمار إعلامي”

منذ عام 2015، وحتى الآن، ثبتت روسيا في سوريا “موطئ قدم” كبيرة، وبينما جعلت من نفسها طرفا أساسيا في أي مسار سياسي يؤدي إلى “الحل”، انتشرت عسكريا في مناطق متفرقة، أبرزها قاعدة “حميميم” ومرفأ طرطوس، كما هيمنت على قطاعات اقتصادية رئيسية، بموجب عقود طويلة الأمد.

أما في أوكرانيا فهي تسعى حاليا إلى تحقيق هدفين الأول نزع السلاح من أوكرانيا من جهة، وإزالة الحكومة المنتخبة من جهة أخرى.

وكان لموسكو، في البلد الأول، حليفٌ على الأرض يتمثل بالنظام السوري والميليشيات المساندة له، سواء التي تتبع لإيران أو غيرها من الميليشيات المحلية، في حين تفتقد في البلد الثاني (أوكرانيا) أي حليف فعلي، سوى الانفصاليين الذين أعلنت استقلاهم في جمهوريتين دونيتسك ولوغانسك.

وفي موقف لم يكن مستبعدا، لكن الزخم الذي بدا فيه كان لافتا، أعلن النظام السوري، في الأيام الماضية على لسان “كبار مسؤوليه” دعمه للغزو الروسي لأوكرانيا، وبينما اعترفوا أولا بـ”سيادة دونيتسك ولوغانسك” اتجهوا في منحى آخر لربط البلدين بمصطلحات تشير إلى “العدو الواحد” وأن ما يحصل هو “تصحيح للتاريخ”.

وقال رأس النظام السوري، بشار الأسد الجمعة: “ما يحصل اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفيتي”.

وبعد هذه الكلمات التقت زوجته أسماء الأسد بطفلة روسية في العاصمة دمشق ومسؤولين روس آخرين، وقالت في حديث نشرته وكالة الأنباء السورية “سانا”: “جنود المؤسسة العسكرية الروسية مع جنود الجيش السوري يقاتلون لحماية سورية وروسيا معا. يقاتلون لتصحيح التاريخ ولتصويب البوصلة نحو الحق”.

من جانبها اعتبرت مستشارة الأسد، بثينة شعبان، في مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية” الاثنين أن “الغرب لم يلتزم بتعهداته حول توسع الناتو شرقا، ولم يكن لدى روسيا خيار آخر”.

وكذلك الأمر بالنسبة للمستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية السورية، لونا الشبل، بقولها لوكالة “سبوتنيك” الروسية، الاثنين، إن “سوريا تدعم العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا”، مضيفة: “سوريا ستدعم روسيا للتغلب على العقوبات كما فعلت موسكو مع دمشق”.

“انعكاسات متوقعة”

ويدعم بوتين النظام السوري منذ سنوات، ويعتمد الأسد بشكل كبير على روسيا من أجل البقاء وإعادة إعمار سوريا من الدمار واسع النطاق الذي تعرضت له.

وسبق للنظام السوري أن اعترف باستقلال جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، اللتين انفصلتا عن جورجيا عقب تدخل عسكري روسي عام 2008، ويعترف بتلك الجمهوريتين بالإضافة إلى روسيا وسوريا كل من نيكارغوا وفنزويلا وناورو وتوفالو.

لكن، ومع العقوبات التي فرضتها الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، هناك مؤشرات على أن الضرر الذي استهدف القطاع المالي والاقتصادي الروسي ستكون له انعكاسات على النظام السوري.

ويرى الباحث في الشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف أن “الوضع السوري بعد هذه المغامرة التي بدأها بوتين دخل في نفق لا نرى ما فيه”.

ويقول اليوسف لموقع “الحرة”: “روسيا في السنوات السابقة لم تقدم أي تنازلات لأنها عرفت أنها لن تحصل على شيء. إذا كانت تراهن سابقا على إعادة الإعمار فالآن من الذي سيشارك؟ خاصة أن جميع البنوك والشركات الروسية وقعت تحت وطأة عقوبات اقتصادية مشددة”.

ومن جهته يعتبر الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، أن “النظام السوري لا يمكنه أن يتخذ موقفا خارج الموقف الروسي مما يحصل في أوكرانيا”، لكون “وجوده مرتبط بالحماية الروسية. تصريحاته تصب في اتجاه واحد”.

ويقول بربندي لموقع “الحرة”: “الأوضاع في روسيا ستضعف النظام السوري أكثر، لأن الأخير يفتقد لأي حماية دولية سوى تلك التي تفرضها موسكو”.

لكن، ومن زاوية بعيدة، يرى الدبلوماسي السوري السابق أن مشكلة أوكرانيا “هي مشكلة بين أوروبا ضد بوتين. الأوروبيين حربهم أكثر لإعادة التوازن مع روسيا”.

ولا يعتقد بربندي أن “هناك أحد له نظرة مستقبلية لإبعاد روسيا عن الملفات العالمية الثانية”، مؤكدا: “على المدى القريب (دوليا) لن يضغط أحد على روسيا في سوريا أو مكان آخر في العالم. الهدف الأساسي لأميركا إبعادها عن الصين وليس معاداتها، ونرى أيضا أن التحرك ضد روسيا أوروبي مدعوم أمريكيا، وليس العكس”.

ولم تنته الحرب في سوريا حتى الآن، بعد مرور أكثر من عشر سنوات، وإضافة إلى ذلك يوضح ذات المتحدث أنه “لا نستطيع القول: نريد أحدا ليساعدنا دون وجود صوت سوري يطرح مبادرات وأفكار. هذا الصوت غير موجود عمليا”.

“نقاط نفع وضرر”

وفي غضون ذلك يوضح ناصر زهير الباحث في العلاقات الدولية بمركز جنيف للدراسات السياسية أن “هناك ارتباطا كبيرا بين الملف السوري والأوكراني، سواء حدث اتفاق بخصوص أوكرانيا أم لم يحدث”.

ويقول زهير لموقع “الحرة”: “بعد انتهاء (أزمة) أوكرانيا سيكون هناك تصعيد متوقع في سوريا. سواء روسيا التي تريد فرض سيطرتها على كامل الأراضي أو أميركا والغرب الذين سيحاولون التضييق على نفوذ موسكو في الشرق الأوسط”.

ويؤكد الباحث اعتقاده أنه “سيكون هناك تصعيدا مقبلا في سوريا انعكاسا للأزمة الأوكرانية”.

وفي المقابل اعتبر مدير العلاقات الحكومية والاستراتيجية في المجلس السوري- الأميركي، محمد غانم أن “ما يجري في أوكرانيا قد يعود بالنفع والضرر على القضية السورية”.

ونقطة الضرر تتعلق بأن “المفاوضات الخاصة بتجديد قرار عبور المساعدات الإنسانية إلى شمال سوريا، الذي يتجدد كل ستة أشهر في مجلس الأمن، يمكن أن تتعطل”.

لكن غانم يضيف لموقع “الحرة”: “يمكن أن تكون هناك فائدة عن الملف السوري بشكل عام. وهو يتعلق بشكل نهاية الحرب في أوكرانيا، من سيكون الرابح في النهاية”.

ويوضح مدير العلاقات في المجلس السوري- الأميركي أن الروس عندما دخلوا في 2015 وقدموا الدعم دبلوماسيا وعسكريا لنظام الأسد لم يتعرضوا أو يدفعوا أي كلفة، لأن المجتمع الدولي لم يكترث بالشأن السوري.

والآن، يتابع غانم: “هم يدفعون الثمن كرمة لأوكرانيا وليس لسوريا. الثمن باهظ إن كان فصل روسيا من نظام سويفت أو العقوبات التي تستهدف المركزي الروسي، وخسارة الروبل نصف قيمته”.

ويمكن أن تعود العقوبات بالنفع على سوريا لأن روسيا لم تدفع فيها أي ثمن، بينما تضعه الآن “بسبب مغامراتها العسكرية. الأمر يعتمد على إدارة روسيا للحرب ومقدرة أوكرانيا على الصمود، ونهاية هذه الحرب. إما أن تخرج روسيا منتصرة أو تعود تبعات بوتين عليه بالسوء”.

“ما قبل ليس كما بعد”

وعلى مدى السنوات السبع الماضية من عمر الحرب السورية، عملت روسيا لأن تضع نفسها طرفا فاعلا في مختلف الملفات، سواء العسكرة على الأرض أو المسار السياسي كمحادثات “أستانة” أو “سوتشي” واللجنة الدستورية”.

وإضافة إلى ذلك سيطرت على قطاعات اقتصادية مختلفة، فيما هيمنت على موانئ وحقول نفط وفوسفات وغيرها، ونشطت مؤخرا في الملف الإنساني، من خلال سعيها لعرقلة دخول مساعدات الأمم المتحدة إلى شمال سوريا ومناطق أخرى في الشرق السوري.

وفي سياق حديثه لموقع “الحرة” يقول غانم: “إذا استمر الضغط الدولي على ما عليه الآن، فإن موقف روسيا عسكريا وسياسيا واقتصاديا لن يكون كما قبل أوكرانيا. هذا الأمر قد يجلعهم أكثر لينا في شؤون متنوعة في سوريا”، مضيفا: “أي شيء يضعف روسيا سيعود على سوريا بالنفع”.

لكنه في المقابل يشير: إذا استطاع بوتين إدارة الموقف والخروج من الموقف وتحقيق أهدافه في أوكرانيا والخروج من الأزمة بخسائر قليلة، فإن الأمر سيكون كارثة على سوريا، لأنه من الصعب الحصول على أي تنازلات منها في هذا الملف. موقفها دوليا سيكون أكبر بكثير، ومن الصعب أن تكون هناك مقدرة للحصول على أي تنازلات”.

وزاد غانم: “الاحتمال المذكور قد يكون الأضعف، وذلك مرده إلى أن العواقب التي اتضحت على الاقتصاد الروسي في الأيام الماضية كبيرة، وكذلك الأمر بالنسبة للتجييش الأميركي والأوروبي. نريد مراقبة الوضع وكيف سيرسو غبار المعركة”.

المصدر: الحرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى